الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: مسألة النهي عن الضد.

     سرد مسألة تزاحم المشروطين بالقدرة الشرعية سردا ملخصا.

     جواب النائيني على إيراده الاول على نفسه: إن النذر متعلق بالحصة المقدورة.

     جواب النائيني على إيراده الثاني على نفسه: بالرجحان حين ظرف العمل، وبلزوم المعصية إذا عمل بالنذر دون الحج.

ملخص ما مضى: الكلام في مرجحات باب التزاحم، المرجح الاول تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل. المرجح الثاني تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية، ومن تفصيلاتها لو كان كلا الحكمين مشروطا بقدرة شرعية ايهام مقدّم؟ قال: اما ان يكون احدهما اسبق زمانا او لا فيكونان متقارنين.

فإن كان احدهما اسبق زمانا، يقدم الاسبق زمانا لان الاسبق زمانا تتم فعليته قبل فعلية المتأخر، وبذلك يتحقق مكانه في عالم الواقع ولا يتقدم عليه احد. وهذه المسألة في عالم الواقع كثيرة جدا.

الشيخ النائيني (ره) قال بان هذه الكبرى مسلّمة وهي تقديم الاسبق زمانا لكن بشرط ان لا يكون هناك جهة أخرى، أو بتعبير آخر: وجود مرجح آخر يمنع تقديم الاسبق زمانا. فإذا منعت الجهة الاخرى تقديم الاسبق زمانا تصبح كالمتقارنين، فيقدم بمرجح آخر، وإلا نصل إلى التخيير. وسياتي كيفية علاج المتقارنين.

فإذا كان احدهما اسبق زمانا يقدم الاسبق إلا مع جهة أخرى وهي وجود المرجح الاخر. وقلنا ان كلمة " إلا " موجودة في كل المرجحات لبّيا فهي كالمقيّد اللبّي وليست مسألة خاصة بالمشترطين بالقدرة الشرعية.

قلنا سابقا في ما ذكره السيد الروحاني (ره) في مسألة تقديم ما ليس له بدل على ما له بدل إلا إذا كان احدهما " ما ليس له بدل " أقل اهميّة. قلنا ان هذه مسألة افراد، في بعض الافراد يتعارض المرجحان، ايهما يقدّم من المرجحين؟ هذا الامر موجود حتى في باب التعارض كما لو كان احد الخبرين مشهورا والآخر اخبر به الاوثق ماذا نفعل؟ ذكرنا ان عالمنا كله تزاحم وليس التزاحم فقط في الاحكام الشرعية وتدخل الشارع فيها بترجيح بعضها على بعض قليل، والتزاحم في الشرعيات كثير جدا وفي العرفيات اكثر.

في مسالة الاسبق زمانا نبحث المسألة بغض النظر عن وجود المرجح الآخر، لكن الميرزا النائيني (ره) والسيد الروحاني قال بشرط ان لا يكون هناك جهة اخرى وقلنا إن هذا الشرط موجود في كل المرجحات. الاستثناء الذي استثناه النائيني (ره) ليس خاصا بمسألة الاسبق زمانا، في كل المرجحات الاول والثاني والثالث والرابع، بلا شك كل المرجحات تؤثر أثرها بشرط ان لا يكون هناك مرجح آخر. وهذا الامر حتى في التعارض، مثلا: "خذ ما اشتهر بين اصحابك" كان هناك مخصص لبي، فكانه قال: بشرط ان لا يكون هناك مرجح اخر.

لكن يبدو أن الشيخ النائيني أراد أن يدخل بمثال كالنذر والحج، إذا نذر نذرا ان يبيت يوم عرفة عنه الامام الحسين (ع) وهو أمر راجح، وبعد أن نذر النذر استطاع إلى الحج. أيهما يقدم الحج أو النذر؟ يقول يقدم الحج. لذلك هنا دخلنا في المثال ولم ندخل في أصل موضوع تقديم الاسبق زمانا، وتقديم الاسبق زمانا ككبرى يقدم بلا شك إذا لم يكن هناك مرجح آخر. واعطى مثالا على وجود المرجح الاخر وهو إذا نذر نذرا ان يكون ليلة عرفة في كربلاء واستطاع للحج بعد ذلك. الاسبق زمانا هو النذر فيقدم على الحج، لكن هناك جهة مرجحة اخرى تمنع من تقديم الاسبق زمانا، وهي كون الحج أهم ملاكا فيقدم الحج.

هنا اورد على نفسه بإشكالين: الاشكال الاول أن الحج مشروط بالقدرة الشرعية والنذر ليس مشروطا بشيء، والمشروط بالقدرة العقلية مقدّم على المشروط بالقدرة الشرعية، النذر فقط مشروط بالقدرة العقلية، وسبق أن المشروط بالقدرة العقلية مقدّم على المشروط بالقدرة الشرعية.

