الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/02/14

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: مسألة النهي عن الضد.

     نفي الثمرة عند الشيخ البهائي بنفس تعلق الامر بالضد، وفساده على كل حال.

     جواب الشيخ الآخوند على الشيخ البهائي بكفاية بقاء الملاك والمحبوبية في الضد لتصحيح العبادة.

     نفي الثمرة عن الشيخ النائيني بتصحيح الضد على كل حال.

     النهي الغيري لا يفسد العبادة، والذي يفسدها هو النهي النفسي.

قلنا ان الثمرة هي انه إذا كان الضد عبادة وهو منهي عنه فيكون فاسدا.

بعضهم كالشيخ البهائي (ره) قال بان هذه الثمرة غير موجودة لان الضد باطل على كل حال، والبعض الآخر كالشيخ النائيني (ره) قال ان الضد صحيح عل كل حال، ذكرنا ذلك تفصيلا في الدرس السابق وذكرنا معنى العبادة وان التقرب، وداعي الأمر، أو الخوف من النار كلها غايات للعبادة وليست عبادة والغاية لا تتحد مع المغيّا، إذن هناك شيئان: غاية ومغيا، أي عبادة وطمع في الجنة. نعم هناك شيء مهم جدا وهو محل ابتلاء حاليا وهو انه لا يكون عبادة الا بدليل على انه عبادة، لان العبادة إما ذاتية مثل السجود. من اين اعرف ان هذا عبادة مثل الحج والطواف؟ غالبا يأتي من الأمر به وانتزع كونه عبادة. العبدة لا تخترع اختراعا مثلا اجعل طوافا حول منزل من المنازل واقول هذا قربة لصاحب البيت فتكون عبادة، والواقع انها بدعة. وايضا من قبيل ان اقول أفعل هذا حبا بالحسين (ع) مثل أن اصبغ وجهي بالسواد واقول ان الحسين (ع) يستحق منا كل شيء. فيجب أن اعرف اولا ان هذا شعيرة مطلوبة ومقربة اليه، فلا يمكن ان اخترع شيئا من عندي واعتبره شعيرة. ولماذا في الصلاة رفضنا التكفير مع ان فيه نوعا من التذلل؟! نقول انها بدعة لانني انا ادعي انها عبادة. نعم الذي ذكره احد الطلبة الفضلاء من ان العبادة تستكشف من الامر فتصبح الاوامر إرشادية. نقول: لا مانع ان يكون الامر تكليفا وانتزع منه معنى العبادة، لا مانع من المعنى الانتزاعي ان يكون من امر تكليفي كما لو قلنا " صل فان الصلاة ركوع وسجود " او " اركع مع الراكعين " كل هذا عبادة، الركوع عبادة بضميمة اشياء اخرى انتزع منها الجزئية، لا مانع من انتزاع المعنى الارشادي العبادي. غالبا ما يكون الامر التكليفي هو السبب لاستكشاف المعنى العبادي.

الشيخ النائيني (ره) قال: ان الضد العبادي صحيح دائما حتى لو ارتفع الامر به، يبقى امرا محبوبا بذاته فيه ملاك المصلحة، ومنع الامر به بسبب المزاحمة، لاحظان سداد الدين لو زاحمه زيارة الحسين (ع)، فالواجب هو سداد الدينولا امر يتعلق بزيارة الحسين بناء على ما ذهبإليه البهائي (ره)، لكن لا يعني أن زيارة الحسين أصبحت بلا محبوبية ومصلحة، بل تبقى المصلحة والملاك ولو مع ارتفاع الامر بها. فبقصد هذا الملاك وهذه المصلحة في الضد الذي لا امر فيه يمكن تصحيح الضد العبادي.

إذن: الشيخ البهائي (ره) ابطل العبادة على كل حال اما الشيخ النائيني (ره) قال ان الملاك موجود على كل حال فإذن هو صحيح.

