الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/07/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة النهي عن الضد.

     ذكر الرواية المشيرة للاستطاعة الشرعية.

     ملخص كلام السيد الخوئي (ره).

     كلامه (ره) في المحاضرات، المسألة ليست من صغريات كبرى التزاحم بين واجبين مشروطين بالقدرة الشرعية، بل من صغريات التزاحم بين واجبين: أحدهما مشروط بالقدرة العقلية والآخر بالقدرة الشرعية.

     نقد كلام السيد الخوئي (ره)، وبيان ان الاستطاعة في الحج استطاعة شرعية، وحينئذ فهي صغريات كبرى تزاحم الواجبين المشروطين بالقدرة الشرعية.

كان الكلام في الاستطاعة الشرعية للحج وقلنا ان بعض الروايات تشير إلى الاستطاعة الشرعية، ومنها صحيحة الحلبي: ح 2 – وعنه (محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم)، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: وإن كان موسرا وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له. ورواه الصدوق بإسناده عن الحلبي، ورواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. [1]

من حيث السند: صحيح معتبر، والرواية مشهورة روائيا ومستفيضة سندا.

من حيث الدلالة: محل الشاهد " أمر يعذره الله فيه " هذا يدل على الاستطاعة الشرعية، من قبيل: إذا استلزم الحج ترك واجب أو فعل حرام، أو خوف على ماله أو عرضه [2] أو كرامته، فإنها لوازم يكرهها الشارع.

وفي الرواية ملاحظتان:

الاولى: إن ما يحول بين المكلف وبين الحج هو من القدرة العقلية وإن أخذ بلسان الدليل، وإن الحج واجب على الموسر مطلقا وإن كان مريضا، فالصحة شرط للمباشر دون غيره.

الثانية: قوله (ع) " أو أمر يعذره الله فيه " وهو تعبير يشمل القدرة الشرعية، من استلزام الحج ترك واجب او فعل حرام أو هتك عرض أو خوف على مال.

وهنا يظهر ما في كلام السيد الخوئي (ره) في المحاضرات حيث يقول:

وعلى هذا الأساس فلا يكون وجوب الوفاء بالنذر أو ما يشبهه مانعا عن وجوب الحج ورافعا لموضوعه، فإن

موضوعه [3] - وهو وجدان الزاد والراحلة مع أمن الطريق - موجود بالوجدان، بل الأمر بالعكس [4] ، فإن وجوب الحج على هذا مانع عن وجوب الوفاء بالنذر ورافع لموضوعه، حيث إن وجوب الوفاء به منوط بكون متعلقه مقدورا للمكلف عقلا وشرعا. ومن الواضح أن وجوب الحج عليه مُعجِزٌ مولوي عن الوفاء به فلا يكون معه قادرا عليه، فإذن ينتفي وجوب الوفاء به بانتفاء موضوعه.

ونتيجة ذلك: هي أن التزاحم بين وجوب الحج ووجوب الوفاء بالنذر ليس داخلا في الكبرى المزبورة ( التزاحم بين واجبين يكون كل منهما مشروطا بالقدرة شرعا )، بل هو داخل في الكبرى الأولى، وهي التزاحم بين واجبين يكون

أحدهما مشروطا بالقدرة شرعا والآخر مشروطا بالقدرة عقلا، وذلك لما عرفت الآن من أن وجوب الحج مشروط بالقدرة عقلا فحسب، ولا يعتبر في وجوبه ما عدا تحقق الأمور المزبورة، ووجوب الوفاء بالنذر مشروط بالقدرة عقلا وشرعا. وقد تقدم أنه في مقام وقوع المزاحمة بينهما يتقدم ما كانت القدرة المأخوذة فيه عقلية على ما كانت القدرة المأخوذة فيه شرعية، فإن الأول يوجب عجز المكلف عن امتثال الثاني فيكون منتفيا بانتفاء موضوعه، ولا يوجب الثاني عجزه عن امتثال الأول، لأن المانع من فعليته إنما هو عجزه التكويني، والمفروض أنه لا يوجب ذلك.

فما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من أن التزاحم بينهما من صغرى التزاحم بين واجبين يكون كل منهما مشروطا بالقدرة شرعا لا يمكن المساعدة عليه. [5]

 

نقول: بل يمكن كل المساعدة عليه، فان الشروط المذكورة هي شروط شرعية مأخوذة لدى الشارع [6] ، وحينئذ تكون من صغريات كبرى تزاحم المشروطين بالقدرة الشرعية، وحينئذ نبحث عن مرجح وهو أهمية الملاك هنا فنقدّم الأهم ملاكا والحج أهم.

واما النقطة الثانية غدا ان شاء الله نكمل.


[1] وسائل الشیعه، الشیخ الحر العاملی، ج8، ص44، از ابواب وجوب استنابة الموسر في الحج إذا منعه مرض أو كبر أو عدو أو غير ذلك، باب42، ح2، ط الاسلامية.
[2] والعرض لا يقتصر على النساء مثل ما نفهمه حاليا، العرض لغة الشرف والكرامة، لكن نحن لكثرة استعماله بمعنى النساء حصرناه بها. لكن هذا احد الافراد فلو وجد بعضل الاوساخ بحيث يؤدي إلى مس كرامتهم فليغض النظر عن مس كرامتهم. العرض معناه مطلق الكرامة والمس وليس هتك النساء.
[3] ملاحظة، عبارة عن استطراد: هنا استعمل كلمة موضوعه في الشرط. ونحن عندما قسمنا في المنهجية الشبهة، قلنا ان هناك شبهة حكمية ومفهومية ومصداقية. قيل لي من باب الاشكال لماذا لم تذكر الشبهة الموضوعية. اجبنا في حينها ان الشبهة الموضوعية تستعمل في اكثر من معنى، تارة تكون حكمية وتارة مفهومية ومصداقية، واحبانا المكلف يسمى موضوعا. والتقسيم الذي ذكرناه شامل للجميع.
[4] هجوم معاكس من السيد (ره) بنفس الطريقة. كما ان النذر يمنع من الاستطاعة للحج. لكن الاستطاعة امر تكويني وقد تم، عندها وجب الحج واصبح الوفاء بالنذر مؤديا إلى ترك واجب.
[5] محاضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض، ج3، ص257.
[6] الشروط الشرعية المذكورة كأن يعود إلى مؤونة صحيح البدن وان لا يستلزم ترك واجب وفعل حرام او امر يعذره الله فيه. وفي الامور العقلية المحضة فبمجرد تكَّون الموضوع خارجا تحقق، فإذا وجدت العلّة وجد المعلول حتى ولو كان اعتبارا. وقلنا ان الامور الاعتبارية ليست خارجة عن القواعد العقلية مطلقا، واعتباره يكون في نفس العلاقة. وذكرنا سابقا أين يتدخل العقل في الاعتبارات واين لا يتدخل. قالوا ان الفلسفة لا علاقة لها بالاصول، والامور العقلية لا علاقة لها بالاعتبار، لكن هذا بحدود، اين يدخل الاعتبار وأين لا يدخل؟ وأين يدخل الشرع؟ وأين يدخل العرف؟ وأين يدخل العقل، وأين يدخل المكلف نفسه؟ وقد ذكرنا كل هذه الامور سابقا في بحث مفصَّل.