الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     الترتب.

الثامن من شروط الترتب: كون الأهم والمهم متعددين وجودا، فلا يكون مورد تداخل الاغسال، ومورد اجتماع الامر والنهي بناء على الجواز حيث يكون الفرد الواحد مأمورا به ومنهيا عنه في آن واحد، لا يمكون هذا وامثاله من موارد المسألة. كلامنا في الضدين المتعددين وجودا، تعدد الاغسال مثلا: إذا كنت جنبا فاغتسل وإذا اردت زيارة الامام فاغتسل بدليل كفاية الغسل الواحد يتم الامتثال بالواحد. كلامنا ليس فيه، وليس كلامنا في مورد اجتماع الامر والنهي، فبناء على جواز اجتماع الامر والنهي حيث يكون نفس الفرد ينطبق عليه عنوان المأمور به والمنهي عنه، فيبقى الامر والنهي في واحد وليسا متعددين وجودا، فهذا لا يدخل في الترتب، الذي يدخل في الترتب هو المتعدد وجودا وليس المتحد وجودا.

الشرط التاسع: أن يكونا مولويين فلو كان أحدهما إرشاديا والآخر مولويا لخرج عن محل النزاع.

إذا تمّت هذه الشروط، فهل تتم مسألة الترتب؟ أي هل يصح اجتماع حكمين مولويين فعليين لضدين في آن واحد؟

بعبارة اخرى: عند عصيان الأهم هل يوجد أمر بالمهم او لا؟ بعضهم قال يوجد وبعضهم قال لا يوجد، الشيخ البهائي (ره) قال لا يوجد امر بالمهم لذلك الامر بالمهم لا يمكن امتثاله والاتيان بالمهم فاسد مع عصيان الاهم على كل حال.

وبحسب ما ذكروه وكيفية تناولهم لحلّ مسألة تصحيح الأمر بالضد، البحث تارة في جواز الترتب بحسب الدليل العقلي، وأخرى بحسب الاستظهار الاصولي، وثالثة بحسب الاعتبار العرفي، كما ذكره الاصوليون ثم سنبّن المختار اخيرا.

أما الأول وهو الدليل العقلي، فقد صححه بعض الاساطين، بناء على أن المقتضي للجواز وهو الملاك والخطاب موجود، والمانع عنه مفقود، فلا بد من الوقوع حينئذ إلا لموانع: مثلا: هناك انقاذ غريق وصلاة، الصلاة ملاكها ومصلحتها موجودان، التزاحم مع الاهم هو الذي احدث هذا الاشكال، والتزاحم لا يؤدي إلى نفي الملاك ولا إلى نفي المصلحة، كل ما في الامر ان التزاحم يرفع فعلية الحكم. وسنرى ان الحكم إنشاءا موجود، لكن ترفع فعلية الحكم لمكان التزاحم.

الملاك موجود يعني مقتضي وجود الفعلية موجود والمانع مفقود فإذن الحكم موجود وهذا ما ذهب اليه الميرزا النائيني (ره) وشيده المحقق الكركي (ره).

من الموانع التي ذكروها: ما ذكره صاحب الكفاية (ره) الشيخ الآخوند (ره) حيث قال: [1]

قلت: ما هو ملاك استحالة طلب الضدين في عرض واحد، آت في طلبهما كذلك، فإنه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهم اجتماع طلبهما، إلا أنه كان في مرتبة الامر بغيره اجتماعهما [2] ، بداهة فعلية الامر بالأهم في هذه المرتبة، وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص، أو العزم عليها مع فعلية الامر بغيره أيضا، لتحقق ما هو شرط فعليته فرضا.

لا يقال: نعم لكنه بسوء اختيار المكلف حيث يعصي فيما بعد بالاختيار، فلولاه لما كان متوجها إليه إلا الطلب بالأهم، ولا برهان على امتناع الاجتماع، إذا كان بسوء الاختيار.

فإنه يقال: استحالة طلب الضدين، ليس إلا لأجل استحالة طلب المحال، واستحالة طلبه من الحكيم الملتفت إلى محاليته، لا تختص بحال دون حال، وإلا لصح فيما علق على أمر اختياري في عرض واحد، بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتب، مع أنه محال بلا ريب ولا إشكال.

