الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: مسألة النهي عن الضد.

     اتحاد المتلازمين او اختلافهما في الحكم.

قلنا ان أم المعارك في بحث مسلك التلازم هي في المقدمة الثانية وهي ما اشتهر من ان المتلازمين لا بد ان يكونا متحدين في الحكم، هل يجوز الاختلاف في المتلازمين؟ وثمرات هذه المسألة كثيرة حتى في غير هذا المورد. مثلا: لو فرضنا ان زيدا وعمروا ولدا متلاصقين، فإذا قلت لك احضر زيدا فلا بد من حضور عمرو معه، فهل إذا قلت احضر زيدا يعني احضر عمروا؟ او ان عمروا لا دخل له؟ هل يعني ان هناك تبعيّة في الحكم؟ هل يمكن ان يكون احضر زيدا ولا تحضر عمروا؟ او احضر زيدا ويستحب احضار عمرو.

هل المسألة تشمل المتلازمين سواء كانا وجوديين أم عدميين، فيشمل المقدمة وذي المقدمة التوليديين، والغاية والمغيا، وما كانا معلولين لعلّة واحدة، أو أحدهما علّة للآخر. كلامنا في المتلازمين في التحقق والوجود مطلقا، هل يمكن ان يكونا مختلفين أو لا؟ [1]

المشكلة نشأت من ما قلنا سابقا إن مسلك التلازم قائم على مبدأ لزوم خروج الواجب عن كونه واجبا عند عدم التلازم، ولذا لا بد من اتفاق المتلازمين في الحكم، وإلا خرج الواجب عن كونه واجبا لو كان متلازما مع غير واجب، فان الآخر إذا جاز تركه جاز ترك لازمه واللازم واجب، وهكذا الكلام في خروج المحرم عن كونه محرما لو كان لازمه محكوما بحكم غير الحرمة، وكذا المستحب لو كان لازمه محكوما بغير الاستحباب وهكذا.

ولذا قالوا: إما أن يكون المتلازمان محكومين بحكمين متماثلين، أو غير محكومين بحكم أصلا، أو أن يكون أحدهما محكوما دون الآخر.

وفيه: أن هذا يلزمه خلو الواقعة عن الحكم، وهو أمر غير مقبول.

ولا بأس بيان مختصر لمسألة خلو الواقعة عن الحكم.

والسؤال : هل يلزم في كل وقائع الدنيا أن تكون محكومة بحكم؟

اشتهر ذلك بل كاد يكون اجماعا بل كاد يكون تسالما كما ادّعى، بل كاد يكون ضرورة بل بديهيا.

نقول: تارة نتكلم في مقام الحكم الظاهري، وتارة في مقام الحكم الواقعي.

أما في مقام الحكم الظاهري فلا دليل على لزوم ثبوت حكم لكل واقعة، لأمور:

الاول: لا مانع من ذلك عقلا، ولا يلزمه خلل في النظام العام ولا غير ذلك، ولا تسالم ولا اجماع على ذلك. [2]

الثاني: إن الاحكام الظاهرية موضوعها الشك والجهل، والظاهر أنه لا بد فيه من التفات، ومع عدمه أي مع الغفلة التامة فلا مورد للأصول، إذ مورد الأصول العملية هو الشك والحيرة التي تقتضي أن يكون المكلف ملتفتا، والالتفات والغفلة لا يجتمعان، فلا يوجد حكم ظاهري ولا معنى لجعله لعدم الفائدة في ذلك.

فهذه حالة وواقعة خلت عن الحكم الظاهري.

الثالث: لو قطع المكلف بخلاف الواقع فإن ذلك لا يثبت حكما ظاهريا لديه، لأن القطع الطريقي لا يثبت حكما، لان القطع ليس أمرا مجعولا ولا يؤدّي إلى جعل حكم، فهذه حالة أخرى خلا الواقع فيها عن الحكم الظاهري.

الرابع ان شاء الله غدا نكمل .

 

والحمد لله رب العالمين.

 


[1] لذلك في مسألة المقدمة هل يمكن ان تكون المقدمة محرمة وذو المقدمة واجبا كما عليه مكيافلي الذي قال بان الغاية تبرر الوسيلة. " الغاية واجبة والوسيلة حرام " ومكيافلي هذا مؤسس علم السياسة في اوروبا وصاحب كتاب " الامير ".
[2] التسالم والاجماع والاتفاق في القواعد الاصولية لا قيمة له، نعم في البديهيات والضرورات فهو دليل لو تمّ كونه بديهيا أو ضروريا.