الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

كان الكلام في الوضوء من آنية الذهب، وذكرنا كلام السيد الخوئي (ره) وكان كلامه مبنيا على أمرين: ان المأمور به لا يمكن ان يشمل فردا منهيا عنه، واعتبر ان هذا الامر مسلما. وأن الممتنع شرعا كالممتنع تكوينا.

للسيد الخوئي مقدمتين وهما اولا: المأمور به لا يشمل الافراد المنهي عنها. ثانيا: الممتنع شرعا كالممتنع تكوينا أو عقلا. بناء على الكبريين الوضوء بآنية الذهب والفضة اصبح باطلا.

ونحن قلنا ان الكبرى الممتنع شرعا كالممتنع تكوينا وعقلا نسلم بها أي لا بد من القدرة الشرعية والعقلية والتكوينية ولو على فرد واحد ولو احتمالا، ولكن الكبرى الاولى وهي ان المأمور به يشمل افراد المنهي عنها لا نسلم بها على اطلاقها، بل قلنا: إن كان دليل المنهي عنه نستظهر منه دخالته في طبيعة المأمور به حينئذ يكون باطلا، اما إذا لم يكن دخيلا بطبيعة المأمور به بل كان خارجيا مقارنا ومقدمة، حينئذ لا نسلم بان المأمور به لا يشمل هذا الفرد، بل يشمله وتكون الصلاة صحيحة.

إذن الفرق بان المأمور به يشمل الافراد المنهي عنها او لا؟ هو يقول مطلقا لا يشملها وارسلها ارسال المسلمات، ونحن نقول كناحية اصولية إذا دخيلا في الطبيعة فلا يشملها اما إذا لم يكن دخيلا بالطبيعة لا نسلم بذلك.

وهذا التسليم وعدمه له اثاره الكبيرة في مسائل اخرى، قلنا ان هناك اربعة مسائل والتفكيك بينها مهمّ في الاحكام والاثار: التزاحم، والتعارض، واجماع الامر والنهي، ودلالة النهي على الفساد. التمييز والتفكيك بين هذه المسائل يوضح موضوعها وجريان الآثار.

وقلنا إن لكل مسألة موضوعا ولها مفتاح. فكل العلوم مسائل ومفاتيح وذكرنا مثالا واضحا في الاصول مسألة استعمال اللفظ في اكثر من معنى قلنا ان مفتاحها ان الاستعمال فناء أو علامة، وقلنا في مسألة الترتب الذي هو اجتماع امرين فعليين مولويين في عرض واحد، ان مفتاحها مسألة واحدة بعد تتبع الكثير من الصفحات وهو: هل العصيان او ارادة العصيان يسقط الفعلية او لا؟

فإذا قلنا انه يسقط فعلية الامر يكون هناك امر واحد وقلنا بعدم الترتب، وإذا كان لا يسقط فعلية فيثبت الامران. وهذا هو مفصل أو مفتاح مسألة الترتب.

هنا في مسألتنا في مسألة الافراد الممنوعة من قبيل آنية الذهب والفضة والغصب مفتاحها هو: هل المأمور به يشمل الافراد الممنوعة أو لا؟ وهل أن الفرد الممتنع عقلا كالممتنع شرعا أو لا؟ بمعنى اخر: هل يشمل الفرد المحرّم أو لا؟

السيد الخوئي(ره) ارسلها ارسال المسلمات، ونحن قلنا اننا نفرق بين ما كان دخيلا في المأمور به اي في الطبيعة حينئذ لا يشمله، اما إذا لم يكن دخيلا فيشمله. وأما كيف تعرف الدخالة من عدمها، أي في مقام الاثبات فهذا يكون بحسب لسان الدليل.

السيد الخوئي (ره) بعد ما ذهب إلى بطلان الصلاة في آنية الذهب قال: ان هذه قاعدة عامّة المأمور به لا يشمل الفرد المنهي عنه، لكن في خصوص مسألتنا هناك مجال للشمول وهو التفكيك في الوجود الخارجي وليس في العنوان فقط بين المأمور به والمنهي عنه. موضوع المأمور به مفهوما وموضوعا وخارجا يختلف عن المنهي عنه ايضا مفهوما وموضوعا وخارجا، ومع الانفصال يكون هذا مقدمة لذاك، وحينها نأتي إلى ما ذهب اليه في مسألة المقدّميّة حيث قال: انه إذا انحصرت المقدّمة بالحرام، المقدمة خارجا تختلف عن ذي المقدمة لكن تلازما من باب المقدمية، فتصبح المسألة من باب التزاحم. إذا كانت المقدمة اهمّ فتقدم وإلا لا تقدم على ذي المقدمة. [1]