إن قلت: فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك، فإن الطلب في كل منهما في الأول يطارد الآخر، بخلافه في الثاني، فإن الطلب بغير الأهم لا يطارد طلب الأهم، فإنه يكون على تقدير عدم الاتيان بالأهم، فلا يكاد يريد غيره على تقدير إتيانه، وعدم عصيان أمره. [3]

قلت: ليت شعري كيف لا يطارده الامر بغير الأهم؟ وهل يكون طرده له إلا من جهة فعليته، ومضادة متعلقه للأهم؟ والمفروض فعليته، ومضادة متعلقه له.

وعدم إرادة غير الأهم على تقدير الاتيان به لا يوجب عدم طرده لطلبه مع تحققه، على تقدير عدم الاتيان به وعصيان أمره، فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير، [4] مع ما هما عليه من المطاردة، من جهة المضادة بين المتعلقين، مع أنه يكفي الطرد من طرف الامر بالأهم، فإنه على هذا الحال يكون طاردا لطلب الضد، كما كان في غير هذا الحال، فلا يكون له معه أصلا بمجال. [5]

وملخص كلامه (ره): ان المعصية لا تسقط الأمر فالأمر بالاهم يبقى موجودا فإذا عصيته ورأيت أن أتي بالصلاة للأمر بالمهم صار عندي امران فعليان بالمهم والاهم في آن واحد، فالإشكال ما زال موجودا. هذا كلامه ولعمري انه كلام متين جدا، ورحم الله صاحب الكفاية عليه. لكن انتظر معي فسيحل المسألة بطريقة واضحة لا إشكال فيها، فانتظر قليلا عند بيان المختار.

المانع الثاني الذي استدل به على امتناع الترتب، ان جوازه مستلزم لتعليق وجوب المهم على إرادة المكلف. ان شاء الله غدا نكملها.

 


[1] طلب الضدين في عرض واحد محال، أما بذاته محال بناء على عدم امكان اختلاف ارادتين وعدم امكانية اختلاف ارادة المنع والجواز في أن واحد، أو هو قبيح من الحكيم ان يأمر بالضدين في آن واحد. فما هو الملاك في عدم امكان وجود امرين في الضدين موجود هنا ايضا. مثلا: اقول لك: اذهب إلى اليمين واذهب إلى اليسار في آن واحد، محال إما محال ذاتا باعتبار ان الآمر يستكشف منه محبة اليمين ومحبة اليسار في آن واحد. فاما ان نذهب إلى محاليته من الآمر او إلى قبحه من الحكيم. بالنتيجة الامر بالضدين محال، هذا الملاك بنفسه موجود بمسألتنا. وملخص كلام صاحب الكفاية (ره): عند عصيان الامر بالاهم جئت بالمهم، هذا المهم الامر به لو كان فعليا فانه قد اجتمع مع والامر بالاهم الذي ما زال موجودا لان العصيان لا يسقط الامر، إذ اردت ان تعود للأهم لاستطعت ان تعود. العصيان ليس من مسقطات الامر، فإذا عصيت الامر بالاهم يبقى الامر بالمهم والاهم في آن واحد، وهذا محال لانهما ضدان. وردا على سؤال ان امر يسقط في حال التوسعة. الجواب: انه حتى في حال التضيق يسقط الامر وسياتي ان سقوط الامر له اسباب. لا يسقط الامر إلا باحد ثلاثة امور: إما بسقوط الملاك واما بانتفاء الموضوع واما الامتثال. نحن سنناقش في هذه الثلاثة وهل ان هناك رابع او لا؟ هل العصيان يسقط او لا يسقط. سنرى ان العصيان لا يسقط الحكم في مرحلة الانشاء، نعم قد يسقطه في مرحلة الفعلية.
[2] مقصوده بالمهم.
[3] إذن كل كلامه ان الامر بالمهم مشروط بعصيان الامر بالاهم، فإين المطاردة والمزاحمة ؟ فإذا عصيت الاهم اذهب إلى المهم.
[4] ملخص ما اراده هو انه عند عصيان الامر بالاهم المهم مأمور به وكذلك الاهم مأمور به لانه لم تسقط فعليته ولم يسقط الامر بالاهم، فاصبح الامران في آن واحد. بعبارة اخرى: ملاك كلامه كله انه عند عصيان الامر بالاهم لم يسقط الامر به.
[5] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص134.