الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

التعليق على التفريع الثالث للسيد الخوئي (ره).

الصحيح في مسألة عبادية الطهرات الثلاث.

المقدمات الثلاث قبل بيان المختار.

نكمل الرد على كلام السيد الخوئي (ره): وغريب هذا الكلام منه (ره) فان ذلك يقتضي عبادية أي شيء أتوهم عباديته ولو لم يكن صحيحا. فلو توهّم شخص أن الوضوء شرط لزيارة والديه، فتوضأ غافلا عن الأمر الاستحبابي النفسي للوضوء، قاصدا مجرد التوصل للزيارة لكان الوضوء صحيحا بناء على مبناه!!!. وهذا لا يمكن الالتزام به.

لا يقال: بأن قاعدة " من بلغ " موضوعها توهم الواقع لقوله (ع) " كان له ذلك الثواب وإن كان رسول الله (ص) لم يقله "، فالتوهم يؤدي إلى جعل استحبابي.

فانه يقال: أولا: لا يؤدّي ذلك إلا للثواب لا للجعل كما هو التحقيق، وعليه السيد الخوئي (ره).

وثانيا: إن موضوعها الاحاديث والنصوص لا مجرد وهمَ الواقع كما هو مقتضى كلام السيد (ره).

الصحيح في مسألة عبادية الطهارات الثلاث:

لا بد من مقدمتان قبل بيان المختار:

المقدّمة الاولى: إن الأفعال على نحوين:

نحو عبادي بطبعه ولا تحتاج إلى جعل كالسجود والركوع والصلاة للمعبود والتسبيح له وغير ذلك، فإن العبادية جزء لا تنسلخ عن المفهوم، نعم السجود كحركة لغير المعبود لا عبادية فيه.

ونحو آخر لا عبادية فيه بطبعه، بل العبادية اعتبارية ومثاله: الطهارات الثلاث، فإن الغَسل بطبعه لا يقتضي صحته أن لا يقع إلا عباديا. ولذلك هذا النوع من الافعال يحتاج إلى دليل على العبادية. ايضا من قبيل الزواج، النكاح، بعض الفقهاء جعل فيه شائبة العبادة مما ادى إلى ذهاب بعض الفقهاء إلى احكام كعدم صحة الشروط وعدم جواز الفسخ إلى غير ذلك. وإلا فالأصل التوصلي كما ذكرنا في بحث التعبدي والتوصلي من أن إذا دار الأمر أن يكون تعبديا أو توصليا، فالأصل التوصلي، لذلك في الكفارات إذا اطعم ستين مسكينا بعنوان الكفارة لكن رياء ووجاهة، هل تقع الكفارة؟ المشهور عند الفقهاء انها عبادة، لكني أميل إلى عدم عباديتها.

المقدمة الثانية: مرّ معنا أن الصلاة والعبادات الاخرى لا تنشأ عباديتها من أمر أو طاعة أو تقرّب، بل هذه لوازم، ألا ترى عابد الوثن يصلي من دون أمر بالصلاة، نعم هذه لوازم منشؤها صفات المعبود، حيث إنه القوي القادر بنظر العبد، فيتقرب منه ويطلب حينئذ منه الجنة ويخاف من ناره، لاحظ أفعال القدماء الذين جعلوا لكل شيء إلها، فكانوا يطلبون من إله المطر، حيث هو قوي من هذه الناحية، ولا يطلبون منه الجنة، ولا الازواج ولا غير ذلك لأنه برأيهم قوي من هذه الناحية فقط. إذن العبادية شيء والامور المذكورة شيء آخر، هي لوازم التعبّد الناشئة من حيثية المعبود والاعتقاد بقوته وقدرته، يطلب منه المطر او الريح حيث هو قوي من هذه الناحية.

المقدمة الثالثة: وهذه المقدمة هي الاهمّ وهي: إن قصد العنوان شيء وقصد أمره شيء آخر.

قصد العنوان لا يؤدي إلى العبادية، بل قصد الأمر هو الذي يؤدي إلى العبادية.

فقد أقصد العنوان من دون قصد الأمر، مثال على ذلك: النكاح أمر مستحب، فلو أن رجلا لم ينظر إلى استحبابه شرعا، كالفاسق والكتابي والكافر قد يقصد عنوان النكاح والزوجيّة عند العقد من دون نظر إلى استحبابه اصلا. كالزواج المدني الذي يقصد فيه العنوان وليس مجرد لقلقة لسان، ولا يلتفت فيه لاستحباب الزواج ولا للوجوب، فهل قصد العنوان يؤدي إلى عبادية؟

من هنا، فقد ظهر الخلل عند السيد الخوئي (ره) وغيره من الأصوليين والفقهاء عندما جعلوا قصد العنوان موجبا للإضافة الله تعالى، فيكون موجبا للعبادية والثواب.

والصحيح أن يقال: إن قصد الأمر هو الموجب للإضافة والعبادية لا قصد العنوان. نعم، بدون قصد العنوان لا يتحقق الفعل المعتبر، فلو تلفظ بألفاظ عقد البيع أو النكاح من دون قصد للبيع أو النكاح لم يتحققا إلا بدليل خارج.