الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

كان الكلام في تصحيح الوضوء بالماء الموجود في آنية الذهب، وذكرنا ان السيد الخوئي (ره) من الناحية الاصولية متكلا على كبرى مسلّمة ارسلها ارسال المسلمات وهي ان المأمور به لا يمكن أن يشمل الفرد المحرّم ولذا لا يتم الامتثال بالفرد المحرّم، والفرد المحرّم طالما لا يشمله المأمور به لا يتم الامتثال به وان الممتنع شرعا كالممتنع عقلا. من هنا المفروض قواعديا اصوليا ان يكون الامتثال بالفرد المحرّم باطلا. يعني ان الوضوء من آنية الذهب باطل. قلنا اننا نحن لا نسلم بهذه الكبرى التي سلّم بها على اطلاقها.

ثم حاول الخروج من المسألة بتصحيحها من الناحية الفقهيّة بخصوص هذه المسألة وهي الوضوء من آنية الذهب او الفضة أو المغصوب، وليس قاعدة عامّة فقهية، في المسألة الاصولية قاعدة عامة: المأمور به لا يشمل الفرد المحرم أي لا يتم امتثاله بالفرد المحرّم لان المحرم شرعا كالمحرم عقلا.

فذهب إلى تصحيح الوضوء من ناحية فقهية وذلك بالتفريق بين عنوان المأمور به وعنوان المنهي عنه وعدم اتحادهما في الخارج، بل في الخارج هما اثنان. وهذا يعني ان استعمال الآنية هو بالإغتراف منها وهذا مقدمة للغسل، حيث ان الوضوء هو غسل الوجه وليس الاغتراف فلا يشمل الوضوء الارتماسي.

بتعبير اخر: حاول السيد (ره) ان يفكك من جهة الوجد الخارجي بين عنوان المنهي عنه والعنوان المأمور به، اي انهما حتى خارجا غير متحدين، وبذلك يمكن القول بصحة الوضوء وإن كان الوجود الخارجي ملازما أو مقدمة. هو عبّر ان المقارنات لا تؤدي إلى فساد الفعل.

هنا سنقرأ كلامه (ره) لما فيه من فوائد واريد ان انبه على شيء: احيانا هناك بعض الاستنباطات الاصولية أو الفقهية من ناحية القواعد الاصولية تامة، لكن تجد ان في النفس منها شيئا مثلا: هذه الآنية مغصوبة كيف سيصح الوضوء منها؟

 

السيد الخوئي (ره) فكك بين العنوانين في الوجود الخارجي ولكن مع وجود مقدميّة ومقارنيّة. [1]

السيد الخوئي (ره) وهو يحاول تصحيح هذا المسألة بالخصوص يقول (ره) في المحاضرات: " وإن شئت فقل: إن متعلق النهي هو أخذ الماء منها، فإنه نحو استعمال لها وهو محرم على الفرض [2] ، وأما صبه على الوجه واليدين - مثلا - بعد أخذه منها فليس باستعمال لها ليكون محرما. نعم، هو مترتب عليه.

وقد ذكرنا في بحث مقدمة الواجب: أن حرمة المقدمة لا تمنع عن إيجاب ذيها إذا لم تكن منحصرة [3] ، وأما إذا كانت منحصرة فتقع المزاحمة بينهما. فإذا المرجع هو قواعد باب التزاحم. [4]

ولكن المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا هو التفصيل بين ما إذا كان الماء منحصرا فيها، وما إذا لم يكن، فذهبوا إلى فساد الوضوء أو الغسل في الصورة الأولى، والى صحته في الصورة الثانية. [5]

أما الصورة الأولى فقد ذكروا: أن أخذ الماء منها بما أنه كان محرما شرعا فالمكلف وقتئذ فاقد للماء، لما ذكرناه غير مرة من أن المستفاد من الآية المباركة بقرينة داخلية وخارجية هو أن المراد من وجدان الماء فيها وجوده الخاص، وهو ما إذا تمكن المكلف من استعماله عقلا وشرعا. وفي المقام وإن تمكن من استعماله عقلا وتكوينا ولكنه لا يتمكن منه شرعا، والممنوع الشرعي كالممتنع العقلي، فإذن وظيفته هي التيمم. [6]

أما الصورة الثانية: فلأن الوضوء أو الغسل مشروع في حقه، لفرض أنه واجد للماء، غاية الأمر أنه قد ارتكب مقدمة محرمة، وهي أخذ الماء من الأواني، وهذا لا يمنع عن صحة وضوئه أو غسله بعد ما كان الماء الموجود في يده مباحا، وهذا ظاهر.

