الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     ملاحظات على ردّ السيد الخوئي (ره) على النائيني (ره).

     الملاحظة الثالثة وهي الاهم من حيث إن الضدين إذا تعلّق بهما أمران، وكان التنافي في عالم الامتثال دائميا دخل في باب التعارض، سواء كان للضدين ثالث أم لا.

عندما ميّز السيد الخوئي (ره) بين الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون، وكمثال له آثار شرعية: السفر والحضر، فالمكلف إما ان يكون مسافرا أو حاضرا. فإذا لم يكن لهما ثالث ينقلب الامر إلى تعارض، وإذا كان لهما ثالث لا ينقلب الامر إلى تعارض بل يبقى على التزاحم، حينئذ نحكِّم باب التزاحم فيكون الامر من باب الترتب ولو من الجانبين مثلا: ان لم تكن اسود فكن ابيض، ان لم تنقذ الغريق فصلِّ، له ثالث.

والنائيني (ره) لم يصرّح بالإطلاق لكنه لم يقيّد بلزوم وجود الضد الثالث.

وهنا يمكن ان نلاحظ على كلام السيد الخوئي (ره) بعض الملاحظات، اثنتان بسيطتان كالدفعات الشكلية في المحاكم:

الاول: وهي انه قال: " التكاذب بين الاطلاقين وليس بين الدليلين". وذكرنا امس انه عندما يكون التكاذب في مكان ما فهل من الانصاف رفع اليد عن مطلق الدليلين أو لا، نرفع اليد عن مكان التكاذب فقط؟ مثلا: ان خفيت الجدران فقصّر، ان خفي الأذان فقصّر، بالمفهوم يتعارضان ويتنافيان. هنا في البداية كعقلاء هل الاصل في التنافي ان يسقط الحكمان لمجرد التنافي أو لا نرفع اليد عن مكان التنافي؟ ولذلك قالوا في الجمع التبرعي انه مسألة وجدانية عقلائية انسانية، انه عندما يختلف شخصان عاديان في المجتمع لا نسقط الاثنين معا، بل يتنازل كل منهما عن شيء له ونجمع بينهما. عندما نقول نرفع اليد عن الاطلاق أي نقيّد هذا قليلا ونقيّد ذاك ايضا كما فعلنا في الاطلاقات المتنافية كما في ان خفي الاذان فقصّر، وان خفي الجدران فقصّر. بمفهوم ان خفي الاذان تنافي سواء ان خفيت الجدان أم لا، يكون هناك تعارض. في هذه المسألة قلنا انه يدور الامر بين الجمع بينهما، ففي المرحلة الاولى لم يتساقطا لمجرد تكاذبهما بل بقيا ونعالج مكان التكاذب دون غيره.

هنا قال اطلاقان نرفع اليد عن التكاذب عن الاطلاقين، لان المطلقين هما المتكاذبان، فنقيّد احدهما بالأخر.

هذا الاشكال شكلي صوري وهو الفات نظر لشيء: ان المسألة تشمل أنواع البيان، عندما نقول " اطلاقان " يعني ان المسألة لفظية في عالم الالفاظ، وان الحكمين المتزاحمان هما الحكمان المجعولان المستقلان المتنافيان اتفاقا لا دائما. الاطلاق مسألة عالم الفاظ، وعندما نقول الحكمان المجعولان يقصد بذلك عالم الجعل مهما كان البيان، لذلك يشملان الحكمان اللفظيان ويشملان ايضا الحكمين اللبيين.

الملاحظة الثانية: قال السيد الخوئي (ره): " المتزاحمان اللذان لهما ضد ثالث يرفع اليد عن اطلاقهما إلا في حالة واحدة وهي في حال العلم بكذب احدهما وعدم صدوره في الواقع، حينئذ ينقلب إلى باب التكاذب في مقام الجعل فيقع التعارض ". والملاحظة هي أن التعارض هو تكاذب الدليلين في مقام جعل الحكم الواقعي، أي يكون احد الحكمين ليس واقعيا، وإلا فالتعارض ايضا يشمل التقيّة التي يكون فيها كلا الحكمين صادرا ولا مانع من صدورهما معا، أحدهما جعل لأجل حكم واقعي والآخر ليس لجعل حكم واقعي، والتعارض يشمل أيضا الاعتذار والامتحان كما عبر بالمبرر الاعتذاري [1] . إذن الملاحظة الثانية هي في التعبير عن عدم انشاء الحكم الآخر.

