الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     أقسام التزاحم عند النائيني.

     المقسم العام هو التنافي.

     القسم الاول: عدم القدرة على الامتثال وأقسامه خمسة:

أ – عدم القدرة اتفاقا.

ب- التضاد اتفاقا.

ج- اجتماع الأمر والنهي وشروط صيرورته من باب التزاحم.

د- احدهما مقدمة للآخر.

ه- التلازم الاتفاقي.

قسم النائيني (ره) القسم الاول وهو ما كان التنافي ناشئا من عدم القدرة على الامتثال إلى خمسة اقسام:

القسم الاول اذا كان عدم القدرة اتفاقا كانقاذ غريقين في آن واحد لا يمكن امتثالهما معا، إذن وقع التزاحم فيقدم الاهم، وان لم يكن الاهم يخيّر.

القسم الثاني: إذا كان التزاحم من جهة وقوع التضاد بين الواجبين اتفاقا، والتضاد هو ايضا في عالم الامتثال يعني عدم القدرة فيكون من القسم الاول، وهو عدم القدرة في مقام الامتثال اتفاقا، ولذلك سنرى ان السيد الخوئي (ره) اشكل عليه بنفس هذا الاشكال.

والذي نتصوره في التضاد الاتفاقي في الفرق بين القسم الاول والقسم الثاني مع انهما قسم واحد، بالنتيجة كله يرجع إلى عدم القدرة على الامتثال، أي المقسم عدم القدرة على الامتثال، في القسم الاول عدم القدرة اتفاقا وفي القسم الثاني التضاد اتفاقا، كأنما فرق بينهما؟!. الذي اراه في التفريق بينهما: ان التضاد الاتفاقي إذا كان التضاد وقع باللازم. إذ الواجبان كل واحد منهما مستقل اي غير متضادين بانفسهما، لكن هذا الواجب يلزمه شيء والآخر يلزمه شيء، قد يكون اللوازم

متضاده او لازم واحد محال. واللازمان تضادهما اتفاقي لا دائمي، واللوازم مفارقة وليست ذاتية مستمرّة. حينها يمكن أن يقال ان عدم القدرة اتفاقي وهو مقسم للجميع.

ففي عالم النظرية اتصور ان الفرق بين القسم الاول والقسم الثاني هو التالي: في القسم الثاني قال انه إذا كان التضاد بين الواجبين اتفاقيا في كل اقسامه والا إذا كان دائميا وقع التعارض. فمقصود الشيخ النائيني في القسم الثاني ان يكون عندي واجبان مستقلان غير متضادين ولكن اتفاقا هذا تستلزم شيء والآخر يستلزم شيئا والمتلازمان متضادان اتفاقا.

القسم الثالث: هو اجتماع الامر والنهي، تارة نقول بجواز الاجتماع لان الامر يتعلق بالطبيعة لا بالفرد، وتارة نقول انه يتعلق بالفرد. إذا تعلق الامر بالطبيعة ففيه حالتان: ان يكون التعلق بماهيتين، وتارة بماهية واحدة.

فإذا كان التعلق بماهية واحدة اجتماع الامر والنهي محال وغير جائز، اما إذا كان التعلق بفرد قالوا انه ايضا غير جائز. ومتى يجوز اجتماع الامر والنهي في واحد؟ قالوا: هو في حالة واحدة وهي إذا تعلق العنوانان بماهيتين الغصب والصلاة مثلا مع القول بتعلق الاحكام بالطبائع. والاكثر حاليا يقولون بجواز اجتماع الامر والنهي إذا تعلقا بماهيتين اتفاقا فيكون مطيعا عاصيا في آن واحد واصبحت المسألة من باب التزاحم. وقلنا في الفرق بين التعارض والتزاحم انه في التزاحم نقدم الاهم وفي التعارض نقدم الاقوى سندا والارجح، وبالنتيجة مرجحات باب التعارض، وسنبيّن ذلك تفصيلا عند البحث عن التعارض وكيفية علاجه.

في هذه الحالة القسم الثالث، اجتماع الامر والنهي في حال تعلقهم بماهيتين اولا وفي حال تعلق الاحكام بالطبائع لا بالأفراد، هذا صار من باب التزاحم، وفي التزاحم حينئذ نقدم الاهم. [1]

القسم الرابع: ما إذا كان الحرام مقدمة لواجب، كما إذا توقف إنقاذ الغريق - مثلا – أو نحوه على التصرف في مال الغير. هذا فيما إذا لم يكن التوقف دائميا [2] ، وإلا فيدخل في باب التعارض، كما هو واضح. [3]

القسم الخامس: موارد التلازم الاتفاقي فيما إذا كان أحد المتلازمين محكوما بالوجوب والآخر محكوما بالحرمة.

