الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     ملخص مسألة الضد.

     بيان إن الضدين اللذين لهما ثالث كالقيام والقعود والثالث هو الاستلقاء، يمكن أن ينتفيا في الثالث.

تلخيص ما مرّ بمختصر مفيد: في مسألة الضد وهي ان هناك ضدان لا يجتمعان، يعني انه لا يتعلّق بهما امران في آن واحد، يعنى ان الامر يتعلق بأحدهما دون الآخر. ولذلك إذا قلنا بأن الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فقيل إن الثمرة هي فساد الضد العبادي، حينها يقول الشيخ البهائي (ره): الضد العبادي فاسد على كل حال لأنه لا أمر فيه كونهما ضدان، وهذا يعني انه فاسد على كل حال. هنا يقل المحقق الكركي (ره) انه هناك مجال لتصحيح وجود أمر وذلك على نحو الترتب، الذي هو انه ان عصيت الاهم فافعل المهم، أي أصبح المهم فعليا، ومع بقاء الأهم فعليا يثبت أمران فعليان في آن واحد. وعليه، ومع وجود امرين فعليين في آن واحد وقع الكلام في الترتب هل هو صحيح او غير صحيح؟ الشيخ النائيني (ره) الذي ركز الترتب ووسعه وتبناه قال: انه يشترط في الضدين المتزاحمين - مع ان عدم القدرة هو الجامع المشترك -، ان يكون التزاحم اتفاقا لا دائما لان الاوامر وردت على نحو القضية الحقيقية أي بلحاظ افرادها كانت المزاحمة دائمية لكل الافراد منهي عنه الذي هو الضد، فتكون النتيجة انه ولا فرد للمهم يمكن ان يمتثل به، فحينها لا يكون هناك معنى للأمر، فلا بد ان يكون التزاحم اتفاقيا لا دائميا.

السيد الخوئي (ره) كما بيّنا يميّز بين الضدين اللذين لهما ثالث والضدين اللذين لا ثالث لهما، حيث قال انه إذا كان لا ثالث لهما فالمسألة من باب التعارض حينئذ، ولا بد من رفع اليد عن احد الامرين، فاذا كان كالحركة والسكون فإذا قلت لك تحرك واسكن، والترتب هو انه إذا عصيت الحركة فاسكن، وحين عصيت الحركة انت بطبيعة الحال ساكن، فحينئذ يكون من باب تحصيل الحاصل، ومع تحصيل الحاصل يكون الامر به بلا معنى. وكمثال شرعي إذا قلت كن مسافرا فقصر أو كن حاضرا لتتم، والانسان اما مسافر او حاضر ولا ثالث لهما، فإذا عصيت السفر يعني انني حاضر، فلو امرتك بالحضور يكون من باب تحصيل الحاصل، فلا معنى لطلب الحضور حينئذ.

هذا فيما إذا لم يكون للضدين ثالث، اما إذا كان للضدين ثالث فيمكن تصور الترتب فهو من قبيل انقذ الغريق وصلِّ، إذا لم ينقذ الغريق يمكن ان يأكل أو ان ينام او غير ذلك هناك اضداد كثيرة ومتعددة، فإذا لم ينقذ الغريق يمكن ان ينشغل بضد ثالث او رابع او ...، فيكون الامر بالثالث ليس من باب تحصيل الحاصل حتى يكون محالا. فإذا لم يكن هناك ثالث فلا بد من الثاني، اما إذا كان هناك ثالث فالأمر بالضد ليس من باب تحصيل الحاصل، وعليه الترتب يشترط فيه ان يكون للضدان ثالث وإلا اصبح من باب تحصيل الحاصل.

في مسألتنا المتزاحمان هما الحكمان المجعولان المستقلان المتعلقان بضدين اتفاقا لا دائما. قلنا ان هذا التعريف اخذناه من مجموع آرائهم. الشيخ النائيني (ره) قلنا انه لم يقيّد المتزاحمين بالضدين الذي لا ثالث لهما، اما السيد الخوئي (ره) قال بان يجب ان نقيّد بالضدين الذي لا ثالث لهما لان اللذان الذي لا ثالث لهما لا يمكن تصور الترتب فيهما كما مرّ. ولذا يجب ان نقيّد المتزاحمين بهذا القيد " اتفاقا لا دائما بشرط وجود ثالث لهما ".

ثم يكمل السيد الخوئي (ره): وأما في الضدين اللذين لهما ثالث - كالقيام والقعود والسواد والبياض ونحوهما - فالأمر ليس كما أفاده [1] ، وذلك لأن المعارضة في الحقيقة ليست بين نفس دليليهما، كما هو الحال في الضدين اللذين لا ثالث لهما، وإنما هي بين إطلاق [2] كل منهما وثبوت الآخر.

وعليه فلا موجب إلا لرفع اليد عن إطلاق كل منهما بتقييده عند الإتيان بمتعلق الآخر، لوضوح أنه لا معارضة بين ثبوت أصل الخطاب بهذا في الجملة وثبوت الخطاب بذاك كذلك، وإنما تكون المعارضة بين إطلاق هذا ووجود الآخر، وبالعكس، وهي لا توجب إلا رفع اليد عن إطلاق كل منهما لا عن أصله، فيكون إطلاق كل واحد منهما مترتبا على عدم الإتيان بالآخر.