الكلام في الملاحظة الثالثة: السيد الخوئي (ره) قال: " ان كان للضدين ثالث يبقيا على التزاحم، وان لم يكن لهما ثالث انقلب إلى التعارض " ولذلك اشترط في الترتب ان يكون للضدين ثالث، لأنه إذا لم يكن لهما ثالث كان من باب تحصيل الحاصل، مثلا: فإذا عصيت الاول فافعل الثاني، والثاني كائن قهرا فالأمر به تحصيل حاصل وهذا لغو.

وهنا نقول: إن وجود ضد ثالث لا يمنع من صيرورتهما متعارضين في حالة كون التضاد دائما، ونحن اولا قلنا بان اصل الترتب للمحقق الكركي حتى يصحح تصوير الامر ردا على الشيخ البهائي، لا نسلم بهذه الفكرة ولا نذهب إلى ذلك.

وهذا القيد " اتفاقا لا دائميا " قيد نحن بحاجة اليه سواء كان الضدين لهما ثالث ام لم يكن لهما ثالث، وذلك لان احدهما لا يمكن امتثاله إلا مع معصية الآخر، كإنقاذ الغريق وصلِّ، فلو فرضنا انهما دائما متنافيان، فكلما اردت انقاذ غريق فاتت الصلاة. يعني ان هذا الحكم دائما ملازم لمعصية حكم آخر، لان التنافي دائمي، وعندما يكون دائميا لا اتفاقيا فبمجرد ان تقوم بعمل تكون قد عصيت الآخر، فلا يوجد أي فرد إلا ويلازم معصية آخر، وكما قلنا سابقا لا يمكن للحكم ان يكون فعليا ما لم يكن بعض افراده غير منهي عنه ولو احتمالا، اما مع عدمها فلا يمكن الدفع اليه، بل لا يمكن جعله من الحكيم لأنه حتى في عالم الانشاء أصبح لغوا، فالممتنع شرعا كالممتنع عقلا، وعليه ينقلب الأمر إلى باب التعارض. ولذا لا يمكن مثلا صدور حكمين الزاميين بالكون في يوم عرفة لزيارة الحسين (ع) والحج ويكون التنافي بينهما في مقام الجعل إذا كانا الزاميين اما في غير الالزاميين الاستحبابيين يمكن وقوعهما. [2]

النتيجة: أن إشتراط كون التنافي في التزاحم اتفاقيا لا دائميا لا تختلف سواء كان للضدين ثالث أم لا، وإذا كان دائميا دخل في التعارض مطلقا.

غدا ان شاء الله نكمل.

 


[1] الجعل تارة يكون لجعل حكم واقعي كالخمر حرام، وتارة اجعل حكم تقيّة او امتحانا او اعتذارا مثلا: اريد ان ابين للناس انك انسان مطيع، فآمرك لا لمصلحة ولا لمفسدة في نفس المجعول، بل لأجل أنك إذا اطعت ابين للناس انك صالح. وهذا من دواعي الامر كالأمر التمريني والاعتذار.
[2] سؤال احد الطلبة: ان هذا الملاحظات اشبه بالبديهي كيف فاته للسيد الخوئي (ره) هذا؟ والفروض التأمل في مراد السيد (ره)......... الجواب: ان عظمة السيد الخوئي (ره) ليست عادية وخصوصا في عالم الاصول، نادر ان انسانا فهم الاصول كالسيد الخوئي وبيّنه جيدا، وهذا غير مقام الابتكارات. السيد الخوئي (ره) فهم القواعد جيدا وأخذ عصارة علم الاصول من النائيني (ره) والعراقي والاصفهاني وغيرهم من أعلام عصره و ..........