يقول السيد (ره) إذا انحصرت مقدمة الغاية، مقدمة الاهم بفرد منحصر ولا تتم إلا بهذا الفرد تصبح المسألة حينئذ من باب التزاحم، وفي باب التزاحم يقدم الاهم. [2]

نحن قلنا ان هذه المسلمة الكبرى على اطلاقها لا نسلم بها، لكن السيد (ره) في خصوص آنية الذهب قال ان هذه القاعدة بطلان الوضوء تتم لو كانا متحدين خارجا، اما إذا كانا منفكين خارجا فلا تتم ولا تنطبق لان الوضوء على نوعين: اغتراف واصب على الوجه " الوضوء الترتيبي "، وهناك وضوء " ارتماسي "، فقد يقال ان الوضوء الارتماسي هو نفسه الفرد المحرّم، هذا الاستعمال هو نفس الوضوء، اما إذا كان بالغرف الذي هو مقدمة للوضوء ، كل ما في الامر انه اصبح هناك حالة المقدمية. بالنتيجة هناك قاعدة عامة اثبتها وهي انه إذا كان المأمور به والمنهي عنه منفكين خارجا اصبحت المسألة من باب المقدمة، وتأتي مسألة الانحصار والتزاحم. اما إذا كانا متحدين خارجا تأتي المسألة الاصولية ويكون الامتثال باطلا.

ثم قبل الانتقال إلى المسألة الثالثة يتعرض السيد (ره) إلى حرمة استعمال آنية الذهب والفضة، هل الحرمة هي في خصوص الأكل والشرب أو بمطلق الاستعمالات؟ ولا باس بذكر الادلة على ذلك.

دليل من قال بحرمة استعمال الذهب والفضة في خصوص الكل والشرب، هو القدر المتيقن من أدلّة التحريم للشك في شمولها للاستعمالات الاخرى.

روايات الحرمة كثيرة سنستعرضها الروايات وادلة الحرمة من الكتاب ومن الروايات، القدر المتيقن منها هو الاستعمال في الاكل والشرب الزائد يحتاج إلى دليل. فلنرى ما هي الاستعمالات الزائدة وهل تصبح من باب المقيّد والمطلق او لا؟.

نذكر قبل الختام بمسألة اصولية في مباحث الالفاظ: مثلا: لا تشرب اللبن اشرب اللبن الحامض. المطلق والمقيّد ان كانا سلبيين أو ايجابيين أو سلبي وايجابي. إن كانا مختلفين يحمل المطلق على المقيّد، اما إذا قلنا سلبيين أو ايجابيين، الظهور العام القاعدة العامة للظهور بغض النظر عن افرادها، إذا كانا ايجابيين يحمل المقيّد على افضل الافراد أو اغلبها، ويبقى المطلق على اطلاقه.

ادلة من قال بحرمة الاستعمال مطلقا: اولا الاجماع. ثانيا: يقوله تعالى، غدا ان شاء الله نكمل الادلة.

 


[1] استطراد: وهنا لا بأس بالإشارة إلى ما هو الفرق بينها وبين ما ذكره مكيافلي: " الغاية تبرر الوسيلة " وهذه اهم نقطة في الفكر السياسي لمكيافلي، والآن كل السياسة الاوروبية بنيت على هذه النقطة " نظرية السلطة ". السيد الخوئي (ره) قال انها من باب التزاحم، الارض المغصوبة يحرم السير عليها لكن هناك انقاذ غريق، فيجوز ارتكاب هذه المقدمة المحرّمة لاجل انقاذ الغريق، فهل هذا من باب " الغاية تبرر الوسيلة " الغاية التي هي انقاذ الغريق، والوسيلة هي المشي في الارض المغصوبة؟ يقول السيد الخوئي (ره) ان المقدمة إذا كانت منحصرة يقع الاشكال بخلاف ما إذا كانت غير منحصرة. فإذا كانت منحصرة يقع التزاحم حينئذ بين المقدمة وذيها. هل هناك فرق بينها وبين " الغاية تبرر الوسيلة " او لا؟ الفرق هو التالي: ان مكيافلي يريد الوصول إلى السلطة، بنظره السلطة هي المقدّسة، وكيف تصل ليست مشكلة حتى لو كانت الغاية اقل اهميّة تبرر الوسيلة حينئذ وإلا النظرية هي واحدة وتكون من باب التزاحم ويقدم الاهم. إذن الفرق ليس في تقديم الاهم على المهم بل في تشخيص الاهم.
[2] ونذكر بان التزاحم هو التنافي في مقام الامتثال، والتعارض التنافي في مقام الجعل.