الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/07/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة النهي عن الضد.

     تلخيص ما ذكره السيد الخوئي (ره) من الاستطاعة.

     ما المراد من القدرة العقلية، العرفية، والشرعية.

ذكر السيد الخوئي (ره) أن الاستطاعة للحج استطاعة عقلية وليست شرعية، وعليه يقدّم الحج على النذر، لان المقيّد بالقدرة العقلية يقدّم على المقيّد الشرعية.

ونشير أن السيد الخوئي (ره) كان لا يقول باشتراط القدرة كليا في عالم التكليف، لا التكوينية ولا الشرعية. لا يشترط في التكليف أن يكون مقدورا، نعم تشترط القدرة في حال الامتثال، حتى ولو كانت عاجز يجوز التكليف المهم أن تكون مستطيعا حال الامتثال. بعبارة اخرى: القدرة ليست شرطا في أصل التكليف ولا في انشاء الحكم، بل شرط في فعليته.

لكن المشهور والمعروف أن القدرة شرط في التكليف. وما أراه والله المسدد وقد ذكرت ذلكسابقا أن القدرة شرط في التكليف ولكن في الحكم دون غيره لان الإنشاء خفيف المؤونة ولا يحتاج إلى قدرة واستطاعة لكنه لا يتم الإنشاء من الحكيم غلا بخصوص الحصة المقدورة.

فالسيد الخوئي (ره) عندما استعرض أدلة الاستطاعة وقال أن الاستطاعة للحج وجود الزاد والراحلة وتخلية السرب وان يكون صحيحا في بدنه في بعض الروايات.

هذه الصحة في البدن لخصوص المباشر وعندها يستنيب، يعني أن الصحة ليست شرطا في أصل التكليف وليست من الاستطاعة، لذلك الموسر يستنيب.

ويُلَخَّص - بعد ذكر الروايات والشواهد على اشتراط الصحة لخصوص المباشر -، ما ذكره بأمرين:

الاول: إن وجود مقدار قوت العيال إلى وقت الرجوع شرط لوجوب فريضة الحج. وهذا شرط شرعي لا علاقة له بالتكوين ولا بالعقل.

الثاني: أنه لا وجه لتفسير الإستطاعة بالتمكن من أداء فريضة الحج عقلا وشرعا، كما هو المشهور، لما عرفت من أن الروايات مطبقة على خلاف هذا التفسير، وانه تفسير خاطئ بالنظر إلى الروايات والنصوص الواردة في هذا الباب.

 

أقول: المراد من القدرة العقلية هل هي العرفيّة؟ أو التكوينية المحضة؟ [1] وهل الشروط المأخوذ في لسان الدليل من الزاد، والراحلة، والعودة إلى كفاية في العيال، والصحة للمباشر، هي من القدرة التكوينية أم القدرة الشرعية أم من القدرة العقلية؟

أما القدرة التكوينية فهي شرط في كل الواجبات. بناء على مبنانا في الحكيم وعلى ما هو المشهور، اما بناء على راي السيد الخوئي (ره) وبعض غيره القدرة ليست شرطا في التكليف، لا العقلية ولا الشرعية. القدرة مشروطة فقط عند الامتثال اما عند التكليف فبرأيه (ره) التكليف ليس بعثا ودفعا كما هو المشهور، بل هو جعل الشيء في ذمته، وجعل الشيء لا يحتاج إلى قدرة، وهذا الجعل ليس قبيحا من الحكيم.

واما القدرة العرفية فقد يقال: إن لسان الادلة عدم اشتراطها، كما يشعر به روايات ب 10 و ب 11 من الوسائل من الروايات التي ذكرناها وقلنا ان هناك احتمالين لـ " يستحيى " وعلى كلا الاحتمالين هناك رفع لمسألة نفسية، سواء كنت استحيى من القبول أو استحيي من الرفض.

