الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

     هل يجوز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه؟

     بيان جمع صاحب الكفاية بين القولين.

ذكرنا امس الفرق بين المعتزلة والاشاعرة في مسألة جواز تكليف العاجز، المعتزلة ذهبوا إلى عدم الجواز لقبح التكليف بالمحال، اما الاشاعرة فذهبوا إلى الجواز. ولذا ذهب الاصحاب إلى عدم جواز أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه، بينما نسب إلى أكثر مخالفينا الجواز وهذا ما ذكره الشيخ الآخوند (ره) في كفاية الاصول.

أما رأي صاحب الكفاية (ره) في المسألة قال: انه يمكن ان يكون الضمير شيء ومرجعه شيء آخر.

لا باس بمختصر مفيد ان نذكر شيئا من قصة علم الاصول والمراد تسلسل المسائل الاصولية وتداعي بعضها لبعض: ان الله عز وجل جعل تكاليفا واحكاما، وهذه الاحكام مقدمتها بداية أن هناك مصالح أي ما عبر عنه بالملاكات او مرحلة الاقتضاء ثم هذه المصالح تقتضي أن يجعل احكاما على طبقها وهو الاعتبار وهذه هي مرحلة الانشاء والجعل، بعد حصول الحكم تأتي مراحل أخرى، وهذا الحكم عندما يتحقق موضوعه يدفع المكلف إلى تحقيقه، وهذه هي مرحلة التحريك التي هي عبارة عن حالة للحكم وليست مرحلة للحكم، الحكم عبارة عن مرحلة واحدة وهي الانشاء. وبعد ان تم الموضوع من دون منازعات وموانع تمنع من التحريك تكون هذه الحالة مرحلة الفعلية. وحين تعلم به صرت مسؤولا، وهذه مرحلة التنجيز. ونلاحظ أن الحكم له مرحلة واحدة هي الانشاء، اما مرتبة الاقتضاء والملاك فهي مقدمة لا بد للحكيم ان يلاحظها كي يصدر حكمه وليست مرحلة من مراحل الحكم، كما أن الفعلية والتنجيز هي حالة من حالات الحكم وليس مرحلة.

بكل بساطة هذا الحكم الشرعي يجب أن نبحث عنه، ولذلك كما ذكرنا اننا لخصنا علم الاصول بكلمتين: علم الاصول هو بحث عن كواشف فان لم نجد فبحث عن وظائف.

لذلك كان التمييز بين مرحلة الانشاء ومرحلة الفعلية مسألة مهمّة في عالم الاستنباط، صاحب الكفاية (ره) قال ان مرحلة الانشاء هنا " هل يصح أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه " بمعنى انه هل يصح ان يأمر الآمر وهو في مرحلة الانشاء مع علمه بانتفاء شرطه في عالم الفعلية؟ الاحكام مأخوذة على نحو القضية الحقيقية، والقضية الحقيقية هي انه لو فرض الموضوع خارجا يثبت الحكم. أي وجود الموضوع مسألة فرضية بعكس القضية الخارجية التي هي مسألة واقعية.

قال صاحب الكفاية (ره): نعم لو كان المراد من لفظ الامر، الامر ببعض مراتبه، ومن الضمير الراجع إليه بعض مراتبه الاخر، (أي ان الانشاء شيء والفعلية شيء آخر) بأن يكون النزاع في أن أمر الآمر يجوز إنشاءه مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعلية. وبعبارة أخرى: كان النزاع في جواز إنشائه مع العلم بعدم بلوغه إلى المرتبة الفعلية لعدم شرطه، لكان جائزا، وفي وقوعه في الشرعيات والعرفيات غنى وكفاية، ولا يحتاج معه إلى مزيد بيان أو مؤونة برهان. وقد عرفت سابقا أن داعي إنشاء الطلب [1] ، لا ينحصر بالبعث والتحريك جدا حقيقة، بل قد يكون صوريا امتحانا، وربما يكون غير ذلك.

" غير ذلك " ذكرها السيد الخوئي (ره) وتوسع بها وهي التالية: انه احيانا تكون الغاية من الامر عدم تحقيق موضوعه، كأن المراد منها النهي وان الداعي هو نفي الموضوع، من قبيل " أقتلوا القاتل " المراد اني اريد ان الناس لا تقتل، جعلت هذا الحكم حقيقيا حتى ينتفي القتل. فان القضية الحقيقية يكون الحكم فيها منصبا على الحكم على فرض وجوده، فإذا وجد القاتل في الخارج ثبت حكم القتل عليه. فإذا كان الحاكم يعلم من نفسية الناس أنهم يخافون بطشه وصدقه في تنفيذ الحكم فيمتنعون عن قتل بعضهم البعض فيكون الداعي لاصدار الحكم هو نفي وقوع موضوعه في الخارج وهو " القاتل ".

ومنع كونه أمرا إذا لم يكن بداعي البعث جدا واقعا، وإن كان في محله، إلا أن إطلاق الامر عليه، إذا كانت هناك قرينة على أنه بداع آخر غير البعث توسعا، مما لا بأس به أصلا، كما لا يخفى. [2]

إذن ملخص كلام صاحب الكفاية انه فرق بين عالم الانشاء وعالم الفعلية، وبهذا تتم المصالحة بين المعتزلة والاشاعرة في هذه المسألة أي الذين قالوا بعدم صحة امر الامر بانتفاء شرطه وبين من قال بالصحة كذلك.

غدا ان شاء الله نكمل كلام النائيني (ره).

 


[1] ذكروا ان هناك خمسة عشر داع للأمر " افعل "، وبعضهم جعلها معاني للفظ الامر. وذكرنا سابقا ان صيغة افعل انشاء موضوعة لإطلاق الطلب لكنه يتلون بتلون الدواعي، وتلون الدواعي لا يعني انه استعمال في غير ما وضع له. والدواعي ليس لها مدخلية لا في الموضوع له ولا في المستعمل فيه، نعم الدواعي لها تأثير في المراد.
[2] كفاية الاصول، الاخوند الخرساني، ج1، ص137.