الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
38/02/08
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة النهي عن الضد.
• الضد العام.
إلى هنا نكون قد انتهينا من الكلام عن الضد الخاص ووصلنا إلى نتيجة ان الامر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.
اما الضد العام:
قلنا في الضد العام ان هناك اصطلاحين: الضد العام هو الجامع بين الاضداد الخاصة، والضد العام هو ترك الشيء.
والمراد هنا من الضد العام هو ترك الفعل.
وللتأكيد والتذكير وتركيز المطلب، فان المراد من مسألة الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده العام؟
هو أن يكون لدينا حكمان: أمر بالشيء ونهي عن ضده، مجعولان، ولهما اقتضاءان أحدهما مصلحة تنتج أمرا، والاخر مفسدة تنتج نهيا. وبالتالي: حكمان لهما ثوابان وعقابان. وهذا هو محل البحث والكلام.
وقد مرّ معنا في مطاوي الكلام عن الضد الخاص أدلة الدلالة على الضد العام وقد استدل عليه بثلاثة كيفيات، ادت إلى ثلاثة أقوال:
الاول: أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده، فقولنا: "صلِّ " هو عين قولنا: " لا تترك الصلاة ". فالأمر بالصلاة هو عين النهي عن تركها، أي عن ضدها العام.
الثاني: إن الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام بالدلالة التضمنية، بدعوى أن الأمر هو عبارة عن طلب الفعل مع المنع من الترك، والمنع من الترك هو النهي عن الضد العام، فهو مأخوذ فردا من مفهوم الأمر.
الثالث: الدلالة الالتزامية بدعوى اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضده العام باللازم البيّن بالمعنى الأخص [1] بدعوى أنه بمجرد تصور الأمر بالشيء ينتقل الذهن مباشرة إلى النهي عن ضده العام، ولو لم يتم الانتقال فلا أقل من التلازم البيّن بالمعنى الاعم، أي مع تصور الملزوم واللازم والملازمة يحصل الانتقال.
ولنأخذ بالنقد:
أما القول الاول: فان أريد منه أنه مجرد اختلاف في التعبير، فلا محصَل له، وليس هو موضع النزاع، ولا فائدة في الكلام فيه، لكنه يحتاج إلى دليل وظهور في ذلك؛ أي أن يكون الأمر بالشيء والنهي عن ضده تعبيران عن امر واحد. كما قد يدعى في قولهم : " صلِّ " و " لا تترك الصلاة ". وهذا امر موجود في الروايات والنصوص كثيرا. وكثيرا ما يأتي الأمر بلفظ النهي عن تركه، بل حتى الفقهاء يعبرون بذلك، فبدل أن يقولوا: " يجب الاحتياط "، يقولون: " الاحتياط لا يترك ". والعرف في ذلك كثير، واحيانا يراد من النهي عن الشيء طلب تركه كما في تروك الصوم، فـ " لا تأكل ولا تشرب " بمعنى " أترك الأكل والشراب " وكما في تروك الاحرام قوله تعالى: ﴿ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [2] وهو النهي بصيغة النفي معناه اترك الرفث والفسوق والجدال. [3] إلا أن هذا لا ينفعنا في شيء إذ لا شك في وجود حكم واحد لا حكمين، وثواب واحد لا ثوابين، وعقاب واحد لا عقابين، ومجعول واحد لا مجعولين، واقتضاء واحد وهو مصلحة المأمور به لا مجعولين. وهذا لا محصل له ولا كلام فيه.
نعم يحتاج إلى ظهور في ذلك، واستعمال عرفي له، بل هو كثير في لغة العرب وغيرهم، وفي هذا المورد وغيره، ألا ترى أنهم يأتون بالمدح بصيغة الذم كقوله (ع): " أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد بن زهرة " وكما في قول الشاعر الذبياني: " ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قرع الكتائب"، ومع ذلك نقول: إن الاصل في التعبير هو اختلاف الاقتضائين، فالأمر بالشيء يدلّ على وجود مفسدة نفسية في ترك ضده وإن أريد بالنهي عن الترك هو النهي الحقيقي الناشيء عن مفسدة في متعلّقه، أي له اقتضاء آخر.
غدا ان شاء الله نكمل.