الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     توثيق موسى بن بكر.

نعود لتوثيق موسى بن بكر

أما التوثيقات العامة: موسى بن بكر القصير الكوفي اصلا الواسطي منزلا.

التوثيق الاول: روى عنه صفوان وابن ابي عمير والبزنطي ويونس. رووا كتابه. هناك قاعدة ذكرناها وهي: ما ذكره الشيخ الطوسي (ره) من أن هؤلاء، صفوان وابن ابي عمير والبزنطي لا يروون إلا عن ثقة، فكل شيخ لهم ثقة بدلالة كلام الطوسي(ره). والكلام من الشيخ الطوسي وهو من اعلام الرجال. فهو يقول لا يروون إلا عن ثقة، ولذلك تأسست في علم الرجال مسألة وهي أن هؤلاء الثلاثة واضرابهم هل بمجرد أن يرووا عن شخص حكمنا بوثاقته؟

ثانيا: روى عنه بعض اصحاب الاجماع، منهم حماد وابن مسكان وفضالة بن ايوب، وهؤلاء صحيح انه لم يثبت انهم لا يروون إلا عن ثقة، لكن عندما يروي عنه الاول والثاني والثالث والرابع، الرواية عنه بكثرة، يعني هذا رجل جليل تطمئن إلى جلالته، ثبت تصحيح ما صح عنهم، انهم في درجة عالية من الوثاقة، لكن لم يثبت انهم لا يروون إلا عن ثقة، لكن نفس روايتهم عنه تجعل النفس تطمئن به.

ثالثا: وقع في تفسير القمي لعليّ بن ابراهيم (ره) وهناك مسألة عامة، هل كل من وقع في أسانيد تفسير علي بن ابراهم هو ثقة أو لا؟ والسبب نفس توثيق علي بن ابراهيم لمن روى عنهم، طبعا تفسير علي بن ابراهيم هناك كلام به، هو ثلاثة كتب، ليس كتابا واحدا. هل كل من وقع في اسناد علي بن ابراهيم ثقة بناء على كلامه؟ هو قال: لم ارو إلا عن الثقات، لكن المشكلة في هذه الكلمة ان القدر المتيقن منها هو خصوص شيخه المباشر الذي روى عنه مباشرة؟ وهل تدل على توثيق كل من وقع في الاسناد ولو غير مباشرة؟ ظاهر كلامه لا يدل عليه، إلا أنه قد يقال أنه هناك قرينة هي التي دفعت الكثيرين بالأخذ بهذه القاعدة وهي: أن علي بن ابراهيم يريد أن يقول: لم ارو إلا الروايات الموثقة، كلامه لا يريد توثيق من يروي عنه بل يريد توثيق الرواية، ولذلك كثيرون قالوا إن كل من وقع في اسانيد تفسير علي بن ابراهيم فهو ثقة. وتفصل الحكم في محله في علم الرجال.

وأما التوثيقات الخاصة: عندنا توثيقات خاصة وتوثيقات عامة، فالتوثيقات العامة المراد منها القواعد العامة، التوثيقات الخاصة ما روى فيه بالخصوص أو ما استنسبه بعض علماء الرجال بالخصوص: هذه الرواية عن الحسن بن سماعة قال: دفع إليّ صفوان كتابا لموسى بن بكر، وكونه عنده كتاب شيء يزيد في جلالته، وقال لي هذا سماعي من موسى بن بكر، وقرأته عليه فإذا فيه، موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة – قال صفوان هذا مما ليس فيه اختلاف عند اصحابنا – تعبير مهم – كأن هناك نقل، اجماع منقول على توثيق الكتاب أو صاحبه، وعندما يكون هذا الكتاب صحيحا يعني هو توثيق للراوي، [1]

مع ملاحظة عبارة " هذا مما ليس فيه اختلاف " نقلها صفوان، هذه العبارة هي التي إتّكل عليها السيد الخوئي (ره) في توثيق موسى بن بكر، وهي ظاهرة في توثيق الكتاب.

من التوثيقات الخاصة: ابن ادريس في السرائر في المستطرفات التي انتزعها من كتاب المشيخة من المصنفين والروات المحصلين.

ومن التوثيقات الخاصة أيضا ابن طاووس حكم بتوثيقه، بصحة كل رواية هو في اسنادها.

أيضا من التوثيقات الخاصة هذه الرواية، روى الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن جعفر بن سماعة ان جميلا – بن دراج – شهد بعض اصحابنا وقد اراد أن يخلع ابنته من بعض الاصحاب، اختلفوا، فهل يجب الاتباع بطلاق أو لا؟

جعفر بن محمد بن سماعة لم يقبل بكلام جميل أخذ برواية موسى بن بكر بلزوم اتباع الطلاق. يعني لم يأخذ برواية جميل وأخذ برواية موسى بن بكر، يعني أن جعفرا اعتبر موسى بن بكر أوثق من جميل، وهذا يدل على وثاقته وعلى جلالته.

