الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     الترتب.

السابع: اعتبر بعضهم أن يكون الاهم مضيقا، سواء أكان المهم ايضا كذلك ام لا، وسواء كان التضييق من جهة الملاك الذاتي والاهمية [1] الذاتية كإنقاذ الغريق والصلاة، أو من جهة فورية الخطاب فورا ففورا كإزالة النجاسة من المسجد [2] . والوجه في اعتبار هذا الشرط معلوم لأنه لو لم يكن الاهم مضيقا وكان موسعا لما كان تزاحم في البين، لقدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين، فلا تصل النوبة لبحث الترتب.

لكن الانصاف عدم ضرورة هذا الشرط، إي كون الترتب في خصوص الاهم والمهم، بل الكلام يشمل حتى غيره، فيشمل الموسعين أيضا، لان ملاك الخلاف هو عدم إمكان اجتماع حكمين مولويين في آن واحد. فلو فرضنا ان انقاذ الغريق يمكن تأخره بحيث كان موسعا، وكان وقت الصلاة أيضا كذلك، فانه وإن لم يكونا متزاحمين امتثالا، فانه حين امتثال أحدهما لا يمكن امتثال الآخر، فلا يكون الآخر فعليا. [3]

نعم الثمرة التي ذكروها وهي فساد الضد العبادي لا تتم إلا في الأهم والمهم وفي المضيّقين، لكن ملاك المسألة ينطبق على المضيقين وعلى الموسَّع والمضيق، بل حتى على الموسَّعين. ففرق بين ثمرة الترتب وملاك الترتب. الثمرة المذكورة محصورة بخصوص الأهم والمهم والمضيقين، اما ملاك المسألة وهو عدم تصور حكمين فعليين لضدين في آن واحد فهو يشمل حتى الموسعين، فانه عند امتثال احدهما لا يمكن امتثال الآخر فترتفع فعليته.

 


