الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     محور الكلام: هل العصيان مسقط للأم أو لا؟

     مسقطات الحكم: انتفاء الملاك وانتفاء الموضوع والامتثال.

     مسقطات فعلية الحكم: هي مسقطات الانشاء مع مسقطات الدافع والمحرك.

     العصيان من مسقطات الفعلية.

     الانشاء يستمر مع بقاء الملاك، اما الفعلية فتذهب وتعود، ولا مانع من تعلقها.

     محل الكلام هو بقاء فعلية المهم وليس الكلام في بقاء ملاكه.

قبل الكلام عن انتفاء الحكم في عالم الفعلية نضيف إلى مسقطات الحكم في مرحلة الإنشاء الامتثال فإذا امتثل المكلف سقط الحكم لحصول الغرض.

فتكون مسقطات الحكم ثلاثة: انتفاء الملاك او ارتفاع الموضوع او الامتثال.

     اما انتفاء الحكم في عالم الفعلية، أي انتفاء فعلية الحكم، فهي أربعة، إذ بالإضافة إلى الثلاثة أو الاربعة السابقة انتفاء الداعي لفعلية الحكم، ونعلم أن الفعلية معناها مرحلة الدفع والتحريك والبعث إلى الامتثال، ومن جملة الدواعي لإنتفاء فعلية الحكم عصيان الأمر، وهذا أمر عقلائي. ألا ترى أن المولى لو طلب أمرا آخر بعد عصيان الأمر بالأهم لا يكون مذموما عند العقلاء، ولا يقولون له لقد طلبت المحال. وعلى هذا تحمل الأوامر العرفية. العصيان لا يسقط الانشاء لأنه ليس بإرادة المكلّف.

إذا قلنا أن العصيان يسقط الفعلية عند عصيان الامر بالأهم تذهب فعليته فيبقى الأمر بالمهم فعليا. اما إذا قلنا ان العصيان لا يسقط الفعلية يتم موضوع كلام صاحب الكفاية (ره) باجتماع امرين فعليين بالضدين في آن واحد وهو محال.

الذي أراه أن العصيان يسقط الفعلية عقلائيا وأن لم يكن نص واضح في ذلك، وعندما يرى المولى المكلف لا ينبعث ولا يمتثل صار المولى والمكلف في ظرف آخر يكون تحريك المولى وبعثه للمكلف أمرا لغوا، فتسقط الفعلية.

إذن: الفعلية ترتفع مع العصيان دون الانشاء وبهذا يثبت عند عصيان الأهم أمران: الأمر بالأهم إنشاء والأمر بالمهم انشاء وفعلية. وبهذا يكون المدفوع اليه هو خصوص المهم.

وبيانه: إن الإنشاء مرتبط بالملاك وبجعل المولى ولا يكون بإرادة العبد، فيكون الإنشاء مستمرا، والفعلية عبارة عن حالة لهذا الجعل تدفع المكلف إلى تنفيذ المنشأ، وهذا لا مانع في أن يكون بإرادة المكلف، ولذا، الفعلية تسقط ثم تعود بتغير الحال، أما الإنشاء فلا يسقط إلا بالمسقطات التي ذكرناها. كمثال على ذلك وذكرناه امس: النار تقتضي الاحراق في الخشب (المعد) الجاف فإذا وجدت معد رطب لا تحرقه، المقتضي منع من تأثيره، تكمل النار فإذا وجدت المعد الجاف احرقته.

المؤثر موجود في فترة هناك داع للتحريك ويصبح فعليا، بعد فترة، الداعي ارتفع لوجود المزاحم أو لأمر ما، فصار الأمر إنشائيا لا فعليا.

فإذا كنت الآن مشغولا بضد ولا يمكن الامتثال بآخر سواء كان الضدان من باب الأهم والمهم او متساويان، لا معنى ان ادفعك باتجاه المهم، لكن يبقى الانشاء والحكم والملاك مستمرا، إذن الخلاف على الفعلية، لذا اقول انه عند العصيان الامر بالمهم يكون فعليا والامر بالأهم تسقط فعليته لذلك ليس هناك دافع باتجاه الاثنين، فعند العصيان لا يبقى التحريك موجودا، أما اذا قلنا بوجوده يكون كلام صاحب الكفاية (ره).

النتيجة: ان الانشاء مرتبط بالملاكات، والجعل بعد الاقتضاء ولا يعلّق، اما الفعلية فامر يذهب ويعود عند تغير الحالة التي تؤدي إلى التحريك ولا اشكال في ذلك، فالعصيان يعلق فعلية الحكم، اما في الانشاء فالعصيان لا دخل له في الانشاء.

ثانيا: العصيان يسقط الفعلية، فإذا سقطت الفعلية يبقى الانشاء، ويأتي الامر بالمهم ويكون فعليا ولا مانع من ذلك، والدليل على الفعلية هو الدليل على الامر بالمهم كـ " اقم الصلاة " وهو مطلق، وملاكه موجود ويبقى مستمرا، فصار عند عصيان الاهم هناك امر فعلي واحد وهو بالمهم، اما الامر بالاهم الفعلي فغير موجود. وايضا إذا اردت من جديد ان امتثل الاهم فليست هناك مشكلة لأننا قلنا ان الفعلية تذهب وتعود بخلاف الانشاء، حينئذ يصبح الاهم فعليا دون المهم، وتُعلِّق فعلية المهم وهذا لا مشكلة فيه . اما في الامران المولويان الفعليان بالضدين في آن واحد هذا لا يمكن وهذا هو محل الكلام وهذا ما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره)، وقد خرج صاحب الكفاية العرفيات التي توحي بصحة الترتب بأحد أمرين: إما بالدلالة على بقاء ملاك المهم فيكون إرشادا إلى ذلك، أو بالتجاوز عن الأمر الأول (الأهم) والاعراض عنه لإفساح المجال إلى الثاني. لكننا نقول له: إن الكلام ليس في تصحيح العبادة وإمكان وجود ملاك للمهم، بل الكلام هو في وجود أمر فعلي بالمهم. ونحن هنا كلامنا ليس في بقاء الملاك وعدمه، كلامنا عند عصيان الاهم هناك امر ثان بالمهم او لا؟ وليس كلامنا في بقاء الملاك بالأمر بالاهم. كلامهم في مقام العلاج ان ملاك الاهم يبقى، لكن نحن كلامنا عند عصيان الاهم يبقى امره الفعلي.

في مقام التخريج قلنا ان الامر بالاهم فعلي لا يكون مع العصيان فيكون الامر بالمهم وحده فعليا ولا اشكال فالترتب لا يتم.

غدا ان شاء الله نكمل ونلخص المسألة في نقاط قليلة واضحة وسنبيّن زبدة الكلام.