أقول: التحقيق على ما هو الصحيح من عدم اتحاد المأمور به مع المنهي عنه خارجا: صحة الوضوء أو الغسل على كلا التقديرين ". [7] انتهى كلامه رفع مقامه.

بعبارة اخرى: ملخص كلامه انه إذا كان المأمور به والمنهي عنه متحدان خارجا في فرد واحد نحكم بالبطلان، وإذا لم يكونا متحدين نحكم بالصحة، ولذلك المفروض أن يفرّق بين الوضوء الارتماسي والوضوء الترتيبي بغسل الوجه.

غدا ان شاء الله نكمل البحث، وسنذكر ان الوضوء دائما صحيح.


[1] هناك بعض الفقهاء مثل السيد محمد باقر الصدر (ره) له نظرة في مسألة اجتماع الامر والنهي وهي أن الاجمتماع وإن كان جائزا اصوليا ولكنه فقهيا غير جائز، وذلك ان الاجتماع الموردي يؤدي إلى سريان القبح من المنهي عنه إلى المأمور به وإن لم يتحدا خارجا. مثلا: اناء طعام طيّب وفاخر تشتهيه النفس وإذا بالصرصور مرّ عليه، هنا المكان مختلف والفرد غير متحد لكن النفس تعاف هذا الطعام، ينتقل القبح من الفرد القبيح إلى الفرد الطيّب وان لم يتحدا وجودا خارجيا، انتقال القبح من هنا إلى ذاك نوع من الحالة الذوقيّة، وهذا موجود كثيرا، ايضا كلفظة " امن " بالعراق ايام النظام الظالم كان حين تقول " امن " يعني الرعب، مع العلم ان هذه الكلمة بمعناها الموضوع له جميلة جدا لكن انتقل القبح من الممارسات إلى اللفظ. فبعضهم قد يحكم ببطلان الوضوء نتيجة المقارنات السيئة أو القبيحة. فاصوليا المقارن لا يؤدي إلى قبح ولا يؤدي إلى فساد، كقواعد اصولية صحيح، كل واحد منفصل عن الاخر لكنهما باعتبار تقارنهما اصبح هناك نوع من الاجتماع الموردي، ادى إلى سريان القبح إلى المأمور به فيكون باطلا. هذه وجهة نظر لا نعمل بها ولكن الانصاف انها جميلة جدا.
[2] قال السيد الخوئي (ره) " على الفرض " لانه سيتكم عن مسألة ثانية لاحقا وسنبحثها وهي: هل استعمال آنية الذهب والفضة محرم دائما أو في خصوص الاكل والشرب.
[3] فإذا وقعت المزاحمة نرى ايهما اهم ونقدمه. من قبيل إذا كنت اريد ان اقطع من قطعة ارض صاحبها لا يرضى العبور منها لانقاذ غريق، مقدمة. هنا وقع التزاحم بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها الذي هو الانقاذ باعتبار انه لا يمكن امتثالهما معا.
[4] والتزاحم هو التنافي في مقام الامتثال، فيكون الامتثال محالا بتقديم الاهم.
[5] في اكثر الفتاوى الفقهية قالوا انه في حال الانحصار ينقلب الواجب إلى التيمم، اما في حال عدم الانحصار يكون الوضوء صحيحا باعتبار ان طبيعة المأمور به موجودة، فيكون انطباق الطبيعة على الفرد قهري فيكون الامتثال صحيحا، لكن اجتمع مع المنهي عنه اجتماعا مورديا، اجتماعا خارجيا. وبعض الفتاوى تقول انه في حال الانحصار وعدمه سيان فحكموا بالصحة.
[6] الآية: " فلم تجدوا ماء " يعنى الوجود الخاص الخالي من المحرمات. تكون النتيجة: المحرم شرعا كالممنوع تكوينا، والممنوع تكوينا عدم، والمحرم شرعا عدم، فالنتيجة ان الماء معدوم – وإن كان اعتبارا -، يعنى ان الماء غير موجود، فتنطبق عليها " فلم تجدوا ماء ".
[7] محاضرات في الاصول، السيد ابو القاسم الخوئي، ج3، ص187.