الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
38/03/05
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة النهي عن الضد.
• الثمرة الثالثة.
قلنا ان من الثمرة الثالثة في مسألة الضد وهي: وجود تطبيق للمسألة الخلافية الرئيسية الأساسية بين المدرسة الاخبارية والمدرسة الاصولية، هل ان ما حكم به العقل يحكم به الشرع؟ بعبارة اخرى: هل العقل كاشف عن الحكم الشرعي او لا؟
وقلنا انه لا فرق بين الاخباريين والاصوليين سوا انهما رأيان، وقلنا انهما ليستا مدرستين بل هما رأيان. رأي يقول بان العقل يكشف عن الحكم الشرعي، ورأي يقول ان العقل لا يكشف عن الحكم الشرعي، كما تماما من يقول ان الاجماع يكشف عن الحكم الشرعي، وبعضهم يقول ان الاجماع لا يكشف عن الحكم الشرعي. وطبعا الاجماع له ثمرة كبيرة جدا، فإذا قلنا بحجية الاجماع تم نصف الفقه، وإذا قلنا بعدم حجيّته نصف الفقه تغيّر.
لكن لفت نظري قول بعض الفضلاء بان الكبرى مسلّمة وحصر الخلاف في الصغريات، أي ما حكم به العقل يحكم به الشرع حتى عند الاخباريين. لكن أذكر هنا كلاما لبيان وجود الخلاف في الكبرى، فقد صرّح محمد الامين الاسترآبادي بذلك وهو من كبار واساطين المدرسة الاخبارية، كما نقله الشيخ الاعظم الانصاري (ره) في رسائله.
ونحن ذكرنا هذه الثمرة الثالثة في الفرق بين الاخباريين والاصوليين لان بعضهم قال انه طالما ان الكبرى غي مختلف عليها أي ان ما حكم به العقل حكم به الشرع، ولا تطبيقات للكبرى، فإين الفرق بين الاصوليين والأخباريين؟!.
بعبارة اخرى: إذا لم نقل باقتضاء الامر بذي المقدمة وجوبها ولا باقتضاء الأمر النهي عن ضده، وغير ذلك، فأين الفرق في التطبيقات؟!
اجبنا على ذلك: بان هذا الكلام غير سليم، اولا الكبرى فيها اختلاف، وسأذكر هنا كلام للامين الاستآبادي (ره)
ذكر بعض الأخوة الفضلاء الخلاف في الكبرى وحصر الخلاف في الصغريات، لكنه غير سليم، فقد صرّح الامين الاسترابادي بذلك، كما نقله الشيخ الاعظم الانصاري (ره) في رسائله معلّلا عدم الحجية بوقوع الخطأ كثيرا في الاحكام العقلية، وباختلاف الفلاسفة. فإذن العقل ليس قابلا لاستكشاف الحكم الشرعي الواقعي.
نحن نلخص الجواب: نقول لولا القطع وحكم العقل لما عرفنا القرآن ولا أهل البيت (ع).
ولا بأس بذكر ما نقله الشيخ الانصاري عن المحقق الاسترآبادي ص 9 من الطبعة الحجرية [1] :
الدليل التاسع مبني على مقدمة دقيقة شريفة تفطنت لها بتوفيق الله تعالى، وهي: أن العلوم النظرية قسمان: قسم ينتهي إلى مادة هي قريبة من الإحساس ، ومن هذا القسم علم الهندسة والحساب وأكثر أبواب المنطق ، وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء والخطأ في نتائج الأفكار [2] ، .......
فإن قلت: لا فرق في ذلك بين العقليات والشرعيات، والشاهد على ذلك ما نشاهد من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في أصول الدين وفي الفروع الفقهية.
قلت: إنما نشأ ذلك من ضم مقدمة عقلية باطلة بالمقدمة النقلية الظنية أو القطعية.
ومن الموضحات لما ذكرناه - من أنه ليس في المنطق قانون يعصم عن الخطأ في مادة الفكر -: أن المشائيين ادعوا البداهة في أن تفريق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه وإحداث لشخصين آخرين، وعلى هذه المقدمة بنوا إثبات الهيولى. والإشراقيون ادعوا البداهة في أنه ليس إعداما للشخص الأول وإنما انعدمت صفة من صفاته، وهو الاتصال.
ثم قال: إذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة، فنقول: إن تمسكنا بكلامهم (عليهم السلام) فقد عصمنا من الخطأ، وإن تمسكنا بغيرهم لم نعصم عنه، انتهى كلامه.
والمستفاد من كلامه: عدم حجية إدراكات العقل في غير المحسوسات وما تكون مبادئه قريبة من الإحساس.
وقد استحسن ما ذكره - إذا لم يتوافق عليه العقول - غير واحد ممن تأخر عنه، منهم السيد المحدث الجزائري (قدس سره) [3] في أوائل شرح التهذيب على ما حكي عنه. قال بعد ذكر كلام المحدث المتقدم بطوله:
وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه. فإن قلت: قد عزلت العقل عن الحكم في الأصول والفروع، فهل يبقى له حكم في مسألة من المسائل؟
قلت: أما البديهيات فهي له وحده، وهو الحاكم فيها. وأما النظريات: فإن وافقه النقل وحكم بحكمه قدِّم حكمه على النقل وحده، وأما لو تعارض هو والنقلي فلا شك عندنا في ترجيح النقل وعدم الالتفات إلى ما حكم به العقل.
قال : وهذا أصل يبتنى عليه مسائل كثيرة ، ثم ذكر جملة من المسائل المتفرعة. [4]
هذا كلام المحقق الاسترآبادي وهذا مما يعني انه في الكبرى هناك مشكلة: فإذا تعارض النقل والعقل فالنقل هو المقدم.
نعم نحن نأخذ على من أنكر حجية العقل من جهة فكرية عقائدية، فإن عظمة الاسلام وتألّقه هي بإعطاء العقل – هذا المخلوق العجيب الرهيب – حريته وابداعه وبهذا يختلف الاسلام عن بقيّة الاديان، ألا ترى أن فلاسفة المسيحية من اغوسطينوس الى توما الاكويني يقولون: ﴿ آمن ثم تعقّل ﴾، حتى انتشر بين الناس قولهم: من فكر فقد كفر؟! فإذا آمنت فماذا اتعقل بعد ذلك؟! وفي المقابل لاحظ القرآن الكريم كم يركز على التفكر والتعقل ﴿ أفلا يتفكرون ﴾[5] ﴿ أفلا يتعقلون ﴾ ﴿ أفلا يتدبرون ﴾[6] .
ونعود للثمرة ونقول: بالنسبة للتطبيقات فإنها قد تكون معدومة نظريا على بعض الاقوال، ولكن هذا لا يعني انتفاء الخلاف بين الرأيين، فإن كثيرا من الفقهاء يقول بالاقتضاء، ومن غير الانصاف اعتبارهم خارج المدرسة الاصولية في الاستنباط.
والانصاف أنه في مقام التطبيق أي من الناحية العمليّة واثناء العملية الاستنباطية لا نجد فرقا، ففي باب التزاحم يقدّم الأهم وهو حكم عقلي ولا يختلف عليه أحد. نلاحظ انه في كتب الاخباريين ككتاب الحدائق للشيخ يوسف البحراني الذي هو من رؤوس الاخباريين ونأخذ من افكره واستنباطاته، استدلاله يكاد لا يختلف عن كتاب الجواهر، أي عمليا لا تجد فرقا بين الرأيين.
بقي مسالة الترتب إلى الغد ان شاء الله.