الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/06/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

آثار الواجب الغيري: 1- الثواب على الغيري؟ 2- عبادية الغيري؟

استحقاق الثواب أو التفصيل؟

امكان وجود الشانية في المتضادين.

ولا بأس بملاحظة وهي: أن الشانية المأخوذة في المتصف قد تكون أيضا في المتضادين، إذ قد يقول قائل: إن مجرد ذلك أصبحا من باب الملكة والعدم.

نقول: الملكة والعدم: أمران وجودي وعدمي يعرضان على ما من شأنه الاتصاف بالملكة. أما المتضادان فهما أمران وجوديان ، ولا مانع من كون المعروض عليه من شأنه كونه كذلك.

السيد الخوئي (ره) ميّز بين مقام الثبوت والاثبات، فقال بكونهما - الاطلاق والتقييد - في مقام الثبوت متضادين إذ لا بد من لحاظ جميع الافراد أو لحاظ بعضها إذ لا اهمال في مقام الثبوت، فكلا اللحاظين أمر وجودي.

أما في مقام الاثبات فليس سوى عدم القيد.

ونقول: إن في مقام الاثبات أمرين: عدم القيد، وكونه في مقام بيان، أي بيان ما يريد، أي بيان ما هو في عالم الثبوت، فهذان القيدان دخيلان في عالم الاثبات، وعليه يكون الاطلاق والتقييد من باب المتضادين ثبوتا واثباتا. وإن " الكلام لفي الفؤاد وانما جعل الكلام على الفؤاد دليل" وهو بيت من الشعر استُدلَّ به في بعض مباحث الالفاظ على كون النسبة الانشائية إبرازية.

نستطيع تلخيص ما مضى في نقاط:

الاولى: ان الواجب الغيري ما وجب لواجب آخر، والنفسي ما يقابله.

الثانية: الاصل اللفظي عند الشك في كون الوجوب نفسيا أو غيريا، الاصل هو النفسي.

الثالثة: الاصل العملي عند الشك يتبع الحالات، فإن كان الشك في التكليف فالأصل البراءة، وإن رجع إلى الشك في الامتثال فهو الاحتياط.

النقطة الرابعة: إذا حصل علم إجمالي بالوجوب وشككنا في كونه نفسيا أو غيريا، فيختلف باختلاف الحالات، ففي حالة كون أحد الطرفين واجبا لا محالة، فإن العلم الاجمالي ينحل إلى علم تفصيلي به وشك بدوي في الآخر، وهذا انحلال حكمي، فيجري الاصل في الطرف الآخر بلا منازع.

 

وهذا الامر محل تأمل من قبلنا، وسيأتي الكلام عليه عند بحث العلم الاجمالي.

في اثر الواجب النفسي والغيري:

مسألتان: الاولى: هل يترتب الثواب على النفسي دون الغيري؟

الثانية: هل الغيري يكون عباديا؟

المسألة الاولى: استحقاق الثواب على النفسي دون الغيري.

لا إشكال في استحقاق العقاب على ترك الواجب النفسي مع التعمّد، فهو ترك مع تمرّد وطغيان. وهذا من باب المعصية.

ويقابل العصيان التجري [1] وهو قصد فعل المحرم من دون مصادفته للواقع.

وهل يستحق العقاب على التجري؟ هذه مسالة كلامية وقع الخلاف فيها.

وفي المقابل يوجد اصطلاحان: طاعة وانقياد.

اما الطاعة فهي فعل العبد للمأمور به مع مصادفة الواقع بدافع العبودية.

وأما الانقياد فهو فعل العبد بتوهم كونه مأمورا به وانه الواقع بدافع العبودية.

هذا اصطلاح الاصوليين، وإن كان الانقياد لغة يشمل حالتي مطابقة الواقع وعدمه.

وأيضا هذه مسألة كلاميّة.

أما المسالة الاولى فقد ذهب معظم المتكلمين والفقهاء إلى الاستحقاق.

ذكر صاحب الكفاية (ره): تذنيبان:

الأول: لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الأمر النفسي وموافقته، واستحقاق العقاب على عصيانه ومخالفته عقلا. وأما استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته، ففيه إشكال، وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته، بما هو موافقة ومخالفة، ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلا لعقاب واحد، أو لثواب كذلك، فيما خالف الواجب ولم يأت بواحدة من مقدماته على كثرتها، أو وافقه وأتاه بما له من المقدمات.

نعم لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة، وبزيادة المثوبة على الموافقة فيما لو أتى بالمقدمات بما هي مقدمات له، من باب أنه يصير حينئذ من أفضل الاعمال، حيث صار أشقها [2] ، وعليه ينزل ما ورد في الاخبار من الثواب على المقدمات، أو على التفضل فتأمل جيدا، وذلك لبداهة أن موافقة الامر الغيري - بما هو أمر لا بما هو شروع في إطاعة الامر النفسي - لا توجب قربا، ولا مخالفته - بما هو كذلك - بعدا، والمثوبة والعقوبة إنما تكونان من تبعات القرب والبعد. [3]

إذن هناك مسألتان: الاولى: هل الثواب والعقاب من باب الاستحقاق أو من باب التفضل؟

الثانية: هل يترتب الثواب على الواجب الغيري أو لا؟ ومع القول بعدم الترتب كيف نصنع بما ورد في الروايات على الثواب على بعض المقدمات؟

اما المسألة الاولى فهي مسألة كلامية وليست مسألة اصوليّة، لكن قد يستفيد منها الاصوليون، الثمرة في موقعين: الموقع الاول: هو في مسألتنا في تفسير الثواب الوارد في الروايات على المقدمات، ولا مشكلة ان كانت من باب التفضل، إذ عقلا المقدمات لا ثواب عليها.

