الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/12/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاصلي والتبعي

     الاصل عند الشك هو التبعية عند السيد الخوئي وصاحب الكفاية.

     مناقشة الأصل.

     الاصلي والتبعي ليس المراد منهما المعنى اللغوي، هما منقولان أصوليان بالوضع التعييني.

     يدور المعنى بين عالم الثبوت وعالم الاثبات، فان كان الاول فالأصلي ما كان مقصودا بالإرادة، وفي الثاني ما كان مقصودا بالإفادة.

قلنا ان الاصلي لغة هو الاساس ثم نقل في مصطلح بعض الاصوليين المتأخرين إلى معنى آخر. خطر ببالي تعبير آخر عندما قال: " تارة انه يكون المراد في عالم الثبوت، وتارة ان يكون المراد في عالم الاثبات " هذا في الاصطلاح. وقلنا ان المراد من الاصلي ليس المعنى اللغوي – الذي هو بمعنى الاساس والجذر – بل هو منقول أصولي بالوضع التعييني من قبل بعض الاصوليين المتأخرين. فهو اختراع منهم، ثم إن هذا الموضوع له وهذا التقسيم هل كان بلحاظ عالم الاثبات، ام بلحاظ عالم الثبوت؟ الاصلي معناه ما كان مقصودا في عالم الثبوت وهو المراد مباشرة وتفصيلا، اما في عالم الاثبات وهو عالم البرهان. خطر ببالي تعبير وهو انه: ان كان المراد من التقسيم في عالم الثبوت يعني ما كان مقصودا بالإرادة، والتبعي ارادته تابعة لإرادته. وإذا كان المراد من التقسيم بلحاظ عالم الاثبات فيكون المراد منه ما كان مقصودا بالافادة.

قلنا ان المعنى اللغوي هو الاساس ويحتاج نقله إلى علاقة، وهنا العلاقة واضحة.

هنا لا بأس بتعليق على صاحب الكفاية (ره) حيث يقول: " لكن الظاهر كما مرّ أن الاتصاف بهما - أي بالأصالة والتبعية – إنما هو في نفسه لا بلحاظ حال الدلالة عليه، وإلا لما اتصف بواحد منهما إذا لم يكن بعدُ مفاد دليل وهو كما ترى ". [1] انتهى.

وتعليقنا عليه: إن هذا التقسيم بحسب رأيه الشريف لو كان بحسب الدلالة فانه يقتضي قسما ثالثا وهو ما إذا لم تكن الدلالة على الواجب بخطاب لفظي فيكون لا بأصالة ولا بتبعية، كما في الأدلة اللبية.

ونقول: هذا الإشكال تام لو كان التقسيم للخطاب أو للحم المستفاد من الخطاب بحيث يكون الاستفادة من الخطاب قيدا للمقسم. أما إذا كان التقسيم للحكم وجعلنا.

وعندما قال: "وهو كما ترى ". نقول: نرى فيه شيئا، إلا ان نجعل عالم الإثبات والتبعية والإفادة عالما أعم من الخطاب ومن الادلة العقليّة، فلا يتم هذا الاشكال.

الاصل في المسألة: لو شككنا في واجب أنه أصلي أو تبعي:

إذا كان التقسيم عديم الأثر كما عند السيد الخوئي (ره) وغيره، فلا أصل في المسألة لأن الأصل إنما يكون بالتعبد بلحاظ الآثار، بل كل التعبديات تكون بلحاظ الآثار. بل حتى في الأمارات، فإن الأخبار مثلا إنما تكون حجة إذا كان موضوعها اثرا شرعيا او ما كان ذا اثر شرعي، لأن من شأن الشارع حينئذ أن يعتبرها أو لا يعتبرها. أما إذا لم تكن في الشرعيات والتعبديات، كما لو كانت في التكوينيات، مثل الاخبار عن أعمار الانبياء مما ليس له أثر شرعي، فإن الخبر ليس بحجة ولا يمكن اثبات حجيته، إلى آخره من اخبار الائمة وأهل البيت (ع). ولا بد حينئذ من إثباته بالاطمئنان وحينئذ يكون الإطمئنان هو الحجة وليس الخبر. بعبارة اخرى: الامور التكوينية، العاديّة، العرفيّة، والعقلية، لا شأن للتعبديات فيها، سواء كانت التعبديات أصولا أو امارات. لذلك الامور التاريخية غالبا ليس لها أثر شرعي عند ذلك لا حجية بيها ولا يمكن اثبات الحجية لها لان المجال ليس مجالا للشارع بما هو شارع، وما كان كذلك خرج عن شأن الشارع المقدس فلا يكون حجة لا اثباتا ولا نفيا. لذلك السيد الخوئي (ره) وغيره قالوا ان هذا التقسيم عديم الاثر، فلا داعي للبحث في الاصل في هذه المسألة.

نعم لو كان للتقسيم أثر فالأصل هو التبعية عند صاحب الكفاية (ره) حيث يقول : " ثم إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلّق به إرادة مستقلة (ذلك في عالم الثبوت)، فإذا شك في واجب انه أصلي أو تبعي فبأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلة به (وهي اصالة العدم) يثبت انه تبعي ويترتب عليه أثاره إذا فرض له أثر شرعي كسائر الموضوعات المتقوّمة بأمور عدمية. ( وهذا يعني إذا كان مقصود بالارادة أو لا؟ والقصد والارادة امران وجوديان، فيكون الاصل عدم ارادة القصد فيه) - مثل الماء القليل الذي يتنجس بالملاقاة إذا قلنا إنه عبارة عن الماء غير الكر -.( إذا قلنا الماء القليل ولاحظنا القلّة مباشرة صار أمرا وجوديا، وإذا قلنا "لم يبلغ كرا " صار امرا أخذ العدم في تعريفه ).

نعم لو كان التبعي أمرا وجوديا خاصا غير متقوم بعدمي، وإن كان يلزمه لما كان يثبت بها إلا على القول بالأصل المثبت ( لانه بواسطة عقلية غير شرعية )كما هو واضح فافهم ". [2]

ثم يقول السيد الخوئي (ره): " واما إذا شك في واجب أنه أصلي أو تبعي، فحيث لا أثر لذلك فلا أصل في المقام حتى يعيّن أحدهما لا لفظا ولا عملا. نعم لو كان لهما أثر عملي فمقتضى الأصل هو كون الواجب تبعا إذا كان عبارة عما لم تتعلق به الارادة المستقلة، واما إذا كان عبارة عما تعلّقت به الارادة التبعية فلا يكون موافقا ". [3]

أي: إذا كان مفهوم التبعي قد أخذ العدم فيه فيكون هكذا: حال عدم تعلق ارادة مستقلة وحينئذ يكون اصلا عدميا، اما إذا كان مفهوم التبعي هو ما تعلقت به ارادة غير مستقلّة فيكون حينئذ امرا وجوديا، وحينئذ تجري أصالة العدم في الأصلي والتبعي، وهما أمران وجوديان، فيتعارض الأصلين.

غدا ان شاء الله سنعلق على الموضوع ونبين ان الاصل ليس ما ذكراه لا صاحب الكفاية (ره) ولا السيد الخوئي (ره).


[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص123.
[2] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص123.
[3] محاضرات في اصول الفقه، بحث السيد الخوئي، ج2 ص434.