الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/12/19

بسم الله الرحمن الرحيم

المضوع: الاصلي والتبعي

     تلخيص ما مضى.

     نبذه عن الأصلي والتبعي.

     إن كان التقسيم بلحاظ عالم الثبوت فهو ما كان مقصودا بالارادة، وان كان في عالم الاثبات فهو ما كان مقصودا بالافادة.

كل عام وانتم بخير والحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، ونسأل الله تعالى أن يعيد العام على الجميع على خير ما يرام.

اللهم صلي على محمد وآل محمد كنا قد وصلنا في درس الاصول في تقسيمات الواجب إلى الأصلي والتبعي وهما عنوانان غير موجودين لا في نص ولا في آية ولا رواية، وليس هناك نص شرعي. فاصبح البحث عنهما بحثا في مصطلح موجود لدى الاصوليين، هم اخترعوه حديثا.

للتذكير صاحب الكفاية (ره) بعد ان ذكر ان مقدمة الواجب ليست مسألة فقهية بل هي مسألة عقليّة، قال ان البحث عن الملازمة العقلية بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها وليس البحث عن وجوب المقدّمة بنفسها. او ما سمي قديما عند العامة والخاصة ما لا يتم الواجب إلا به.

وقسّم في الأمر الثاني المقدمة إلى شرعية وعقلية وعاديّة، وإلى داخلية وخارجية، وإلى متقدمة ومتأخرة ومقارنة، وبحث في كل منها.

ثم قسم في الأمر الثالث الواجب إلى مشروط ومطلق، وإلى معلّق ومنجز. ثم ذكر الأقوال في المسألة، وفصّلنا هناك بين القول بالمقدمة الموصلة لصاحب الفصول، وقصد التوصل للشيخ الأنصاري، والمقدمة الواجبة عند إرادة ذيها عند صاحب المعالم (ره)، ووجوب المقدمة مطلقا وعدم الوجوب مطلقا. وقد ذهبنا إلى عدم وجوب المقدمة مطلقا.

ثم بعد ذلك قسّم الواجب إلى الأصلي والتبعي وكان من المناسب إدراجه في الامر الثالث في تقسيمات الواجب فهو من شؤون تقسيم الواجب، ولعلّه سهو من قلمه الشريف أو استدراك منه (ره).

وكيف كان: ما معنى الأصالة والتبعيّة؟

طبعا لا يوجد في النصوص الشرعية هذان العنوانان، بل هما من التعبيرات المتأخرة في تقسيم الواجب، لذلك لا معنى ان نقول هذا صحيح او غلط إلا في حالة واحدة وهي ان نفهم معنى التبعية عندما يذكرها الاصوليون وحتى لا يتكلم كل منا في وادٍ، وذكرنا هذا الموضوع سابقا مرارا وضربنا مثالا عليه في الفقه كلمة " الريبة " التي لا توجد في النصوص اصلا.

وقد قال بعض المحققين ومنهم السيد الخوئي (ره) أن هذا المطلب – أي تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي -عديم الأثر والفائدة.

بيان ذلك: الأصالة والتبعية: إما بلحاظ عالم الثبوت والواقع، أي ان الواجب هو اصلي واقعا.

وإما بلحاظ عالم الاثبات والادلة والبرهان.

فإن كان بلحاظ عالم الثبوت والواقع: فالمراد حينئذ من الواجب الأصلي هو ما التفت إليه المولى تفصيلا - أي تصور ملاكه ومصلحته - فأراده وطلبه.

اما الواجب التبعي فهو ما لم يلتفت إليه المولى تفصيلا، بل يكون طلبه تبعا وارتكازا، من قبيل المقدمات العرفية. مثلا: اذا طلبت منك احضار شيء فهذا يعني ارتكازا ان تأتي بكل المقدمات من اللبس والذهاب والشراء وغيرها من الامور التي يتوفق عليها تحقق الواجب ولو عرفا وتكون من مصاديق المقدمة.

بناءً على هذين التعريفين للأصالة والتبعية: نرى أن الواجب النفسي لا يكون إلا أصليا إذ هو منظور إليه بنفسه لا مقدمة لغيره. أما الغيري فيمكن أن يكون أصليا إذا التفت إليه كما في الوضوء المقدمي للصلاة، ويمكن أن يكون تبعا كما في بقيّة المقدمات. هذا إذا كانت الأصالة والتبعية بلحاظ عالم الثبوت.

واما إذا كانت بلحاظ عالم الإثبات والبرهان والدليل: فالمراد بالأصلي ما كان مقصودا بالإفادة من اللفظ أو الخطاب، وقد يكون بالإشارة كما ذكرنا ان الانشاء قد يكون بالإشارة وغير محصور باللفظ، فيشمل ما كان بالدلالة المطابقيّة وهذا واضح، وأيضا ما كان بالدلالة الإلتزاميّة إذا كان من قبيل: " إياك أعني واسمعي يا جارة ". [1]

والمراد بالتبعي ما لم يكن مقصودا بالإفادة من الخطاب، بل كانت الدلالة عليه من باب التلازم والتبعية للمقصود، فيشمل جميع أقسام اللزوم حتى غير البيّن وما اصطلح عليه بدلالة الإشارة. فإن الجمع بين قوله تعالى: ) وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ( [2] وبين قوله تعالى: ) وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ([3] ، يقتضي كون أقل الحمل ستة أشهر، وليس مقصودا لا من النص الاول ولا النص الثاني، عند الجمع حصلت على نتيجة، باللازم البين بالمعنى الاعم او غير البيّن أي من دون ذهني مباشر، بل يحتاج إلى التفاتات كثيرة.

ويمكن تلخيص المطلب بالتالي: إن لفظ الأصلي لغة نسبة للأصل وهو الاساس، والتبعي ما كان تابعا. وتقسيم الواجب إليهما نقل إلى معنى آخر، فأصبح من المنقولات الاصولية، إذ لم يرد هذا التقسيم في نص شرعي ولذا:

     إذا كان المراد من التقسيم الواجب بلحاظ عالم الثبوت، فيكون الاصلي ما كان مقصودا بالإرادة، ويكون التبعي خلافه.

     إذا كان المراد من التقسيم بلحاظ عالم الاثبات فيكون الاصلي ما كان مقصودا بالإفادة، ويكون التبعي خلافه.

هنا لا بأس بتعليق على صاحب الكفاية (ره)، ان شاء الله غدا نكمل.

 


[1] مثال ذلك في طريفة سمعتها امس: قال رجل لزميله ما اسمك؟ قال في وجهك – أي حسن -ـ وقال الاخر وانت ما اسمك؟ قال في جنبك – أي حسام - عندما قال: " في وجهك " هناك معنيين الاول وهو ان اسمه حسن، والثاني انه انت حسن الصورة، لكن المعنى الاول والثاني ليس بالدلالة المطابقية، بل بالدلالة الالتزامية، وقد يكون المعنى الثاني غير مقصود احيانا كما في الكنايات مثل " زيد طويل النجاد " " وكثير الرواد ليس المراد " طويل انجاد ولا كثير الرماد " المراد انه كريم.
[2] سورة الاحقاف، اية 15.
[3] سورة لقمان، اية 14.