[1] الاهمية لها اسباب تارة مطلق ومقيّد وتارة هناك نص شرعي، اهمية شرعيّة. وتارة بذاتها هي اهم.
[2] ازالة النجاسة من المسجد ليست اهميتها ذاتية بل تحتاج إلى دليل.
[3] ردا على بعض الاخوة الطلبة الذي أشكل بعدم الثمرة من توسيع بحث الترتب ليشمل الموسّعين؟ كان الجواب: نفس بناء هيكلية عامة للاحكام قد تؤدي إلى فتح آفاق مهمة في استكشاف الحكم الشرعي. اعود واذكر بالمنام الذي رأيته وهو اني رأيت في المنام وكأن شيخا يسأل عن الموقف من بعض الاخبار وبعض القواعد، ثم قال لي لماذا لا تقوم بصناعة لوحة كلوحة مندلييف في الكيمياء في المعادن، هناك معادن لم تكن مكتشفة، ومندلييف كان يقول من خلال لوحته انه لا بد ان يكون هناك معدن له هذه المواصفات ولم يكتشف إلى الآن، وهذا الاستنتاج كان من خلال لوحته التي وضعها. وكأن هذا الشيخ قال في المنام لماذا لا نصنع لوحة للحجج والوظائف واحتمالاتها على هذا الاساس: الكاشف التام والكاشف الناقص، والوظيفة الشرعية والوظيفة العقلية. من خلال هذه اللوحة يمكن معرفة ان بعض الامارات في الاصول قد تكون موجودة وغير ملتفت اليها. وردا على سؤال بعض الاخوة ان المطالب ليست تابعة للدقة العرفية. الحواب: انه العلميات اربعة عشر علمي، وهذا ليس حصرا عقليا يمكن ان يكتشف امارات جديدة. وكمثال: انا سابقا اسست لمدرسة لها ثر كبير في الاستنباط وهي كالتالي: انه حتى في الخبر الضعيف استطيع ان استفيد منه وذلك بان اللفظ إذا كان موجودا في خبر، فهذا يعني ان اللفظ موجود في اللغة العربية، فمجرد وجوده في اللغة العربية يعنى انه كعنوان موجود وله احكامه بكامل لوازمه. ومثال على ذلك: هل للمرأة مني او لا؟ الجواب: بغض النظر عن الروايات وادلتها وصحتها وسندها. في الروايات ان المني نجس يجب الغسل له، وهذا في مني الرجل القدر المتيقن، اما هل للمرأة منيّ او لا؟ الجواب: انه في الروايات ورد كلمة مني للمرأة، ففي بعض الروايات تقول: " حتى امنت وامذيت "، ومعنى امنت انه خرج منها المني، إذن المرأة لها منيّ. فحتى لو كان يزيد بن معاوية هو راوي الحديث، فبالنتيجة يزيد انسان يتكلم باللغة العربية، النتيجة الن المني للمرأة موجود في اللغة العربية، لكن ما هو المني؟ اصبحت شبهة مفهوميّة. بحسب منهجيتنا اولا نطرق باب الشارع، أسأله: ايها الشارع هل هناك مفهوم للمني؟ الجواب: لا. ثم نطرق باب العرف، ثم باب اللغة، فمع عدم وجود شيء نصل إلى القدر المتيقن. وهناك قدر متيقن في مني المرأة وهو بعد ان ثبتنا انه لا بد من وجود المني للمرأة، نقول ان القدر المتيقن هو ما كان يشبه مني الرجل في الفتور والدفق واللزاجة والغلظة وغير ذلك. فاذا كان هذا النمط من السائل مع الاثارة والفتور يكون هو مني المرأة. وسألت اهل الخبرة فقالوا هو موجود عند بعض النساء لكنه نادر. لذلك ليس كل ما تفرزه المرأة هو مني حتى مع الاثارة. بعد اخذ القدر المتيقن واما كان هذا هو الثابت حينئذ تنطبق عليه الاحكام من وجوب الغسل وغيرها من الاحكام، لأن الاحكام تابعة لعناوينها. وأما غيره من الافرازات فليس لها أحكام المني لعدم ثبوت العنوان. بالنتيجة: كيفية الاستفادة هذه مدرسة وامارة جديدة لم تكن مكتشفة سابقا الله عز وجل فطنني لها ولك الحمد يا رب، وانا اعتقد ان لها ثمارا كثيرة جدا. وذكرت لكم ايضا كمثال ثان اننا كنا في مجلس لبعض الفضلاء وسئل عن ملكية الجهة هل تملك او لا تملك؟ كان جوابه ان السيد الخوئي (ره) يقول ان الجهة فيها قابلية الملك لكن لا دليل على التملك. فكان جوابي انه في هذا الكلام خلل، نحن نحتاج بعد انه هناك قابلية للتملك إلى دليل على اسقاط الملكية لا على دليل إثبات الملكية. والدليل على ذلك ان كلمة ملك موجودة في اللغة العربية. ومعنى وجودها ان الشارع استفاد منها واعترف بها كما اعترف بكلمة ضرب وعمل، والحمد لله رب العالمين، هذه الالفاظ كلام يفهم منه معان. فلا حاجة إلى دليل لاعتبار الشارع على اعتبار الكلمات بمعناها، فهو كلام مع الناس. فعندما استعمل لفظة ملك يعني اعترف بها واستعملها استعمالا كاملا بكامل شراشيرها، فكلما صدق عليه ملك عرفا ولغة هو ملك شرعا. فإذا كان كذلك تكون النتيجة: ان كل ملك عرفي هو ملك شرعي. في العالم بأكمله الجهة تملك، الدولة تملك والبلدية تملك والجمعية تملك، ولذلك من يسرق من البلدية يقال انه سارق من البلدية، البلدية شخص وهمي لكنه يملك، له قابلية الملك. وهذا يعني ان ما هو ملك عرفا ملك شرعا. ولذلك لاحظوا ان الشارع تدخل في اسباب الملكية، وفي اسباب اسقاط الملكية، مثلا قال ان القمار لا يملك، وقال ان اجر الزانية سحت لا يملك، وثمن الخنزير لا يملك. الشارع تدخل في المالك والمملوك والاسباب، اسباب الاسقاط. لم يذكر الشارع ابدا أسباب التمليل ولم يعددها لم يقل ان البيع يملك والاجارة تملك، والضمان يملك إلى آخره هذه الملكيات طبيعية فإسقاط الملك هو الذي يحتاج إلى دليل. هنا يكمن الخلل في قول السيد الخوئي (ره) مع احترامي الكبير له وغيره ممن بحث هذا المطلب، صاروا يبحثون عن دليل على ملكية الدولة او ملكية الجهة، لكن العكس هو الصحيح يجب ان نبحث عن دليل الاسقاط لان الملك هو الاساس وهو القاعدة. واثبتنا ان صحة الملك هو الاساس من هذه المدرسة، من هذه الامارة اني بمجرد اني وجدت لفظا في رواية هذا يعني ان هذا اللفظ موجود في اللغة العربية. كنت اتوقع ان يستشكل الشيخ الفاضل انه عندما اعتبرت ان الملك موجود في الروايات والنصوص وفي القرآن، يكون السؤال: كلما كان ملكا عرفا صار ملكا شرعا. هذه محصورة، هذه الكلية من اين اتيت بها؟. فلتكن مهملة، والمهملة نسلم بها. السؤال: كيف انتقلنا من المهملة إلى المحصورة. هذا الاشكال مردود، لان مجرد الاستعمال اعتراف، ولذلك في القرآن كثيرا ما يقال " في لحن الخطاب " " في لحن الكلام " اللفظة تحمل في طياته معنى معنيّن، هذا ماذا يعني؟الجواب: انه عندما استعملها اعترف بها. وحيث اعترف بها اقرها بكل شراشيرها ولوازمها. ونحن نبني على ان الجهة تملك، نعم ليس لها كل احكام الملكية، مثلا الجهة لا تخمس لان الخمس يحتاج إلى ملك شخصي وليس ملكا عاما. فالنتيجة: ان كل احكام الملكية تثبت للجهات إلا ما خرج بدليل. في النتيجة نقول انه احيانا اتجاه الاستدلال مهم جدا، هل اتجه إلى اثبات الملكية للجهة كما هو غالب الفقهاء، وابحث عن الدليل على اثبات الملكية؟ فنصبح في عالم بحث. ومرّة اخرى اتجه إلى البحث عن الدليل على اسقاط الملكية. اتجاهان متعاكسان وهما يرسمان نتيجة البحث. هذه المدرسة ليست موجودة فإذا صنعنا هذه اللوحة نجد ان هناك اشياء جديدة سنجدها.