الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/07/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : مسألة النهي عن الضد.

     معنى الاسبق زمانا.

     تعليقان على كلام النائيني (ره).

     المسألة من صغريات كبرى ما كانا في عرض واحد فيقدم الأهم.

قلنا في تزاحم الواجبين يقدّم الاسبق زمانا فالأسبقية مرجح، وان الكلام في القواعد العامة " الاسبق زمانا ". وفي تحقيق الموضوع ما معنى " الاسبق زمانا "، هل هو الاسبق انشاءً أو فعلية؟ احتمالات:

هل إذا كان اسبق انشاءً يقدم؟ قلنا لا، الانشاء خفيف المؤونة والتزاحم انما يكون في عالم الفعلية والامتثال.

وإذا قلنا ان الاسبق فعلية, الفعلية كما تتحقق بمجرد وجود موضوعها، وهذا غير صحيح، بل هي تحتاج مع وجود الموضوع إلى اشياء أخرى كأن لا يستلزم ترك واجب او فعل حرام، وذلك لان معنى الفعلية هي ان يصل الحكم إلى مرحلة يدفع فيها المكلف إلى الامتثال، فهي مرحلة التحريك.

إذن الفعلية ليست فقط بتحقق الموضوع، فإذا قلت:" لله علي نذر إذا شفي ولدي ان ابيت ليلة عرفة في كربلاء "، شفي الولد ولم يحن بعد ظرف الامتثال، والموضوع متعلق النذر تحقق لكن يحتاج إلى ظرف الامتثال. فمجرد وجود الموضوع لا يعني انه اصبح فعليا. والمرحلة الرابعة عندما جاء الامتثال وجدنا ان هذا الحكم يتعارض مع حكم آخر وهو الحج باعتبار انه اصبح مستطيعا. فيلزم من امتثال النذر بسبب التعارض، وبسبب وجود واجبين في عرض واحد، فيلزم منه ترك واجب. هنا ترتفع فعلية النذر رغم تحقق موضوعه، وذلك لاستلزامه ترك واجب.

والعبرة في المرحلة الرابعة هي بتقدم زمان أحد الواجبين على زمان الآخر، كتقدم زمان صلاة الفجر على زمان صلاة الظهر، ولا عبرة بتقدم زمان أحد الوجوبين على زمان الأخر.

أما في مثالنا النذر والحج ان الواجبين في عرض واحد، الوجوبان في زمن الامتثال الذي هو زمن التزاحم يتنافيان.

إذن مسألتنا ليست من صغريات الكبرى المتقدمة وهي تقديم الاسبق زمانا، بل مسألتنا من كبريات إذا تقارنا زمانا فماذا نفعل؟ إذن هما في عرض واحد، ومعه يقدم الأهم وهو الحج، فهو مما بني عليه الإسلام، بل وسمي حج الصرورة وحج الاسلام. الوجوب يوحي بالأهميّة وان كان احيانا بعض المستحبات أكثر ثوابا، في الروايات: " من مشى إلى الحسين (ع) كان له بكل خطوة حجة او عمرة " لكن الحكمة منها واضحة. زيارة الحسين (ع) تثبيت لمسألة الإمامة التي أنكرها قسم من المسلمين خصوصا من ذوي السلطة. احيانا تثبيت الفرع يشعر بالأهميّة.

إذن هناك تعليقان في المسألة المذكرورة على الشيخ النائيني:

اولا: ان كلامنا في الكبرى بغض النظر عن وجود المرجحات الاخرى، لان النائيني قال: يقدم الاسبق زمانا إلا إذا كان هناك مرجح آخر. هذه " إلا " نسلم بها لكنها ليست مختصة بالاسبق زمانا وتشمل كل المرجحات التي ذكروها. فلو وجد لكل طرف مرجح أصبحت من تعارض المرجحين.

ثانيا: ان هذه المسألة ليست من كبريات مسألة تقديم الاسبق زمانا.

