الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     الضد العام.

     ملخص وتكملة الدلالة المطابقية.

     الدلالة التضمنية.

     الدلالة الالتزامية.

     النتيجة: الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص ولا العام، إلا في حالة استفادة وجود مفسدة في الضد.

كان الكلام في الضد العام، واستدل أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام بالدلالات اللفظية الثلاثة، وقلنا أن ما ينبغي أن يكون محل الكلام هو أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده بمعنى أنه يقتضي حكما آخر، أن يكون هناك جعلان ومجعولان، أمر مجعول ونهي مجعول، هناك اقتضاءان: مصلحة ومفسدة، هناك ثوابان وعقابان. هذا ما ينبغي أن يكون المراد. أما مجرد الأمر بالشيء والنهي عن ضده إن كانا تعبيرين لمعبر عنه واحد، فلا اشكال فيه وهو كثير في اللغة العربية كما قلنا أمس، فلا محصل له، فإذا كان معنى " صلِّ " نفس معنى " لا " تترك الصلاة "، فلا اشكال في ذلك كما ذكرنا. ولكنه ليس محل الكلام والخلاف ولا فائدة منه من الناحية الاصولية.

نعم بغض النظر عن التعبيرات؟ الاصل بناء على الاقتضاء ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده مع وجود الاقتضاء، فلهذا الكلام ثمرة ويستحق ان يكون محل بحث.

فلو فرضنا ان جاءنا امر وانهي ولا نعلم انه تعبير عن شيء واحد تارة بلفظ الامر وتارة بلفظ النهي او تعبير عن شيئين عن حكمين وعن جعلين لا ندري، فماذا نفعل؟ وما هو الأصل؟

من الطبيعي ان نجعلهما تعبرا عن شيء واحد هذا يحتاج إلى دليل، لكن غالبا ما تكون القرائن موجودة، كما لو قلت: " هذا رجل بصير ومرادي انه اعمى"، المراد كونه اعمى يحتاج إلى دليل لان الاصل انه بصير.

الامر بالشيء والنهي عن ضده إذا كان هناك تعبيران يعني حكمان يعني اقتضاءان إلا مع وجود الدليل والقرينة وغالبا ما تكون القرينة موجودة.

هنا لا بأس بنقل كلام السيد الخوئي (ره) في محاضرات الفياض لما فيه من فائدة علميّة وما فيه من الفاظ أصولية: " وإن أريد بالنهي عن الترك النهي الحقيقي الناشئ عن مبغوضية متعلقه وقيام مفسدة ملزمة به فالنهي بهذا المعنى وإن كان أمرا معقولا في نفسه، إلا أنه لا يمكن أن يراد فيما نحن فيه، وذلك لاستحالة أن يكون بغض الترك متحدا مع حب الفعل أو جزئه، وذلك لاستحالة اتحاد الصفتين المتضادتين في الخارج.

وبعبارة واضحة: أنه لا شبهة في أن الأمر الحقيقي يباين النهي الحقيقي تباينا ذاتيا، فلا اشتراك بينهما، لا في ناحية المبدأ، ولا في ناحية الاعتبار، ولا في ناحية المنتهى.

أما من ناحية المبدأ [1] : فلأن الأمر تابع للمصلحة الإلزامية في متعلقه، والنهي تابع للمفسدة الإلزامية فيه.

وأما من ناحية الاعتبار: فلما ذكرناه غير مرة: من أن حقيقة الأمر ليست إلا اعتبار المولى الفعل على ذمة المكلف وإبرازه في الخارج بمبرز [2] ، كصيغة الأمر أو نحوها. وحقيقة النهي ليست إلا اعتبار المولى حرمة الفعل عليه، وجعله محروما عنه، وإبرازه في الخارج بمبرز من صيغة النهي أو ما شاكلها. ومن الواضح أن أحد الاعتبارين أجنبي عن الاعتبار الآخر بالكلية.

وأما من ناحية المنتهى: فلأن الأمر يمتثل بإتيان متعلقه، والنهي يمتثل بترك متعلقه.

وعلى هذا الضوء فكيف يمكن القول بأن الأمر عين النهي؟ فهل هو عينه في ناحية المبدأ، أو في ناحية المنتهى، أو في ناحية الاعتبار؟ كل ذلك غير معقول.

