الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     الاعتبار العرفي.

     تخريج صاحب الكفاية للعرفيات بأمرين.

     الأول: تجاوز الأمر بالأهم عند عصيانه.

     الثاني: كون الأمر بالمهم إرشادا إلى بقاء المصلحة والملاك.

     كلام الشيخ المظفر وهو اختصار لكلام الكركي والشيرازي والنائيني (ره) في تصحيح الترتب.

واما الكلام بحسب الاعتبار العرفي، فقد قيل بوجوده كثيرا. وقد خرّجه بعض الاصوليين بنحو الطولية، كأن يقول المولى: اسقني الماء وأتني بولدي وإن عصيتني في الأول فلا تعصني في الثاني. لكن قلنا في شروط الترتب ان الكلام بحيث يكونا مطلقين وعلى نحو العرضية وهذا الذي فيه يقع الاشكال العقلي وهو امتناع اجتماع الامرين الفعليين بضدين في الأمرين.

أما صاحب الكفاية (ره) الذي يقول بمحالية الترتب، فيُخَرِّج ما ورد في العرفيات على أحد أمرين: فيقول:

إن قلت فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين في العرفيات؟

قلت: لا يخلو إما أن يكون الأمر بغير الأهم بعد التجاوز عن الأمر به ( أي بالأهم ) وطلبه حقيقة، وإما أن يكون الأمر به إرشادا إلى محبوبيته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والفرض لولا المزاحمة وأن الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهم، لا أنه أمر مولوي فعليّ كالأمر به ( أي بالأهم ) فافهم وتأمل جيدا. [1]

وبيان كلامه (ره): لقد ورد في العرفيات ما يدل على وجود أمرين فعليين: أحدهما بالأهم والآخر بالمهم في آن واحد، وهو آن عصيان الأهم وإرادة الأمر بالمهم وهو كثير في الواقع. والحلّ عنده (أي عند صاحب الكفاية) أن الأوامر الموجودة في العرف لا تخلو من أحد نحوين:

الاول: أن يكون الأمر بالمهم بعد تجاوز الأمر بالأهم، بحيث أنه لا يطلب حقيقة، فيسقط الأمر بالأهم. وعليه يكون الأمر بالمهم بلا منازع، فمثلا في العرفيات: يرسل المولى خادمه ويقول له: ائتني بطعام مطبوخ في البيت، ثم لما وجده قد عصاه ولم يأته بطبخ في بيته قال له: إذا كان الأمر كذلك فأتني بلفافات جاهزة. فالطلب الثاني لم يكن مطلوبا، ولكن بعد عصيان الامر به تمّ طلب الثاني وهو " السندويش ".

الثاني: أن الأمر بالمهم لبيان بقاء مصلحته وملاكه، وبالتالي الثواب عليه، فلو فعلته فإنه يخفف من مثلبة ومفسدة وعقاب ترك الاول.

وبناء على هذين التفسيرين لا يجتمع الأمران في آن واحد، بل إما أمر بالأهم وهو أمر مولوي فعلي دون الأمر بالمهم لأنه إرشادي محض كما في النحو الثاني وإما أمر بالمهم فعلي مولوي مع سقوط الأمر بالأهم مع العصيان كما في النحو الأول. وبالتالي: لا يوجد إلا أمر واحد فعلي مولوي وهو الأمر بالمهم على النحو الأول، أو الامر بالأهم على النحو الثاني.

وقبل بيان المختار لا بأس بذكر ما ذكره الشيخ المظفر (ره) (في كتابه اصول الفقه) وجماعة في تصحيح الترتب حيث يقول:

والظاهر أن أول من أسس هذه الفكرة وتنبّه لها المحقق الثاني (الكركي)، وشيّد اركانها السيد الميرزا الشيرازي، كما احكمها ونقحها شيخنا المحقق النائيني طيب الله ثراهم.

وهذه الفكرة وتحقيقها من أروع ما انتهي إليه البحث الاصولي تصويرا وعمقا.

وخلاصة فكرة الترتب: أنه لا مانع عقلا من أن يكون الأمر بالمهم فعليا عند عصيان الأمر بالأهم، فإذا عصى المكلف وترك الاهم فلا محذور في أن يفرض الأمر بالمهم حينئذ، إذ لا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين، كما سيأتي توضيحه. [2]

سنرى كلام المظفر (ره) وكلام النائيني (ره) وقدر متانة كلامه لكنه مع التأمل لن نؤيده، وكلام صاحب الكفاية (ره) هو الاصح.


[1] كفاية الاصول، الآخود الخرساني، ص135.
[2] اصول الفقه، الشيخ محمد رضا المظفر، ج1، ص276.