الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     اعادة دليل من قال بالحرمة بخصوص الطعام والشراب.

     دليل القول الثاني وهو الشمول لكل الاستعمالات.

     الكلام في موسى بن بكر وتوثيقه.

انجرّ الكلام إلى استعمال آنية الذهب والفضة هل هو مطلقا حرام او في خصوص آنية الاكل والشرب؟، القدر المتيقن من الروايات الاطعام والشراب. اما بقية الاستعمالات فهل يحرم او لا؟

دليل من قال بالحرمة في خصوص الطعام والشراب للنصوص التي وردت، وكونهما القدر المتيقن الواجب وقد مرّ ذكر ذلك.

دليل من قال بالشمول لكل الاستعمالات:

منها: الاجماع الشامل لكل الاستعمالات .

وفيه: إشكال في الكبرى والصغرى، نفس الاجماع لا نسلم بحجيته، ورحمة الله على الشيخ الانصاري (ره) قال في اول بحث الاجماع: ان الاجماع هم أصل له وهو أصل لهم. ونعم ما قال. الاجماع لا اصل لحجيته اصلا لكن الشيعة لما كانوا يعيشون في بحر من ابناء العامة وهم يقولون بحجية الاجماع فصاروا يقولون بحجية الاجماع وصاروا يبحثون له عن مبرر لهذه الحجية، فصاروا يقولون باعتباره انه كاشف عن رأي المعصوم ثم صاروا يبحثون عن مبرّر الكشف! حدسا او لطفا أو دخوليا وإلى غير ذلك، وإلا فكل هذه المبررات لا تسمن ولا تغني من جوع.

إذن الكبرى غير تامة لما عرفت من عدم حجيته وقد ذكرنا ذلك غير مرّة.

واما الصغرى فالخلل من وجوه منها انه لم يثبت، فقد قال بعض الفقهاء بحرمة الاستعمال في خصوص الاكل والشرب. ومنها كونه مدركيا.

ومن الادلة: الروايات: الوسائل ح 4 – محمد بن يعقوب، عن سهل، عن علي بن حسان، عن موسى بن بكر، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون. ورواه البرقي في (المحاسن) عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن موسى بن بكر. [1]

والكلام في السند والدلالة.

أما السند فهو بنظري للاعتبار أقرب، وذلك لان الاقرب توثيق موسى بن بكر.

واما ما ذكره السيد الخوئي (ره) في المحاضرات من ضعف الرواية سندا لضعف الطريقين فغير سليم والطريقان هما:

الاول: محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن سهل عن علي بن حسّان عن موسى بن بكر عن ابي الحسن موسى (ع). وفي هذا الطريق سهل بن زياد وموسى بن بكر.

والثاني: البرقي في المحاسن عن ابيه عن عبد الله بن المغيرة عن موسى بن بكر.

والضعف عند السيد الخوئي (ره) في الطريق الاول لاشتماله على سهل بن زياد وموسى بن بكر، وفي الطريق الثاني لاشتماله على موسى بن بكر.

ولنبحث في الطريق الثاني عن توثيق موسى بن بكر، وعلى ما في بالي ان السيد الخوئي يوثق موسى بن بكر لكن هنا في المحاضرات هنا ذكر انه لم يوثقه وضعّف الطريقين.

الأقرب عندي توثيق موسى بن بكر لأمور: موسى بن بكر القصير الكوفي اصلا الواسطي [2] منزلا.

ويمكن أن يستدل على توثيقه بتوثيقات عامة وتوثيقات خاصة.

التوثيقات العامة وهي قواعد عامة للتوثيق، مثلا كل من روى عنه صفوان وابن ابي عمير والبزنطي وامثالهم " لا يروون إلا عن ثقة "، وكل ما ورد في كتاب كامل الزيارات، وكل ما ورد في تفسير على بن ابراهيم، وكل من روى عنه محمد بن احمد بن عيسى، وغير ذلك، وكلها محلّ خلاف بين أهل العلم.

