الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/12/24

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: الاصلي والتبعي:

     القول في الأصلي والتبعي.

     هذا التقسيم هل هو للواجب أو للوجوب؟

     إمكان وجود الاثر.

إذن قلنا: ان المراد من الاصلي ليس المعنى اللغوي – الذي هو بمعنى الاساس والجذر – بل هو منقول أصولي بالوضع التعييني من قبل بعض الاصوليين المتأخرين، فهو اختراع منهم. ثم إن هذا الموضوع له وهذا التقسيم هل كان بلحاظ عالم الاثبات، ام بلحاظ عالم الثبوت؟ والمقصود من عالم الثبوت عالم الواقع ومن عالم الاثبات عالم البرهان. وتعبير اخر: حينئذ فان كان المراد من التقسيم في عالم الثبوت فهو يعني ما كان مقصودا بالإرادة، والتبعي ارادته تابعة لإرادته والادلة. وإذا كان المراد من التقسيم بلحاظ عالم الاثبات فيكون المراد منه ما كان مقصودا بالإفادة.

بقي شيء [1] وهو ان هذا التقسيم هل هو للواجب أو للوجوب؟

الظاهر من صاحب الكفاية انه تقسيم للواجب، لكن مع التأمل نرى انه تارة يكون تقسيما للواجب وتارة تقسيما للوجوب، ونذكِّر أن هذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح. فان كان الاصلي هو ما كان متعلقا للإرادة والطلب مستقلا فالظاهر انه تقسيم للواجب، كما ذكر الآخوند في الكفاية، لان الواجب هو الفعل وهو الذي يراد استقلاله أو تبعيته.

اما اذا كان الاصلي هو المقصود بالإفادة والتبعي خلافه، فالظاهر أن هذا التقسيم يناسب الوجوب أي الحكم لا الواجب.

إذن الملاحظ ان هذا التقسيم ليس على اطلاقه ويكون تبعا للمراد لأنه اصطلاح يتبع للمراد منه.

وتعليقا على ما ذكره بعض الاصوليين المتأخرين كالسيد الخوئي (ره) من ان هذا البحث عديم الفائدة والاثر لان الاصول انما تجري فيما له اثر حتى في الاخبار ويمكن ان يقال بالحجية وغير الحجية والاعتبار إنما هي بلحاظ الأثر كلٌ بحسب مجاله، لذلك قلنا ان بعض الاشياء التاريخية من قبيل اعمار الانباء وما حدث للحسين (ع) وغيرها من الاخبار، هذه الامور ليس لها اثر عملي فلا تشملها ادلة الحجية لا نفيا ولا اثباتا. والامور التكوينية او العرفية او العادية او التاريخية انما تثبت بالاطمئنان دون غيره لأنها مسائل شخصية. اما الأمور العقائدية هناك عمل للجوانح كما هو عمل للجوارح وكذلك فحتى العقائد يمكن ان تكون متعلقا للأمر المعتبر لأنها عمل.

وأقول: أما الأثر فهو ممكن خصوصا بناء على أن العبادية هي كل فعل يقوم به العبد تجاه معبوده بقصد العبادة، وهي هذه العلاقة الخاصة، نعم تحتاج مشروعيتها إلى دليل من أمر أو غيره، وقد مرّ الكلام في ذلك في التعبدي والتوصلي، ولا تحتاج إلى داعي الأمر أو قصد القربة أو غير ذلك. فان التفات المولى وارادته للواجب لها أثر في تحقق العبادية.

