الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/02/02

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: مسألة النهي عن الضد.

     الروايات التي استدلوا بها على عدم خلو الواقعة من الحكم الواقعي.

ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن حماد، عن أبي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول: ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة. [1]

من حيث السند: معتبر.

من حيث الدلالة:" الكتاب " في القرآن والمراد منه الاحكام، يقتضي عرفا ثبوت حكم، لان القرآن والسنة شأنهما التشريع. بل يمكن اثبات كون الإباحة حكما بذلك بالمفهوم العرفي. وقالو ان الاباحة على قسمين: الاباحة الاقتضائية، وغير الاقتضائية. هل نستطيع أن نقول أن كل اباحة هي حكم سواء كانت اقتضائية او غير اقتضائية؟ بل هل نستطيع أن نقول كل اباحة فيها مصلحة؟ وهي نفس ان تشعر انت أيها المكلف بالاباحة، وهو امر نفسي مهم يحتاجه بنو البشر فتتكون مصلحة ينشأ عنها حكم، فصارت كل الإباحات اقتضائية.

هل يمكن من هذا النص ان نستخرج امرا آخر مهما، ان حتى الاباحة هي حكم، " كل شيء فيه كتاب وسنة "؟

الظاهر اننا نستطيع من هكذا نص ان نستنبط امرين:

الاول: عدم خلو الواقعة من الحكم الواقعي. الثاني: أن الاباحة حكم.

وهذا ما نستظهره من مجموع الروايات الأخرى.

ح 2 - علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسى في حديث قال: قلت: أصلحك الله، أتى رسول الله الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال: نعم، وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة، فقلت: فضاع من ذلك شيء؟ فقال: لا، هو عند أهله. [2]

من حيث السند: الرواية موثقة، بسماعة بن مهران.

من حيث الدلالة: كلمة " يحتاجون اليه "، هل يمكن ان يقال ان هناك امور لا نحتاج إلى احكامه ولا نحتاج للسؤال عنها؟ كل شيء يمكن ان يسأل عنه، ويمكن الاستدلال بها على انه لا تخلو الواقعة من حكم باعتبار انه يمكن ان تحتاج للسؤال عن أي شيء.

وكلمة " فقال لا، هو عند اهله "، يعني هو قد انشأ واقعا، يعني ان عالم الانشاء شيء وعالم الفعلية شيء آخر. في عالم الفعلية والتنجيز قد لا يكون هناك حكم اما في اللوح المحفوظ فموجود. وكلمة " لا، هو عند اهله "، تدل على وجود الحكم في عالم الواقع والانشاء وعدم وجوده في عالم الفعلية والتكليف. هذه ستنفعنا في المختار في مسألة الضد، وسنصل إلى نتيجة أن الأمر بالشيء لا يدل على الأمر بالنهي عن ضده في عالم الانشاء أما في عالم الفعلية فيدل. بعبارة اخرى الامر بالشيء يمنع فعلية الحكم بالضد. المشكلة في التحقق الخارجي بالفعلية لا بإنشائه. النتيجة أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده، بل يقتضي النهي عن فعلية ضده.

ح 3 - وبالإسناد عن يونس، عن أبان، عن سليمان بن هارون قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: ما خلق الله حراما ولا حلالا، إلا وله حد كحد الدار، فما كان من الطريق فهو من الطريق، وما كان من الدار، فهو من الدار حتى أرش الخدش فما سواه والجلدة ونصف الجلدة. [3]

من حيث السند: فيه سليمان بن هارون.

من حيث الدلالة: ظاهر الرواية انها في مقام بيان وضوح الاحكام وان الالتباس غير موجود، لا في مقام تعميم الاحكام في كل واقعة. ولذلك الرواية لا نستدل بها.

ح 4 – وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عمن حدثه، عن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (ع): ما من أمر يختلف فيه اثنان، إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال. [4]

من حيث السند: الرواية ضعيفة بـ " عمن حدثه ". وعن المعلى بن خنيس بعضهم ضعفه كما عن النجاشي. وفيه ذم كثير وقد يحمل على الذم الذي ورد في زرارة بن اعين حتى يحمى، وكان سجن وضحى كثيرا من أجل أهل البيت (ع) ولم يحد عن ذلك أبدا.

