الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

38/01/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة النهي عن الضد.

     مسلك المقدمية.

نعود لبيان كلام صاحب الكفاية (ره): إن توهم توقف الشيء على ترك ضده ليس إلا من جهة المضادة والمعاندة بين الوجودين، وقضيتها الممانعة بينهما، ومن الواضحات أن عدم المانع من المقدمات وهو توهم فاسد .... " انتهى [1]

ملخص كلامه (ره): اننا سنناقش معنى كلمة " المانع "، هناك مانعان: مانع من التأثير، ومانع من التحقق.

وما هو جزء العلّة هو خصوص المانع من التأثير، أما المانع من التحقق فليس جزء علّة فلا يكون مقدّمة.

بيانه: إن الاستدلال مؤلف من قياس من الشكل الاول وقضية شرطية.

أما القياس فمؤلف من صغرى وكبرى.

الصغرى: عدم المانع مقدّمة. الكبرى: مقدمة الواجب واجبة.

النتيجة: عدم المانع واجب، أي ترك الضد واجب.

اما الشرطية فهي: إذا كان ترك الضد واجب فترك الترك حرام.

والنتيجة: فعل الضد الخاص حرام. وهو المطلوب.

أما صغرى القياس فقد أنكرها جماعة من المحققين منهم صاحب الكفاية (ره) والمحقق النائيني (ره).

وقبل بيان دليلهم نُذكِّر بأجزاء العلّة التامة.

فقد ذكر أهل المعقول أن المعلول لا يتحقق بدون تمام أجزاء علّته، واجزاء العلّة أربعة: المقتضي والشرط والمعدّ وعدم المانع، أو انها ثلاثة كما ذكر صاحب الكفاية والسيد الخوئي حيث جمعا المعد والشرط معا، ولا مشاحة في ذلك حيث لم يكن التقسيم شرعيا ولم يكن في نص شرعي، بل هو مسألة عقلية محضة. نعم، لما اختلف القابل وهو المعدّ عن الشرط وهو المصحح مفهوما، أي الاختلاف في الجوهر والمفهوم مع إمكان اختلاف في الاحكام لو كان الكلام في التشريع والقانون، لهذا كله جعلنا الاقسام أربعة. ومثاله المعروف السهل للأفهام: الإحراق الذي هو معلول لعلّة لها أربعة أجزاء: المقتضي (النار ) والمعدّ (الخشب) والشرط ( تماس النار مع الخشب) وعدم المانع ( عدم الرطوبة).

والفرق بين هذه الاجزاء: ان المقتضي (النار) هو المؤثر في الاحراق، والشرط هو المصحح للمؤثر أو المفعّل للمؤثر، لكن الاحراق يستند للمقتضي (النار)، وهذا المؤثر يحتاج إلى قابل (محل للأثر) الذي هو المعد (الخشب). المعد هو المحل القابل للأثر، والشرط هو مصحح المؤثر، والاستناد في الاثر هو للمقتضي ولذلك هو الجزء الاهم.

نقول ان هناك احراق لوجود النار، ولا نقول ان هناك احراق لوجود الخشب. اما المانع كالماء الموجود في الخشب (الرطوبة) فهو ما يمنع من تأثير المقتضي.

وقد تصدّى صاحب الكفاية (ره) لبيان عدم المقدميّة بما ملخصه: إن عدم الضد في رتبة المأمور به ( كالصلاة وازالة النجاسة)، فلا يكون مقدّمة، إذ المقدمة تكون مقدمة رتبة على ذي المقدمة.

يقول الآخوند في الكفاية في نفس الصفحة: " ومن الواضحات أن عدم المانع من المقدمات، وهذا توهم فاسد، وذلك لأن المعاندة والمنافرة بين الشيئين لا تقتضي إلا عدم اجتماعهما في التحقق، وحيث لا منافاة أصلا بين أحد العينين وما هو نقيض الآخر وبديله، بل بينهما كمال الملائمة كان أحد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله في مرتبة واحدة من دون أن يكون في البين ما يقتضي تقدّم أحدهما على الأخر كما لا يخفى، فكما أن قضية المنافاة بين المتناقضين لا تقتضي تقدّم أحدهما في ثبوت الآخر كذلك في المتضادين. كيف ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء على عدم ضده توقف الشيء على عدم مانعه لاقتضى توقف عدم الضد على وجود وتوقف عدم الشيء على مانعه، بداهة ثبوت المانعية في الطرفين وكون المطاردة من الجانبين وهو دور واضح " انتهي [2]

غدا ان شاء الله نكمل بيان ما اراده صاحب الكفاية.


[1] كفاية الاصول، الاخوند الخراساني، ص129.
[2] كفاية الاصول، الاخوند الخراساني، ص129.