الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
38/05/08
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة النهي عن الضد.
نعود للكلام في هذه العناوين الاربعة: التزاحم، والتعارض، واجتماع الامر والنهي، ودلالة النهي على الفساد. بحث هذا المبحث مهم واستيعابه مهم، هذه المباحث ليست مختصة بعلم دون علم، أو مذهب دون مذهب أو دين دون دين، التزاحم والتعارض موجودان في كل العلوم، حتى في الطب والهندسة، واجتماع الامر والنهي يعني عنوانان في معنون واحد ايضا موجود في كل العلوم، نعم الفقهاء اضطروا لبحث هذه المسائل في الاصول باعتبار كثرة وجودها، لذلك، التمييز بينها لمعرفة حكم كل مسألة على حدة، فلا نستطيع في باب التزاحم ان نجري باب التعارض لكل باب احكامه وكيفية لعلاجه. من هنا اهمية التمييز بين هذه العناوين والمسائل.
ذكرنا هذه المسائل بشكل عام، فالتزاحم في مقام الامتثال، والتعارض في مقام الجعل، واجتماع الامر والنهي هو اجتماع عنوانين على معنون واحد، والنهي عن الفساد نفس العنوان منهي عنه أي ليس هناك تعدد جهة.
ونشرع في كل واحدة من المسائل في بيانها واساسها:
التزاحم: تارة يكون في الملاكات وتارة يكون في الامتثال.
والمراد من الملاكات هو مرحلة المصالح والمفاسد السابقة لإنشاء الحكم وجعله. ذلك أن الاحكام – على ما ذهب إليه العدلية – تابعة للمصالح والمفاسد سواء كان في متعلقاتها أو في نفس جعلها، وقد تتعارض الملاكات وتتنافى كما هو في الكثير من الحالات، فيقدّم بعضها على الآخر، وتكون مرحلة الكسر والانكسار، من قبيل قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [1] ، كسر وانكسار في المرحلة الاولى تؤدي إلى جعل حكم على طبق الراجح، كأن الله عز وجل يعلمنا قاعدة ان هناك مرحلة كسر وانكسار بعد هذه المرحلة تأتي مرحلة الراجح الذي يأتي الحكم على اساسه. وهذه المرحلة لا شأن للمكلف فيها إذ غالبا لا يدرك المصالح والمفاسد والمنافع والمضارّ [2] ، وبهذا فسّرنا قوله (ع): " إن دين الله لا يصاب بالعقول " [3] ، وهذا معناه اننا لا ندرك الملاكات، اما ان العقل ليس له أي مجال ليس هذا معنى الحديث وإن ذهب بعضهم إلى ذلك. تحكيم العقل في استكشاف الاحكام الشرعية موجود.
ولذا فتزاحم الملاكات التي يكون عن مرحلتها إنشاء الاحكام خارج عن البحث، ومن باب الاولى خروجه على رأي غير العدلية الذين لا يربطون الاحكام بمصالح ومفاسد.
التزاحم في مقام الامتثال: وهذا من شأن المكلف وما ينبغي البحث فيه.
موضوعه: الحكمان المجعولان في عرض واحد، غير المقدور على امتثالهما معا المجتمعان اتفاقا لا دائما. [4]
ولنتكلم عن كل فقرة من تعريف الموضوع:
الحكمان: أي ما كان قد تمّ جعلهما وإنشاؤهما كإنقاذ الغريق وصلاة العصر حكمان منفصلان لا علاقة لاحدهما بالأخر، وذلك بعد مرحلة الملاكات، وهي مرحلة الانشاء والجعل وهذا يقتضي وجود ملاك للحكم وعدم وجود مناف لإنشائه. ذلك أن الاحكام لها مبدأ ولها منتهى.
أما المبدأ فهي المرحلة الاولى وهي مرحلة المصالح والمفاسد- الاقتضاء -، وذكرنا أنه لا بد من الكسر والانكسار ليتم اقتضاء إنشاء الحكم، إذ لا يمكن اجتماع مصلحة ومفسدة في شيء واحد يكونا مقتضيين للحكم، ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾، قاعدة عامة وعقلية في نفس الوقت القرآن ارشدنا إلى ذلك.
وأما من ناحية المنتهى، فإن منتهى الحكم هو في امتثاله، فإذا كانت جميع أفراده مزاحمة بالمحرّم فلا يمكن الامتثال حينئذ، ولذا لا بد من وجود أفراد غير محرّمة وغير ممتنعة ولو احتمالا، وقد ذكرنا ذلك سابقا وذكرنا أن المحرّم شرعا كالممتنع عقلا، ومع امتناع جميع الافراد لا يصدر من الحكيم إنشاء الحكم.
وبهذا يظهر سرّ تقييد موضوع التزاحم بالفقرة الأخيرة " المجتمعان اتفاقا لا دائما ". إذن إذا كان التنافي دائميا، فهذا يعني عدم وجود أي فرد للمأمور به غير مزاحم، مما يعني عدم القدرة على الامتثال و " لا يطاع الله من حيث يعصى " .
في عرض واحد: الاحكام، ان شاء الله غدا نكمل البحث.