فالنتيجة إذا: هي أن القول بالعينية قول لا محصل له. [3]

القول الثاني: الدلالة التضمنية.

قالوا: إن الوجوب أمر مركب من جنس وفصل وهو: طلب الفعل مع المنع من الترك، والمنع من الترك هو النهي عن الضد العام، وبهذا يكون النهي عن الضد العام جزءا من مفهوم الوجوب.

والجواب: إن الوجوب امر بسيط لا مركب. بيانه:

قد قلنا سابقا أن التعبير عن الوجوب بانه طلب الفعل مع المنع من الترك هو من قبيل شرح الاسم أي للتسهيل عن الافهام، وإلا فالواجب أمر بسيط سواء أقلنا إنه إرادة نفسانية أو حكما عقليا أو مجعولا شرعيا.

وذلك لأن الوجوب على الاول (إرادة نفسانية) من الأمور البسيطة الخارجية التي تحتاج إلى ما تقوم به، أي من الاعراض البسيطة [4] ، تمتما كالفرح والحزن، فهي امور حقيقية متأصلة لها وجود في الخارج، نعم تحتاج في وجودها إلى ما تقوم به.

وعلى الثاني (حكما عقليا): فالوجوب أمر منتزع عقلي بمعنى أن العقل يحكم باللزوم عند اعتبار المولى فعلا ما على ذمة المكلف مع عدم نصبه قرينة على الترخيص في تركه. وواضح أن الانتزاع أمر بسيط غير مركب لا جنس له ولا فصل.

وعلى الثالث (مجعولا شرعيا): فالوجوب من المجعولات الشرعية وهي أمر بسيط والمنع من الترك لازم لا جزء.

القول الثاني الدلالة الالتزامية:

وقد ذهب بعضهم مثل [5] الشيخ النائيني (ره) إلى الدلالة الالتزامية البيّنة بالمعنى الاخص، وهي غير مستبعدة، لكنها لا تفيدنا بشيء [6] ، لان الحرمة المتصورة حينئذ هي حرمة غيرية لا نفسية، بمفسدة غيرية لا نفسية، وهو ما لا فائدة فيه.

كذلك ادعي اللزوم البين بالمعنى الاعم، وفيه ما مرّ.

وبعبارة اخرى: إن دلّ الامر بالشيء على النهي عن ضده العام بسبب المقدمية، فهذا أمر غيري ولا ينفعني في شيء.

وإن دلّ الأمر بالشيء على النهي عن ضده العام على وجود مفسدة نفسية، فهو، لكنه غير تام لما بينا.

والنتيجة: أن الأمر بالشيء لا يدل على النهي عن ضده الخاص ولا ضده العام إلا في حالة واحدة وهي اقتضاؤه وجود مفسدة نفسية في الضد.

غدا انا شاء الله ثمرة المسألة وبعد غد مسألة الترتب.


[1] المقصود من المبدأ هنا المبادء الاحكامية، مرحلة الاقتضاء: المصلحة والمفسدة، بداية مراحل الحكم.
[2] لذلك من قال بان الانشاء هو عبارة عن صيغة ابرازية: " ان الكلام لفي الفؤاد وانما جعل اللسان على ما في الفؤاد دليلا. هذا الشعر كانه اصبح قاعدة يستنبط منه الاحكام وغيرها!! لكن ذهبنا نحن إلى أن الوجوب حالة إيجادية.
[3] محاضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض، ج3، ص46.
[4] قالوا ان المقولات عشر: تسعة عوارض والجوهر. زيد طويل أسود بن مالك * في داره بالأمس كان متكيفي يده غصن ولواه فالتوى * فهذه عشر مقولات سوى. المقولات عشر، كلها امور بسائط ليست مركبة. والارادة عبارة عن امر حقيقي خارجي، كالفرح والحزن صفة واقعية لها اصالة في الخارج.
[5] كالسيد السبزواري (ره) الذي كان من الاعلام، كان مدرسة في الخلق في اخلاقه وفي نفسيته وتواضعه.
[6] هذه الدلالة لم تعد دلالة بل اصبحت تلازم وهو حجة، لان الدلالة بمجرد اطلاق اللفظ ينتقل الذهن إلى المعنى.