ولا باس هنا بذكر كلام للسيد الخوئي (ره) في هذه النقطة والتعليق عليها:

السيد الخوئي (ره) في النقطة الاولى حيث قال الشيخ النائيني (ره) بان هذا من باب احدهما مشروط بالقدرة العقلية والاخر مشروط بالقدرة الشرعية، وما كان مشروطا بالقدرة العقلية مقدم على المشروط بالقدرة الشرعية. الشيخ النائيني قال لو تنزلنا عن ذلك وقلنا انه حتى الحج مشروط بالقدرة الشرعية صار التزاحم بين مشروطين بالقدرة الشرعية، أي صارت المسألة من صغريات كبرى: إذا كان الواجبان مشروطين بقدرة شرعية، هنا نقدم الاسبق زمانا.

إذن في المرحلة الاولى انتقل من صغريات كبرى احدهما مشروط بالقدرة العقلية والاخر بالشرعية إلى صغريات كبرى كلاهما مشروط بالقدرة الشرعية.

السيد الخوئي (ره) قال بان هذا التنزل لا نسلم به، يبقى النذر مشروطا بالقدرة الشرعية والحج مشروطا بالقدرة العقلية. فتصبح المسألة من صغريات كبرى تزاحم المشروط بالقدرة العقلية مع المشروط بالقدرة الشرعية.

وملخص كلامه (ره) أن المسألة مبنائية، فهي مبتنية على معنى الاستطاعة المأخوذة في لسان الآية الكريمة ) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ( [1] ، ما المقصود من " الاستطاعة " الشرعية أو العقلية.

المشهور ان الاستطاعة هي العقلية والشرعية. السيد الخوئي (ره) خالف المشهور وقال ان الوراد من الاستطاعة هي خصوص العقلية دون الشرعية، لذلك دخل في بحث فقهي.

فان قلنا إن المراد من الاستطاعة هي التكوينية العقلية كانت المسألة من باب تزاحم المشروط بالقدرة العقلية وهو الحج مع المشروط بالقدرة الشرعية وهي النذر ( لاشتراط رجحانه ).

وإن قلنا إن المراد منها هي القدرة الشرعية والعقلية كما هو المشهور فالمسألة من صغريات كبرى تزاحم المشروطين بالقدرة الشرعية.

وعليه: ففي الفرض الاول، أي الاستطاعة العقلية أي وجود الزاد والراحلة وأمن الطريق، يقدّم الحج من باب تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية وذلك لتحقق فعليته مهما كان الحال، وجد واجب في عرضه أم لا، استلزم ترك واجب أو فعل حرام أم لا. وقد مرّ ذلك عند الكلام في المرجح الثاني.

لكن عند بعض الاصوليين مجرد وجود الموضوع تمت الفعلية وهذا غير سليم. الفعلية أي كون الشارع في مقام دفع وتحريك المكلف، ولا يتم الدفع مع وجود واجب آخر قد يكون أهم، ولا يتم الدفع مع استلزام ترك واجب آخر أو فعل حرام آخر، الفعلية تحتاج إلى امور اخرى بالإضافة إلى وجود وتحقق موضوعها، تحتاج الفعلية إلى قدرة شرعية ايضا. الشارع المقدس لا يمكن ان يدفع باتجاه عمل يستلزم ترك واجب أو فعل حرام رغم تحقق الموضوع، وفي المثال، مجرد ان شفي الولد لا يكفي ومجرد ان دخلنا في اشهر الحج وتمت الاستطاعة لا يكفي، نحتاج إلى قدرة شرعية أيضا. ومرادنا من القدرة الشرعية هو ان لا يستلزم ترك واجب وفعل حرام، أي ان لا يكون هناك واجب آخر في عرضه.

وهذا الكلام متبن.

لكنه ( ره) يؤيد تفسير الاستطاعة بالقدرة عقلا على خلاف المشهور.

واستدل عليه بروايات مضمونها أن يكون له ما يحجّ به، أي ما يكون قادرا بواسطته على الحج وجد واجب آخر في عرضه أو لا.

سنذكر بعض الروايات لنرَ ما هو لسانها، وسنبيّن ان المراد من القدرة، هو القدرة الشرعية وليس القدرة العقلية فقط كما هو المشهور. سندخل في بحث فقهي ولن نطيل البحث فيه.


[1] سورة آل عمران، آية 97.