والاشكال الاخر: ولو سلمنا بأن النذر أيضا مشروط بالقدرة الشرعية، صار كلا الامرين مشروطا بالقدرة الشرعية. فأيضا كرد الاشكال من النائيني، يقول ان احدهما رافع لموضوع الآخر، فكما أن الحج يرفع القدرة على تحقيقي النذر، كذلك النذر يرفع الاستطاعة، وفي هذه الحالة يقدم الاسبق زمانا، فعلى كلا الحالتين لا يقدم الحج.

وأجاب الشيخ النائيني (ره) عن الإرادين الاول ( وهو ان النذر مشروط بقدرة عقلية والحج مشروط بالقدرة الشرعية. والمشروط بالقدرة العقلية يقدم) بما ملخصه: إن النذر مشروط أيضا فإن متعلّق النذر لا بد من أن يكون مقدورا، والمكلف العاقل الملتفت لا يلتزم إلا بالمقدور، فيكون متعلق النذر هو خصوص الحصة المقدورة دون مفهوم النذر المطلق، أي أن هناك تقييد ارتكازي لبي للمتعلق ولو لم يتلفظ به، فلا يشمل الحج عند الاستطاعة، لان المكلف مع الاستطاعة للحج لا يكون قادرا على النذر، فيقدم الحج على النذر.

ملخص هذا الرد: أن القدرة مقيّد لبي مأخوذ في المتعلّق لا في المفهوم، وهذا الأمر مطرد في كل مأمور به. فمع الاستطاعة للحج لا يكون قادرا على الكون في كربلاء، فالنذر محصور في حال عدم الاستطاعة، ومن هنا يقدّم الحج.

واجاب عن الايراد الثاني ( وهو ان النذر ليس مشروطا بالقدرة العقلية فقط بل مشروط أيضا بالقدرة الشرعية كالحج، فكلاهما مشروطان بالقدرة الشرعية ) بجوابين مترتبين:

الاول: تارة بلزوم الرجحان في ظرف العمل وليس بظرف الانشاء، مع التسليم بأن الحج أرجح من المبيت عند الحسين (ع)، فلا يكون النذر منعقدا من أساسه. [1]

الثاني: وتارة بلزوم المعصية في ظرف العمل للزوم ترك الحج.

غدا ان شاء الله نكمل. والحمد لله رب العالمين.

 


[1] ردا على سؤال احد الطلبة: ان المثال المضروب للتزاحم بين النذر أو الحج هو حج الصرورة أي الحج الواجب بنفسه فقط. كان الجواب: ان الشرط هو كل ما يكون الحج مشروطا بالاستطاعة، بتعبير اخر: كل ما اشترط في وجوبه الاستطاعة. كما لو نذر بعد الحج الاول بان يحج مرّة ثانية أذا تمت شروط الحج الاول. المثال ليس منحصرا بحج الصرورة بل يشمل كل ما يشترط فيه كل حج يشترط فيه الاستطاعة. يقول السيد الخوئي (ره) في المحاضرات: ولكن ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) أنّ هذا المرجح إنّما يكون مرجحاً فيما إذا لم يكن هناك جهة أُخرى توجب تقديم أحد الواجبين على الآخر ولو كان متأخراً عنه زماناً، ومثّل لذلك بما إذا وقعت المزاحمة بين وجوب الحج ووجوب الوفاء بالنذر أو ما شابهه، فانّ النذر وإن كان سابقاً بحسب الزمان على أشهر الحج، كمن نذر في شهر رمضان مثلاً المبيت ليلة عرفة عند مشهد الحسين (عليه السلام) وبعد ذلك عرضت له الاستطاعة، فانّه مع ذلك يقدّم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر.وأفاد في وجه ذلك: أنّ وجوب الوفاء في أمثال هذه الموارد مع اشتراطه بالقدرة شرعاً مشروط بعدم استلزامه تحليل الحرام أيضاً، والوفاء بالنذر هنا حيث إنّه يستلزم ترك الواجب في نفسه، مع قطع النظر عن تعلق النذر به، فلا تشمله أدلة وجوب الوفاء به، فاذن ينحل النذر بذلك، ويصير وجوب الحج فعلياً رافعاً لموضوع وجوب الوفاء بالنذر وملاكه. وقد تمسك الطالب الشيخ وفقه الله بعبارة: " يستلزم ترك الواجب في نفسه "، لجعل المثال محصورا في الحج الصرورة، حيث لا يوجد حج واجب بنفسه إلا الصرورة.وقد أجاب السيد الاستاذ: بان استلزام ترك الواجب في نفسه صغرى لكبرى استلزام تحليل الحرام، وهذه الكبرى هي ملاك البحث، وهذه العبارة هي لأجل بيان الصغروية حيث عبّر بكلمة " هنا ". ولذا لو نذر بعد حج الصرورة ان يحج مرّة أخرى لو استطاع، لورد نفس الكلام إشكالا وإيرادا وجوابا وحلا.