وقد يقال ان هذا الضد منهي عنه بالرغم من وجود الملاك والمحبوبية، وسنصل إلى ان النهي عن العبادة يقتضي فسادها، فيصبح ان الضد منهيا عنه فيفسد، فترجع الثمرة.

يجيب الشيخ النائيني (ره) بان هذا نهي غيري وليس نهيا نفسيا، والنهي الغيري كالأمر الغيري ليس فيه لا مصلحة ولا مفسدة ولا عبادة ولا تقرب ولا ثواب ولا عقاب كما ذكرنا. أي ان النهي الغيري كالامر الغيري، الامر بالمقدمة لا يؤدي إلى ثواب ولا عقاب ولا عبادة، ايضا النهي الغيري كذلك.

هذا النهي عن الضد ما هو منشأه هو كونه مقدمة لترك ضده، هذا التزاحم هو الذي صنع النهي، وهذا النهي غيري وليس نهيا نفسيا، والنهي الغيري ليس فيه لا ثواب ولا عقاب ولا مصلحة ولا مفسدة، فلا يقتضي الفساد حينئذ، النهي النفسي هو الذي يقتضي الفساد اما الغيري فلا يقتضي الفساد.

ردّ الشيخ النائيني (ره) للثمرة وبخلاف الشيخ البهائي (ره) الذي قال ان الضد باطل على كل حال. أنكر الشيخ النائيني رد الثمرة حيث صحّح العبادة مطلقا سواء اقلنا بالاقتضاء أم بعدمه كما نقله السيد الخوئي (ره) عن استاذه حيث جعل الوجه في ذلك: إن صحتها على القول بعدم الاقتضاء واضحة، بعدم المقتضي للفساد أصلا بناء على ما هو الصحيح من عدم اشتراط صحة العبادة بقصد الامر، بل المعتبر فيها هو اضافتها إلى المولى بنحو من انحاء الاضافة. سنعلق على هذا الاعتبار بعد قليل.

واما على القول بالاقتضاء فالعبادة كالصلاة مثلا وإن كانت منهيا عنها، إلا أن هذا النهي لما كان نهيا غيريا نشأ عن مقدمية تركها أو ملازمته لفعل المأمور به [1] في الخارج ولم ينشأ عن مفسدة في متعلقه، فلا يكون موجبا للفساد، ومن هنا قالوا: إن الامر والنهي المقدميين لا يوجبان بعدا ولا قربا.

وسرّ ذلك ما سبق من أن النهي الغيري المقدّمي لا يكشف عن وجود مفسدة في متعلّقه، وكونه مبغوضا للمولى لئلا يمكن التقرب به، فإن المبعد لا يمكن التقرب به.

وعلى ضوء ذلك فالعبادة باقية على ما كانت عليه من المصلحة والمحبوبية الذاتية الصالحة للتقرب بها، والنهي المتعلّق بها – بما أنه غيري – لا يمنع من التقرب بها.

وفي الجملة: فبناء على ما هو الصحيح من عدم اشتراط صحة العبادة بقصد الأمر وكفاية قصد الملاك، فصحتها عندئذ تدور مدار تحقق الملاك، بلا فرق بين القول بالاقتضاء وعدمه. وبما أنها واجدة للملاك على كلا القولين فهي تقع صحيحة إذن فلا ثمرة. [2]

أقول: هذا الكلام متين إلا انه مبني على معنى العبادة وقد ذُكر هنا امران:


[1] مثلا: المأمور به هو الدين والحج ضد ومانع إذا ذهبت إلى الحج، إذن لا استطيع قضاء الدين إلا بترك الحج، فصار ترك الحج مقدمة لفعل الدين يعني ان النهي مقدمي لا نفسي فتبقى المصلحة والملاك والمحبوبية موجودة في الحج، لكن لا يمكن فعل الدين الذي هو اهم إلا بترك الحج او الزيارة او ترك مجلس الحسين (ع) .
[2] محاضرات في اصول الفقه، تقرير بحث السيد الخوئي للفياض، ج2، ص339.