ونتيجة ذلك: هو الالتزام بالترتب من الجانبين [3] ، أو الالتزام بالوجوب التخييري، إلا فيما إذا علم بكذب أحدهما وعدم صدوره في الواقع فعندئذ تقع المعارضة بينهما [4] ، فيرجع إلى قواعد باب التعارض. [5]

بيانه: إن الضدين اللذين لهما ثالث كالقيام والقعود والثالث هو الاستلقاء، يمكن أن ينتفيا في الثالث، ولذا يصح الترتب ويكون الأمران كالتالي: " إذا لم تقم فاقعد "، وهذا ممكن لوجود الضد الثالث، فلا يكون من باب تحصيل الحاصل ويكون التضاد في الحقيقة هو بين الإطلاقين، أي إطلاق وجوب القيام وإطلاق وجوب القعود، لان إطلاق وجوب القيام يشمل كل الحالات غير القيام كذلك القعود، فيتنافيان، فلا موجب لرفع اليد عن أصل الحكم، بل المطلوب رفع اليد عن مكان التنافي، وهو إطلاق هذا ووجود الآخر وهي لا توجب إلا رفع اليد عن الاطلاقين، فيكون إطلاق أحدهما مترتبا على عدم الاتيان بالآخر.

وحينئذ إن كان أحدهما أهم من الآخر ذهبنا إلى الترتب من جانبه، وإلا فإما أن نذهب إلى الترتب من الجانبين، أو الالتزام بالوجوب التخييري. أما في حال العلم بكذب احدهما وعدم صدوره في الواقع، يكون التكاذب في مقام الجعل.

والملخص: التزاحم يجب أن يكون التنافي بين الضدين اتفاقيا لا دائميا. النائيني (ره) بإطلاق كلامه يشمل سواء كان هناك ثالث او لا، السيد الخوئي (ره) لم يرتض ذلك فقال: أذا كان للضدين ثالث يبقى باب التزاحم، اما إذا لم يكن للضدين ثالث فهو داخل في باب التعارض، لان التكاذب اصبح في الواقع بإطلاق الدليلين لا بنفس الدليلين. يعني بناء على رأي السيد الخوئي (ره) يلزم تقييد التعريف الذي ذكرناه عن التزاحم وهو الحكمان المجعولان في عرض واحد مستقلان متعلقين بضدين متنافيين لا ثالث لهما اتفاقيا لا دائميا. نحن لن نقيد التعريف بل سنؤيد كلام الشيخ النائيني (ره) بإطلاقهما، والاطلاق صحيح ولا داعي للتقييد بالضدين، وسنلاحظ ايضا بعض الملاحظات على كلام السيد الخوئي (ره)، الملاحظة الاهم ان قيد " لا ثالث لهما " لا داعي لها، فبمجرد التنافي الدائمي دخل في التعارض وغير دائمي في التزاحم.

وان شاء الله غدا نكمل بيان الملاحظات.


[1] أي ليس مطلق الضدين: ما لهما ثالث وما ليس لهما ثالث. فيقل السيد الخوئي (ره) اننا نسلم مع الشيخ النائيني (ره) في الضدين اللذين لا ثالث لهما، اما الضدان الذي لهما ثالث فلا نسلم معه.
[2] التنافي ليس بين نفس جعل الدليلين بل ببين اطلاق الدليلين، من قبيل: الأمر" انقذ " مطلقا تشمل حالة الامر بالصلاة، والامر بالصلاة مطلقا يشمل حالة انقاذ الغريق، فصار الاطلاقان متضادين، الاطلاقان يتكاذبان. تكاذب الاطلاقين هو المشكلة، وإذا تكاذب الاطلاقان هل نرفع اليد عن اصل الحكمين او نرفع اليد فقط عن مكان التكاذب؟ إذا تكاذب امران نرفع اليد عن مكان التكاذب وليس مطلقا هذه القاعدة عامة بل عقلية وجدانية. وكذا إذا اختلف شخصان لا نطردهما معا كليا بل فقط مكان التنافي والتكاذب الذي هو المشكلة نجد له حلا وينتهي التكاذب. من قبيل في مباحث الالفاظ: إذا خفيت الجدران فقصّر، أذا خفي الأذان فقصّر. هناك تكاذب بالمفهوم بين إذا خفي الجدران حتى ولو ان الأذان لم يختف، بإطلاقها. وإذا خفي الأذان فقصر حتى لو كان الجدران ايضا لم تختف. التكاذب إذن بإطلاق الدليلين لا بنفس الدليلين. فيقال حينئذ طالما انه هناك تكاذب ولو كان التكاذب في المفهوم ارفع اليد عن أصل الدليلين، هذا غير صحيح، بل ارفع اليد عن مكان التكاذب فقط، فأقيد هذا وأقيّد ذاك ولا ارفع اليد عن اصل الدليلين. وهنا نفس الشيء ارفع اليد عن اطلاقين طالما ان التكاذب بين الاطلاقين وبسببهما.
[3] فاذا كان احدهما اهم من الآخر يكون الاهم هو المطلوب فان عصيت فالمهم.
[4] لان التعارض هو تكاذب الدليلين في مقام الجعل، وهذا يعني ان احدهما غير صادر كأمر واقعي.
[5] محضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض، ج3، ص12.