اما ما ذكره السيد الخوئي (ره) انه لا أثر له ولذلك لا معنى للبحث عن الاصل العملي، فإننا نطرح احتمال الاثر: ان المسألة يمكن ان يكون لها اثر، مثلا في مسألة مقدمة الواجب، في مسألة ان المقدمة ليس عليها ثواب ولا عقاب، وان المقدمة لا تكون عبادية، وقلنا في وقتها ان المقدمة يمكن ان تكون عبادية ويمكن ان يكون عليها ثواب وعقاب إذا لاحظها وارادها الشارع لان المقدمات على قسمين: قسم كالطهارة الحدثية أو الخبثية في الصلاة يلاحظ ويراد تفصيلا، وقسم لا يلاحظ ولا يراد انما يراد ارتكازا كالمشي إلى المسجد واللباس وغيرها من الامور المقدميّة التي بدونها لا يتم الواجب، وذكرنا انه عند الملاحظة يمكن ان يكون عليها ثواب وتكون عبادة.

مثال آخر سنذكره انا شاء الله عز وجل في مسألة اجتماع الامر والنهي، حيث بحثت المسألة بطريقة وهي: انه إذا كانت الاحكام تتعلق بالطبائع والماهيات يجوز اجتماع الامر والنهي، اما إذا كانت تتعلق بالأفراد فلا يجوز الاجتماع لأنه اجتماع الامر والنهي في الواحد حقيقة.

سنرى لاحقا تطبيقا لمسألة الاصلي والتبعي في مسألة الضد، فان كان الواجب او المحكوم- موضوع الحكم - مرادا وملحوظا فالأحكام متضاده، اما إذا لم يمكن كذلك فلا مانع من اجتماعهما – سمي اجتماعا مورديا – ويخرج البحث مسألة الطبائع والأفراد، ولكن نبحث ان الملحوظ بالإرادة ما هو؟ بعبارة اخرى: ان للمسألة ثمرات وسنجد إمكان ان يكون لهذا التقسيم ثمرات على خلاف ما ذكره السيد الخوئي (ره) وكثير من المتأخرين.

والظاهر من صاحب الكفاية (ره) ان يقول ان له اثر ولذلك بحثوا ان الاصل في المسألة عند الشك في واجب انه اصلي او تبعي. وقالوا ان كان الموضوع عدميا متقوما بالعدم فالأصل العدم وحينئذ يكون الاصل التبعي، لانه الاصل عدم افادة الخطاب مثلا. وان لم يكن متقوما فلا يكون الاصل تبعيا.

واما الاصل في المسألة: كما أراه فتارة يكون الكلام في مستوى الاصل اللفظي وتارة على مستوى الاصل العملي.

أما الأصل اللفظي فبحسب كل دليل وحكمه، ومع العدم فالظاهر هو الإرادة المستقلة في عالم الثبوت، والمقصود بالإفادة في عالم الاثبات. فالأصل ان يكن اصليا.

واما الاصل العملي فكما قالوا: ان كان الامر متقوما بالعدم، فالأصل العدم، وليس من باب اصالة العدم بل تقوم بالعدم.

في النتيجة: ان هذه المسألة اعتبرها كثير من الاصوليين لا فائدة فيها واختلفوا في المراد.

نقول: لا مانع من جعل اصطلاحين على نحو الاشتراك اللفظي في مصطلح العلم الواحد. المعنى اللغوي اساسي ومعنى آخر اصطلاحي اصولي عند الاصوليين، فما المانع ان يكون هناك اشتراك لفظي؟

ففي الاصول له معنيان أحدهما في عالم الثبوت وهو المراد المستقل، والثاني في عالم الاثبات وهو المفاد المستقل، ونظيره في الفقه: العبادة فان لها معنيان: عبادة بالمعنى الاعم وعبادة بالمعنى الاخص. وكما إذا قلنا ان طلاق السنّة له معنيان: طلاق السنّة بالمعنى الاخص، وطلاق السنة بالمعنى الاعم، وإلى آخره نفس اللفظ في نفس العلم له اصطلاحان.

 


[1] وهو جواب عن سؤال لبعض الأخوة الطلبة الفضلاء، حيث ذكر ان الاستاذ ذهب إلى ان تقسيم الواجب إلى مطلق ومشروط هو تقسيم للوجوب وليس للفعل بخلاف المعلّق والمنجز.