الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
38/03/06
بسم الله الرحمن الرحيم
العنوان: مسألة النهي عن الضد.
• الترتب.
الترتب: وهو كيف نصور حكمين مولويين فعليين متعلقين بضدين في آن واحد. بعبارة اخرى: هل يمكن ان يوجد حكمان مولويان متعلقان بضدين في آن واحد.
قلنا في ثمرة مسألة الضد التي ذكرت وهي فساد الضد العبادي أو صحته، حيث قال بعضهم بصحته على كل حال لفساد الملاك كالشيخ النائيني (ره)، وذهب آخرون إلى الفساد على كل حال لعدم وجود الأمر بالضد فيفسد، كالشيخ البهائي (ره).،وذلك: ان الشيخ البهائي - وهو من اساطين هذا العلم بل وكل العلوم [1] – ذهب إلى أن العبادية تتقوم بداعي الأمر، أي من دون أمر لا تصح العبادة، وذهب إلى أن الأحكام الخمسة متضادة فلا تجتمع، ومع التزاحم يقدّم الأهم عقلا. فإذا تمّت هذه المقدّمات، ارتفع الأمر بالضد العبادي إذا كان الأقل أهمية، فيبطل لو كان عبادة لعدم الأمر به [2] .
هذا الكلام من الشيخ البهائي (ره) وهو كيف يطلب امران في ضدين في امر واحد، وهو محال. دفع بعض علماء هذا الفن للبحث عن وسيلة لدفعه، وبالتالي بقاء الأمر في الضد العبادي، وذلك في ما صوّره الاصوليون بمسألة " الترتب " وهي: كيف نصور حكمين مولويين متعلقين بضدين متنافرين لا يمكن اجتماعهما معا في آن واحد. وإلا فليس لهذه المسألة عين ولا أثر في كلمات القدماء، وهي نظرية متأخرة. وكان الغالب في كلماتهم المنع، ولكن غلب على المتأخرين الجواز، أي ان هناك امر بالضد، وبقاء الأمرين معا.
تعريف الترتب: هو تصحيح اجتماع حكمين فعليين مولويين لضدين في آن واحد، بحيث لا يمكن اجتماعهما في مقام الامتثال.
ومحل النزاع يشترط فيه أمور:
الاول: وجود الملاك في كل واحد من الضدين، كإنقاذ الغريق والصلاة كل منهما فيه الملاك والمصلحة لولا الامر بالاهم لأمر بالمهم فعليا.
الثاني: إنشاء كل من الحكمين. فمع عدم وجود الانشاء ليس هناك تعارض.
الثالث: فعلية كل من الحكمين، أي أن يدعى إليه ويدفع المولى عبده لامتثاله.
الرابع: إطلاق كل من الخطابين أو الدليلين بحيث يستكشف من ذلك شمول كل من الحكمين لأزمنة فعليته المهم [3] .
فلو كان أحدهما مشروطا بعصيان الآخر او بعدم الاتيان به مطلقا، لما وقع المحذور، إذ لا مانع أبدا من صدور أمر مشروط بعدم الاتيان بالآخر. وهذا ما حاول بعضهم حمل الأوامر العرفية عليه، ولا قبح ولا محالية في ذلك.
الخامس: قدرة المكلف على كل من الحكمين، بحيث لا مانع عقليا أو شرعيا أو تكوينيا من امتثاله.
السادس: اشتهر على السنتهم كون الضدين من باب الأهم والمهم، لكن ملاك الخلاف وهو عدم إمكان اجتماع امرين مولويين فعليين يشمل كل ما كان كذلك ولو لم يكونا من هذا الباب. أي ان ما يقال من ان محل النزاع هو خصوص الأهم والمهم – المضيّق – كلاهما مضيق، فلو كان احدهما مضيق والاخر موسعا أو كانا موسعين لا يشملهما محل النزاع لارتفاع المزاحمة والمضايقة فلا مانع من تحقق الأمرين معا – في غير محلّه.
ونحن ممن انكر اشتراط التزاحم فعند الاتيان بأحد الضدين لا أكون قادرا على الاتيان بالضد الآخر، فترتفع فعليته لعدم القدرة على امتثاله.
فمسألة الترتب تشمل الحكمين المتعلقين بالضدين سواء كانا متزاحمين، والاهم والمهم، والموسع والمضيق، والموسعين. انا ارى ان الامر في عالم الفعلية مرتفع لكن في عالم الانشاء يبقى، محال ان يكون هناك امر فعلي بالمهم كما قال صاحب الكفاية (ره) كما سنبين ذلك عند بيان رأيه الشريف فانتظر. بتعبير آخر: في حال كنت امتثل احد الضدين لا توجد عندي قدرة على امتثال الآخر، فالآخر ارتفعت فعلية الحكم به.