ح 1 - محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب، عن صفوان بن يحيى عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم في حديث قال، قلت لأبي جعفر عليه السلام: فان عرض عليه الحج فاستحيى؟ قال: هو ممن يستطيع الحج ولم يستحيى ولو على حمار أجدع أبتر، قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل. ورواه الصدوق في (التوحيد) كما مر. [2]

11 – باب. ح 1 - محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين، ولقد كان " أكثر " من حج مع النبي صلى الله عليه وآله مشاة، ولقد مر رسول الله صلى الله عليه وآله بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد والعناء فقال: شدوا أزركم واستبطنوا، ففعلوا ذلك فذهب عنهم. [3]

نعم العرف لا يرى المضطر والمحرج قادرا انظر ب 8 ص 28 من الوسائل ح 9.

ح 9 - العياشي في تفسيره عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: من عرض عليه الحج فاستحيى أن يقبله أهو ممن يستطيع الحج؟ قال: مره فلا يستحيى ولو على حمار أبتر، وإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل. [4]

من حيث السند: العياشي مشكلته ان كل اسانيده قد خذفت واصبحت من المرسلات، لكن الاسانيد موجودة عنده.

من حيث الدلالة واضحة.

واما القدرة الشرعية فهي كل مأخوذ في الدليل سواء كان أخذ لسانا أو بدليل لبي أو باللوازم العرفية، كما الصحة والزاد والراحلة ومؤونة العيال. كاستلزامه ترك واجب أو فعل حرام فهي دليل لبي مأخوذ في كل العبادات، بل كل التكاليف. ولذلك جعلناها من فعلية الحكم بأن يوجد الموضوع ولا يدفع إليه شرعا إذا استلزم فعل حرام أو ترك واجب.

بل يدل عليه بعض الروايات منها صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (ع) في حديث قال: وإن كان موسرا وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر او أمر يعذره الله فيه فان عليه أن يحج عند من ماله صرورة لا مال له.

ح 2 – وعنه (محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القاسم)، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام (في حديث) قال: وإن كان موسرا وحال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له. ورواه الصدوق بإسناده عن الحلبي، ورواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله. [5]

من حيث السند: صحيح معتبر، ومشهورة روائيا ومستفيضة سندا.

من حيث الدلالة: " أو أمر يعذره الله فيه " لا توجد هذه العبارة في غيرها من الروايات. المحصور في الاصطلاح هو المريض. والمصدود في الاصطلاح هو الذي يمنع من الحج قهرا. والحصر هنا يشمل الاثنين معا او أنه بمعنى الصدّ لترجيح كون العطف على مغاير. والصرورة كل من يحج اول مرّة لكنها ليست فقط في الحج فإذا زار كربلاء أول مرّة يسمى صرورة ايضا.


[1] ميّزنا بين القدرات: القدرة التكوينية تكون بالتكوين، قادر او غير قادر. اما القدرة العرفية: هي ما لم يكن محرجا وما لم يكن عسرا ومضطرا، هذه المسائل عرفية وموجودة، العرف يرى ان الانسان المحرج والمعسور غير قادر. والقدرة الشرعية: هي التي اخذت عند الشارع لذلك تشمل العرفية لان العرف مأخوذ عند الشارع، عندما يتكلم الحكيم مع الناس يتكلم بلسان عرفهم. هذه القاعدة قونناها وهي مهمة جدا، والقاعدة هي: " كل ما ورد في لسان الشارع من نص فهو اعتراف به وبلوازمه وهو معتبر شرعا كما كان معتبر عرفا " هذه القاعدة لها اثر كبير في الفقه ولها ثمرات كبيرة جدا. من قبيل الملك فهو لفظ عرفي فما كان يصدق عليه عنوان الملكية أو المالكية أو المملوكية عرفا ايضا يصدق عليه شرعا. وايضا بالنسبة إلى مني المرأة، ما كان يصدق عليه منيا عرفا هو مني شرعا وله احكامه.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص26، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب10، ح1، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص29، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب11، ح1، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص28، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب11، ح9، ط الاسلامية.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج8، ص44، أبواب وجوب الحج وشرائطه، باب42، ح2، ط الاسلامية.