من التوثيقات العامة التوثيق الاول الذي ذكر: فقد روى عنه صفوان وابن ابي عمير والبزنطي ويونس. واحد منهم يكفي بناء على تماميّة القاعدة فكيف بالثلاثة مع رابع وهو يونس بن عبد الرحمن. [3]

مفتاح مسألتنا هنا في مسألة توثيق كل من روى عنه صفوان وغيره مما ذكر. بناء على ما ذكره الشيخ الطوسي في العدّة حيث قال: لا يروون إلا عن ثقة. وهذا نقل حسي. بعد نقله الحسي اشكل عليه بانهم رووا عن ضعاف، ذكر منهم السيد الخوئي (ره) عشرة اشخاص، وهناك من هم معروفين بالكذب، وهناك من هو محل كلام مثل على بن ابي حمزة البطائني الذي اعتبر السيد الخوئي انه من الخدش بقاعدة المشايخ الثقات أن ابن ابي عمير روى عن علي بن ابي حمزة، وعلي بن ابي حمزة كذاب روي فيه انه في النار. وانا أميل إلى توثيقه وبحثناه مفصلا ومطولا وقلنا ان الحسن بن علي هو الضعيف. فاعتبر السيد الخوئي الرواية عن علي بن ابي حمزة خدشا بالقاعدة. يعضهم حاول تخريج ذلك بان الرواية واحد او اثنين من الضعفاء ليس بمشكلة ولا يقدح بالقاعدة، والصحيح انه يقدح بها. ولكن المفصل في هذه المسألة التي تحتاج إلى بحث: ما الذي يسقط العموم إذا كان العموم منقولا حسيا لا حدسيا؟ مثلا: إذا قلت لك اكرم العلماء، يعني كل عالم. فما الذي يسقطه؟

نقول في الجواب: ان العموم إذا كان نقلا حسيا، مثلا كما ذكرنا امس: إذا نقل احدهم ان الشيخ علي لا يدخل إلى مكان يباع فيه الخمر، فإذا وجدته مرّة واحدة قد دخل إلى مكان يباع فيه الخمر اتساءل كيف اخبرني انه لا يدخل إلى هكذا أمكنة؟!.

مفتاح المسألة هنا هو: هل استثناء او خروج بعض الافراد عن العام مع احتمال مبرر عقلائي معتدّبه، هل هذا الاستثناء يسقط العموم؟ بعبارة اخرى: خروج بعض الافراد عن العام هل يسقطه عن عمومه، ومتى يسقط؟ مثلا إذا استثنيا بعض العلماء من اكرم العلماء تنتفي القاعدة؟ ينتفي العموم؟.

اقول وهو المفتاح: انه إذا استثنيا فردا واحدا من الف من دون احتمال مبرر لهذا الاستثناء يسقط العموم من اساسه، هذا في اللغة العربية وفي جميع لغات العالم، اما مع احتمال المبرر فلا يسقط العموم، لذلك في بحث صفوان وابن ابي عمير حاولنا بيان مبرر لكل فرد من الذين اشكل انه ضعاف وقد روى عنهم هؤلاء الثلاثة، ذكرنا لماذا روى عن على بن ابي حمزة ولماذا روى عن على بن حديد ولماذا روى عن يوسف بن ظبيان ولماذا روى عن وهب بن وهب، حاولنا ان نجد المبررات، واحتمال مبرر كاف لبقاء العموم على عمومه وارتفاع الإشكال. إذن هذه النقطة مهمة جدا.

واسأل الله التوفيق وغدا ان شاء اله نكمل.

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1084، أبواب النجاسات والاواني والجلود، باب65، ح4، ط الاسلامية.
[2] واسط مدينة انشأها الحجاج بن يوسف الثقفي، بين البصرة والكوفة، وسميت واسط لانها بنصف الطريق. ويقال ان الجواميس لم يكن موجودا في العراق أتى به الحجاج بن يوسف من الهند، حيوان قوي جدا، اصبح جزءا من الحياة العراقية، فيه قوة وفي لبنه دسومة هائلة ومنافع كبيرة. الآن مدينة واسط ليس لها وجود.
[3] واريد ان اذكر بشيء وهو مهم جدا في مسألة توثيق من روى عنه صفوان وابن ابي عمير والبزنطي، قلنا ان في كل مسألة في الاصول في الفقه في الفيزياء في الطب في الهندسة لكل مسألة في أي علم مفتاح من خلاله نستطيع ان نحكم، الذي يدرك المفاتيح ويستوعبها جيدا اخذ بالمقدمة الاهم نحو الاجتهاد، والذي لا يدركه يكون قد حفظ الادلّة والموضوعات من هنا وهناك ويعطي النتيجة وكثيرا ما قد يكون الرأي استحساني والله العالم. انا اطلب شيء وهو ان نبحث دائما عن مفتاح المسائل، عندما نبحث عن مفاتيح المسائل ونصل إليها مع الكثير من التأمل واخذ زبدة الكلام، فيمكنك أن تجتهد في المسألة لأن الاجتهاد هو المعرفة وليس مجرد علم بالقاعدة وفهمهم لها. لاحظ قول الحسين (ع) "العلم لقاح المعرفة "، " انظروا إلى رجل عرف حلالنا من حرامنا " حيث لم يقل " علم ".