هذه الرواية ظاهرها اخذ برواية موسى بن بكر، نعم يحتمال انه اخذ بالرواية لأجل كونها مطابقة للمشهور لا يكون لأوثقية موسى، وهذا احتمال وارد لان الشهرة على ذلك. والدليل الاساس على توثيق موسى بن بكر هو رواية صفوان وابن ابي عمير وهو الدليل الاول للتوثيق وباقي الادلة والمجموع المكور لهذه الادلة يصنع اطمئنانا بان موسى بن بكر من الاجلاء.

بعد هذه القرائن جميعا لا نستطيع ان نقول ان موسى بن بكر ضعيف، وذلك ان السيد الخوئي (ره) في المحاضرات يقول: " في طريقهما موسى بن بكر وهو ضعيف "، قد ضعفه.

هذا من ناحية السند وان احد الطريقين صحيح.

اما من ناحية الدلالة فالظاهر منها ان استعمال الذهب والفضة هو مما يسعى إليه أهل الدنيا، ليكون منه متاعهم، اما أهل الآخرة فلا ينظرون إلى ذلك، لكن لا بمعنى التحريم، كما لو قلت: السعي لجمع المال لأجل المال شأن أهل الدنيا. وهذا التعبير لا يدل على الحرمة.

ومنها: ح 5 – محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضة. ورواه الصدوق بإسناده عن سماعة مثله. [2]

من ناحية السند الرواية موثقة.

ومن ناحية الدلالة فان تعبير " لا ينبغي " ليس ظاهرا في التحريم. ثم انها خاصة في الشرب.

ومنها: ح 6 محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن علي، عن يونس بن يعقوب، عن أخيه يوسف قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في الحجر فاستسقى ماءا فأتي بقدح من صفر، فقال رجل: إن عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر، فقال: لا بأس، وقال عليه السلام للرجل: ألا سألته أذهب هو أم فضة؟! ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن يونس بن يعقوب. ورواه البرقي في ( المحاسن ) عن محمد بن علي. ورواه الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب نحوه. [3]

وفي دلالتها على حرمة الشرب من الذهب والفضة نظر، والكراهة أعم لغة من التحريم والكراهة الاصطلاحية.

ومنها: ح 7 محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تأكل في آنية ولا فضة. [4]

من حيث السند: صحيح.

من حيث الدلالة: وهو خاص بالأكل.

وفي المقابل روايات عديدة في الكراهة والنهي عن آنية الذهب والفضة ومنها اخبار معتبرة السند.

منها: من في نفس المصدر والباب 65، ح 1 و ح 2 لكن من ناحية الدلالة وبمناسبة الحكم للموضوع يكون ظهورها في خصوص الأكل الشرب فان الاعيان لا يتعلق التشريع بها مباشرة بل بالأفعال المتعلقة لها : فإذا قيل: " حرّمت عليكم أمهاتكم " فالمعنى حرّم عليكم نكاح امهاتكم. بعبارة اخرى: الكراهة على قسمين: كراهة ذاتية وهذه يمكن تصورها في الاعيان، ففلان يكره الذهب لأنه ذهب. تارة تكون الكراهة تشريعية ولا يمكن تصورها ذاتا بل نتصورها بلحاظ الاحوالها والافعالها والمتعلقات.

وهنا في الرواية تحريم آنية الذهب والفضة هذا يعني الكراهة التشريعية. [5] وبالتالي تنصرف إلى الأكل والشرب بقرينة منسبة الحكم للموضوع، فإن المناسب الغالب للآنية هو استعمالها في الأكل والشرب وذلك كتحريم الامهات في قوله تعالى: ﴿ حرّمت عليكم امهاتكم ﴾ [6] . إذ لا معنى للتحريم التشريعي لعين الأم، فلا بد من تقدير متعلّق، والمقدر هنا هو النكاح لانه الأنسب للمرأة.

ومنها: ح 9 وبإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن، زيد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الشرب في آنية الذهب والفضة. [7]

الحديث خاص في الشرب وفي السند شعيب بن واقد والحسين بن يزيد.

وفي المقابل روايات بجواز الاستعمال إذا كانت الآنية من فضة، اما الذهب لا توجد روايات في التجويز، هل لنا الحق ان نقول ان الذهب والفضة هما في عرض واحد. لا نستطيع ان نقول انهما في عرض واحد فهذا معدن وهذا معدن، فهذا موضوع وهذا موضوع آخر، ولذلك لا نستطيع ان نقول ايضا ان الصفر محرّم كما قال عباد بن كثير لانه يشبه الذهب.

لنر الروايات الأخرى المعارضة التي جوزت استعمال الذهب أو الفضة.

منها: ح 2 – محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن التعويذ يعلق على الحائض؟ فقال: نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد. [8]

ومنها: ح 3 و 4 و 5 و 6.