من حيث الدلالة: " ما من أمر يختلف فيه " يعنى ان هناك احكام في غير المبتلى فيها

ح 5 – عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): أيها الناس إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول وأنزل إليه الكتاب بالحق إلى أن قال: فاستنطقوه ولن ينطق لكم ولكن أخبركم عنه وأن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون فلو سألتموني عنه لعلمتكم. [5]

من حيث السند: " عن بعض اصحابه " الرواية ضعيفة، وبناء على ان كلمة "صاحب " أي ضمن المرسلات ولا تؤدي إلى كون الحديث من الحسن كما بيّنا سابقا.

من حيث الدلالة: ظاهر الرواية في مقام ذكر كل شيء.

ح 6 – محمد بن يحيى الاشعري، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن الحر قال: سمعت أبا عبد الله يقول: إن الله ختم بنبيكم النبيين فلا نبي بعده أبدا وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبدا وأنزل فيه تبيان كل شيء وخلقكم وخلق السماوات والأرض ونبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما بعدكم وأمر الجنة والنار وما أنتم إليه صائرون. [6]

من حيث السند: معتبر صحيحة.

من حيث الدلالة: في مقام بيان ان الكتاب يحمل كل شيء، كناية عن كل شيء.

ح 7 - وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (ع) في حديث، أنه سئل عن الجامعة؟ فقال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا في عرض الأديم مثل فخذ الفالج، فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش. [7]

من حيث السند: الرواية معتبرة.

من حيث الدلالة: الرواية تدل على الحكم الواقعي لكل واقعة " وليس من قضية "..

ح 8 - وعن علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (ع) في حديث طويل، قال: إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسئل عن شيء فيقول لا أدري.[8]

من حيث السند: في السند الحسن بن ابراهيم؟

من حيث الدلالة: كلمة " يسئل عن شيء "، أي ان لكل واقعة حكم عنده في عالم الانشاء لا في عالم الفعلية. الدلالة واضحة في وجود الحكم الواقعي لكل واقعة.

ننتهي إلى خلاصة: من الجو العام للروايات والاحاديث نستطيع اثبات ان لكل واقعة حكم في عالم الواقع عند اهله، عند امير المؤمنين (ع) وفي " الجامعة "، وعنه النبي (ص) وأهل بيته (ع) اما في عالم الفعلية والتنجيز فلا، كذلك في عالم الحكم الظاهري. نستطيع ان نقول ان الاحكام موجودة كلها في عالم الواقع على نحو عالم الانشاء، وهذا سينفعنا في مسألة التلازم بين الحكمين، حين قالوا انه لا بد في المتلازمين ان يكونا محكومين بحكم واحد.

سنقول أن المشكلة في المتلازمين هي في عالم التحقق والفعلية، عالم الدفع والبعث، عالم التنجيز. اما في عالم الانشاء فلا توجد مشكلة. وقالوا ان المشكلة الكبرى ان المتلازمين إذا كان لا يلزمهما حكم واحد يعني ان اللازم الاخر اصبح بلا حكم. نقول: لا. الخلو للواقع عن الحكم في عالم الانشاء والواقع ممنوع، لكنه في عالم الظاهر والدفع والتنجيز ممكن.

النتيجة ضمن خطوط:

- الواقعة يمكن ان تخلو من الحكم الظاهري.

- الواقعة لا تخلو من الحكم الواقعي.

- الواقعة لا تخلو من الحكم الواقعي في عالم الانشاء دون الفعلية والتنجيز.

- ان الاباحة حكم، وهذا ما نفهمه من عموم فيه كتاب – القرآن – والسنّة.


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص59، باب، الرد إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شيء من الحلال والحرام، ح4.
[2] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص57، باب البدع والرأي والقياس، ح13.
[3] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص59، باب الرد إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شيء من الحلال والحرام، ح3.
[4] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص60، باب الرد إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شيء من الحلال والحرام، ح6.
[5] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص61، باب الرد إلى الكتاب والسنة وأنه ليس شيء من الحلال والحرام، ح7.
[6] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص269، باب في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى وكراهية القول فيهم بالنبوة، ح3.
[7] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص241، باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام، ح5.
[8] الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص227، باب ان الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل وانهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها، ح1.