الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/07/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

الاقوال حول وجوب المقدمة.

القول بالوجوب مطلقا.

القول بالوجوب عند إرادة ذيها وهو قول صاحب المعالم.

قول الشيخ الانصاري في المقدمة التي يقصد بها التوصل.

الفرق بين القولين الأخيرين ومنطلقهما.

الاقوال حول وجوب المقدمة:

هذه المسألة من المسائل القديمة التي طرحت في علم الأصول، وقد تشعبت الآراء وكثر الكلام فيها لأهميتها ووجود الثمرات لها، واوصلها بعضهم إلى سبعة عشر رأيا على ما في بالي. لذلك إذا اردنا ان نستعرض الأقوال جميعا ونستعرض مستندها والرد عليها ونناقشها، اعتقد اننا سنحتاج لوقت كبير، وكم هي الفائدة من هذا النقاش؟ واعتقد ان العمر قصير والعلم كثير ولا بد من التوازن بينما، لذا سنأخذ اهمّ الاقوال ومستندها بشكل مختصر ثم ما يمكن ان يرد عليها، ثم بعض التعليقات وسنختار أكثرها نفعا، كل ذلك ضنا بالأعمار الشريفة للأحبة الطلبة، سنختصره بمفاصل، ومن اراد التوسع ولا بأس بذلك فعليه بمراجعة تقريرات العلماء والاساطين، ثم نصل إلى المختار.

نذكر بعض الأقوال حول وجود الملازمة بين المقدمة ووجوب ذيها، وليس الكلام في نفس وجوب المقدمة وإلا اصبحت مسألة فقهية وليست مسألة اصولية:

القول بوجوب المقدمة مطلقا سببا كانت أم غيره، موصلة أم غيرها، بقصد التوصل أم غيره، كما حكاه الشريف المرتضى في الذريعة والشافي عن بعض العامة. وهو قول صاحب الكفاية (ره).

ولعلّ منطلق هذا الكلام إي الوجوب مطلقا وبعض الآراء الاخرى هو أن ذي المقدمة يتوقف على المقدمة، يعنى أن وجوب المقدمة مترشح من ذي المقدمة، هذا الفرض الذي استحكم في اذهانهم هو السبب في قسم كبير من الآراء. وهذا يؤدي إلى وجوب جميع المقدمات من دون قيود ولا حص خاصة.

القول بالتفصيل بين السبب فيجب، وبين غيره فلا يجب، والسبب بمعنى التوليدي من قبيل: أن شخصا رمى نفسه من شاهق، مقدمة الموت ليس رمي النفس، بل رمي النفس مقدمة حتى وصل إلى الوسط واراد التراجع عن الموت فاصبح الهبوط سبب قهري للموت، وعبّر عنه القدماء بالتوليدي القهري أو السبب الذي لا ينفك عنه، أو الأثر الذي لا بد منه.

وهو ما ذهب إليه الشريف المرتضى حيث قال في الكتابين نقلا عن صاحب المعالم: " إن الصحيح في ذلك التفصيل بانه إن كان الذي لا يتم الشيء إلا به سببا فالأمر بالمسبب يجب أن يكون أمرا به (بالسبب) وإن كان غير سبب، وإنما هو مقدّمة للفعل وشرط فيه لم يجب أن يعقل من مجرد الامر انه أمر به ". انتهى

بيانه: أن المقدمة التوليدية واجبة دون غيرها، حصره بالتوليدي لما اشتهر بينهم من " أن الأمر بالمسبب أمر بالسبب ". [1] إذن ما ذهب اليه أن كلي السبب التوليدي هو الواجب دون غيره، والسبب التوليدي يكون حصة من كلي السبب والمقدمة وليس الحصة الخاصة السببية التولدية التي ولّدت ذي المقدمة (المسبب) فعلا، وإلا ذهبنا إلى المقدمة الموصلة وهو كلام صاحب الفصول.

ما عن صاحب المعالم (ره) من اشتراط وجوب المقدمة بالعزم والإرادة على إثبات ذيها.

وبيانه: إن إرادة ذي المقدمة شرط في وجوب المقدمة، فلو لم أرد ذي المقدمة لم يجب أصلا. وهذا القول منسوب إلى صاحب المعالم، ولم أجده في بحث المقدمة في كتاب المعالم، نعم هو مشار اليه بل مصرّح به في بحث الضد. من قبيل: أن الصلاة تتوقف على الوضوء، ومتى يجب الوضوء؟ إذا أردت الصلاة، فإذا لم ارد الصلاة فالشارع لا يوجب عليّ الوضوء. ولعلّ منطلقه هو فرض الترشح الذي سيطر على الاذهان فترة طويلة من الزمن. بعبارة اخرى: كأن صاحب المعالم تصور الأمر كالتالي: لولا ذي المقدمة لم تجب المقدمة، فإذا أنت لم تُرد ذي المقدمة فلماذا يوجبها عليك الشارع؟!

ما هو المعروف نسبته إلى الشيخ الأعظم الانصاري (ره) في تقريرات مباحث الألفاظ أن الواجب هو المقدمة بقصد التوصل إلى ذيها.

وبيانه: إن وجوب المقدمة أمر ثابت لكنها تتعلق بخصوص الفرد الذي أقصد التوصل به. وبالتالي فقصد التوصل قيد لفرد المقدمة (للواجب، تقييد للحصة الخاصة)، لا لحكمها (الوجوب).

وملخص الفرق بين كلام صاحب المعالم (ره) وكلام الشيخ الانصاري (ره) هو في أن قصد التوصل إلى ذي المقدمة على كلام صاحب المعالم قيد للوجوب وعلى كلام الشيخ الانصاري قيد للواجب.

ومنطلق الشيخ الانصاري (ره): إن المقدمة الواجبة هي حصّة خاصة من كلي المقدمة، والوجوب تعلّق بعنوان المقدمة، وعنوان المقدمة هو خصوص ما قصد بها التوصل.

غدا ان شاء الله نكمل بما وجّه به الشيخ النائيني (ره) كلام الشيخ (ره).


[1] رد على سؤال إذا وجد عدّة اسباب: الجواب: من قبيل إذا كان الموت سببه الشنق او الرصاص او الخنق إلى آخره، يكون من قبيل العموم البدلي من قبيل: " اتني بقلم " فكلي القلم هو متعلق التكليف، و " القلم " مجرد تطبيق المأمور به على الفرد، اما المأمور به فهو متعلق الأمر اي هو " القلم " فلا يكون الاتيان بالقلم الخاص هو المأمور به دون غيره. فالواجب الاتيان به مفهوم القلم على نحو البدل وهو المتعلّق، ثم اطبقه على فرد، والمطبق عليه ليس هو متعلق المأمور به وإن ذهب إليه بعضهم. سنبحث هذه المسألة في مسألة تعلق الاحكام في الطبائع والافراد.