ح 3 محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن محمد بن أشيم، عن صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: نزل به جبرئيل من السماء وكانت حلقته فضة. [9]

ح 4 وعن حميد بن زياد، عن عبيد الله الدهقان، عن علي بن الحسن الطاطري، عن محمد بن زياد، عن أبان، عن يحيى بن أبي العلا قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: درع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات الفضول لها حلقتان من وَرِق في مقدمها، وحلقتان من ورق في مؤخرها، وقال: لبسها علي عليه السلام يوم الجمل. [10]

والوَرِق هو الفضة.

ح 5و 6 أحمد بن محمد البرقي في ( المحاسن ) عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة؟ قال: نعم، إنما يكره استعمال ما يشرب به، قال: وسألته عن السرج واللجام فيه الفضة، أيركب به؟ قال: إن كان مموها لا يقدر على نزعه فلا بأس، وإلا فلا يركب به. ورواه علي بن جعفر في كتابه. ورواه الكليني كما يأتي في أحكام الدواب إن شاء الله.

ورواه الحميري في (قرب الإسناد) عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه مثله إلا أنه قال: وسألته عن المرآة هل يصلح العمل بها إذا كان لها حلقة فضة؟ قال: نعم، إنما كره ما يشرب فيه استعماله. محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلا من كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألته عن السرج وذكر مثله. [11]

هذه الرواية تفصل بين المموّه وهو المخفي وغيره، بالإضافة إلى جواز الاستعمال الظاهر من روايات اخرى.

والنتيجة: حرمة استعمال الذهب والفضة في الأكل والشرب وجواز الاستعمال في الفضة ومنها الوضوء، وحرمة الوضوء في آنية الذهب إرتماسا لا إغترافا.

أما تحريم الذهب بالخصوص فلظهور الحديث ح 1 من باب 67 إلا ان في السند محمد بن سنان.

ح 1 محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن حماد بن عثمان، عن ربعي، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السرير فيه الذهب، أيصلح إمساكه في البيت؟ فقال: إن كان ذهبا فلا، وإن كان ماء الذهب فلا بأس. [12]

الكلام في السند والدلالة:

من حيث السند: محمد بن سنان ذكرنا انه رجل جليل ثقة، لكن قوله:" انما ما رويته وجادة لا سماعا "، ادى إلى الاطاحة بكل رواياته عند بعض الاجلاء الذي قال: " اني لا استحل ان اروي عنه رواية واحدة".

ومن حيث الدلالة: قد يقال في: " أيصلح امساكه في البيت "، ان السؤال ليس عن نفس الاستعمال بل عن الاقتناء، لكن بمناسبة الحكم والموضوع " امساك السرير " يعنى امساك استعمالاته.

إلا ان يقال ان هذا ايضا ليس واضحا ظاهرا، إذ قد يمسك ولا يستعمل، فإذا قلنا هكذا فهذا يدل على غير الاقتناء ايضا.

بالنتيجة: ان استعمالات الذهب والفضة ليست محرّمة، المحرم هو خصوص الاكل والشرب.

غدا ان شاء الله نكمل.

 


[1] قلنا سابقا ان الفلاسفة يقولون احيانا لشدة تلبس الشيء يأخذ وصفه، فالحداد سمي حدادا لشدة ملابسته للحديد، واللبان لبانا لكثرة الملابسة والعلاقة، فعندما سمي الثقة ثقة لكونه يخبر اخبارا موثوقة صحيحة فسمي ثقة، هذه المسألة مهمة في مسألة الخبر الواحد.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1084، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب65، ح5، ط الاسلامية.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1084، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب65، ح6، ط الاسلامية.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1084، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب65، ح7، ط الاسلامية.
[5] فعندما تكون الكراهة لا تتعلق بالاعيان والتحريم ولا الوجوب لا يتعلق بالاعيان، مثلا: يجب القمح. نفس القم لا معنى له، بل يجب اكل القمح. هذا نسميه بالقرينة العامة مناسبة الحكم للموضوع، وهذا يحتاج إلى تنمية الذهن اللغوي وتنمية الادب، عندما نركز دائما على قراءة القرآن الكريم ونهج البلاغة واشعار العرب والروايات والاحاديث حتى ننمي الذوق اللساني الادبي. وهذه القرائن لا يفهمها إلا ابن اللغة، نفس التعبير يوحي لك بمعان، فعندما يعبر الامام (ع) يأخذ المعنى مع لوازمه.
[6] سورة النساء، آية 23.
[7] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1084، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب65، ح9، ط الاسلامية.
[8] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1087، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب67، ح2، ط الاسلامية.
[9] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1087، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب67، ح3، ط الاسلامية.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1087، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب67، ح4، ط الاسلامية.
[11] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1087، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب67، ح5 و 6، ط الاسلامية.
[12] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1086، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب67، ح1، ط الاسلامية.