ومثال ذلك: استقبال القبلة واستدبار الجدي لمن سكن في العراق وما شاكله من البلاد، فإنه لا تلازم بينهما بالذات، فالتلازم إنما يتفق بينهما لخصوص أهل العراق أو ما سامته من النقاط. وأما إذا كان التلازم دائميا فيدخل في باب التعارض. [4]

لن ندخل في محاكمته القسم الخامس، ولكن اريد ان اقول ان هذه المسائل ليست فرضية فقط. مثلا: سأل شخص عن مسألة قال: إذا دار الامر بين استقبال القبلة في الصلاة وبين لمس امرأة اجنبية ايهما مقدّم؟ احد السادة الاكارم قال له انه هل من المهم ان نخترع مسألة ونبحث بها. اجاب السائل بان هذا الامر حصل واقعا في سجون الطاغية صدام كانوا يضعون النساء والرجال عراة معا في زنزانة واحد ضيقة، فإذا اراد ان يتحرك واراد ان يستقبل القبلة اضطرّ إلى لمس امرأة لضيق المكان وإذا لم يتحرك بقي في غير اتجاه القبلة، فيدور الامر بين استدبار القبلة المبطل للصلاة ولمس المرأة. هذه المسألة واقعية على ما نقل هذا الشخص.

وكمثال آخر على التزاحم: طلب طبيب من شخص ان يستمني لأجل فحص البزرة لاحتمال ان يكون في المستقبل بدون اولاد. والاستمناء بذاته محرّم، وطلب الولد امر عقلائي، فهل يجوز الاستمناء هنا او لا في حال عدم وجود امكان طريق آخر وفي حال الانحصار؟ وكمثال آخر: الآن مثلا في فرنسا إذا منع الحجاب حتى في الشوارع وقد سئلت، وسألت هذا السؤال، هل يجوز لها نزع الحجاب وهذا من باب التزاحم، وحياتنا مليئة بمسائل التزاحم.

هذا القسم الاول انتهينا منه والحمد لله رب العالمين غدا نبحث القسم الثاني ونرى وجهة نظر السيد الخوئي (ره) والاشكالات على التقسيم الخماسي.

 


[1] سؤال احد الطلبة: القسم الثالث يفترض ان لا يكون موجود عند صاحب الكفاية باعتبار ان الاهم يبقى فعليا ولا تسقط فعليته مع فعلية المهم. الجواب: ان المكلف يصبح مطيعا وعاصيا في آن واحد أي يجتمع الامران، ويجوز اجتماع الامرين ويقدم الاهم والاخر يخرج عن الفعلية.ففي حال اجتماع الامر والنهي، إذا قلنا بجواز الاجتماع احدهما ارتفع عن الفعلية وبقي الآخر، اما إذا قلنا بعدم الجواز وقع التعارض فيكون ارتفع احدهما عن الانشاء، عن نفس الجعل.
[2] كرر الشيخ النائيني هذه العبارة لاهميتها. أي يجب ان يكون التنافي اتفاقيا لانه لا يطاع الله من حيث يعصى. ولان الممتنع عقلا كالممتنع شرعا. إذن في باب التزاحم يجب ان يكون التنافي والتضاد اتفاقيا لا دائميا وإلا كان من باب التعارض.
[3] سؤال احد الطلبة: في القسم الرابع الحكمان المجتمعان حرمة الغصب ووجوب الانقاذ هل هما حكمان متضادان. الجواب: في الاصل ليسا متضادين، لكن احدهما صار مقدمة للآخر، وهذا تلازم ومقدمة ولا بد منه، والتلازم ينفي التضاد، فانقاذ الغريق متوقف على السير في الارض المغصوبة، فوقع التلازم من باب المقدمية، كالغاية تبرر الوسيلة التي ذكرناها لماكيافيلي وذلك بناء على التزاحم عندنا. فحينئذ يدخل في باب التزاحم فنرى ايهما اهم الوسيلة او الغاية، فإذا كانت الغاية اهم تقدم، وإذا كانت الوسيلة اهم تقدم الوسيلة. من قبيل: عندي ثوب سيحترق في مكان ما فيه حريق، انا ارمي نفسي لانقذ الثوب، والحفاظ على النفس اولى من الحفاظ على الثوب، صارت الوسيلة اهم من الغاية. نعم هذه احد الفرقات بين فكر ماكيافيلي وهذه المسألة عند ماكيافيلي دائما الغاية تبرر الوسيلة. اما عندنا يمكن ان تكون الغاية اهم او الوسيلة اهم او الغاية يرضى عن الله.
[4] محضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض، ج3، ص10.