والموقع الثاني: ان كل ما دل على رفع العقاب في أمر ما بحيث يلزمه عقلا عدم الحكم – التكليف -، كما في اصل البراءة في قوله تعالى: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " أي رفع المؤخذة، العقاب. فإذا كان استحقاقا يعني انه ليس هناك حكم بالحرمة. وإن كان تفضلا يكون هناك حكم بالحرمة لكن الله تفضلا منه رفع العقاب.

اما المسألة الاولى فقد ذهب معظم المتكلمين والفقهاء إلى الاستحقاق.

نعم ذهب جماعة منهم الشيخ المفيد (ره) إلى التفضل بدعوى أن العبد ليس أجيرا في عمله ليستحق عليه الأجر، بحيث لو لم يقم المولى بإعطاء الثواب له كان ظالما.

وحاول السيد الخوئي (ره) جعل الخلاف لفظيا حيث يقول: والصحيح في المقام أن يقال : إن أراد القائلون بالاستحقاق أن العبد بعد قيامه بامتثال الواجب وإظهار العبودية والرقية يستحق على المولى الثواب - كاستحقاق

الأجير للأجرة على المستأجر بحيث لو لم يقم المولى بإعطاء الثواب له لكان ذلك ظلما منه - فهو مقطوع البطلان، بداهة أن إطاعة العبد لأوامر مولاه ونواهيه جرى منه على وفق وظيفته ورسم عبوديته ورقيته، ولازمة بحكم العقل المستقل، ولا صلة لذلك بباب الإجارة أبدا، كيف؟ فإن مصالح أفعاله ومفاسدها تعودان إليه لا إلى المولى.

ومن ذلك يظهر حال التوبة، فإن ما ورد من " أن التائب عن ذنبه كمن لا ذنب له " ليس معنى هذا أن التائب يستحق الغفران على المولى كاستحقاق الأجير للأجرة بإتيان العمل المستأجر عليه، لوضوح أن التوبة مقتضى وظيفة العبودية، ومن هنا يستقل العقل بها، حيث إن حقيقتها رجوع العبد إلى الله تعالى، وخروجه عن التمرد والعصيان، ودخوله في الإطاعة والإحسان.

وإن أرادوا بذلك أن العبد بقيامه بامتثال أوامر المولى ونواهيه يصير أهلا لذلك فلو تفضل المولى بإعطاء الثواب له كان في محله ومورده فهو متين جدا ولا مناص عنه، والظاهر بل المقطوع به أنهم أرادوا بالاستحقاق هذا المعنى. وعلى هذا الضوء فقد أصبح النزاع المزبور لفظيا كما لا يخفى. [4]

وأعلق على ذلك: والصحيح أن يقال: إن الكلام تارة قبل مرحلة النصوص وتارة بعدها.

أما قبل النصوص فالعبد إذا أطاع لا يستحق عقلا ثوابا لأنه يسير على طبق العبودية، وإذا عصى فهو يستحق العقاب إذا صدق على فعله التمرد والطغيان.

وأما ما بعد النص، فإن الثواب وإن لم يكن من باب الإجارة، فانه مقطوع البطلان، لا لأن المصلحة ليست للمؤجر وهو الله هنا كما ذكر السيد الخوئي (ره)، بل لأن الإجارة تحتاج إلى طرفين.

نعم هناك يمكن جعلها من باب الجعالة: ) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (. والجعالة إيقاع لا يحتاج إلى طرفين، وعدم أداء الجعل من الله ظلم.

ولو تنزلنا فيمكن جعله وعدا من الله، وان الله لا يخلف الميعاد، وهذا ليس ظلما للعبد نعم هو خلاف شأن المولى.

من هنا نقول: إن الثواب تارة يكون استحقاقا، وتارة يكون تفضلا.

اما الاستحقاق فهو في المنصوص، وهو على نحو الجعالة.

واما التفضل ففي الانقياد، إذ لا يحكم العقل بوجوب إعطاء العبد شيئا على عمل فعله وإن دلّ على حسن سريرته. هناك كلام ذكر في الرسائل والكفاية الجزء الثاني وفي الحلقات: ان التجري هل يوجب عقابا او لا؟ قالوا انه تمرد وطغيان فعليه عقاب. وبعضهم قال أن التجري ليس تمردا ولا طغيانا لانه لم يوافق الواقع، بل يدل على سوء سريرة، وسوء السريرة ليس عليه عقاب، كما ذهب اليه الشيخ الانصاري (ره).

إذن النتيجة: ان الثواب استحقاق او تفضل؟ هو ليس استحقاقا مطلقا كما ذكروا، وليس تفضلا مطلقا، بل نفصل ما بين الطاعة والانقياد. فان كان طاعة فهو استحقاق من باب الجعالة. وان كان انقيادا فهو تفضل، ولا مانع من ذلك.

 


[1] تذكير: هناك اربعة مصطلحات عند الاصوليين: العصيان والتجري، والطاعة والانقياد. العصيان هو فعل المحرّم عمدا مع موافقته للواقع. والتجري هو تعمد فعل الحرام مع خطئه للواقع. اما الطاعة فهي فعل الواجب بقصد الامتثال مع موافقة الواقع. والانقياد هو فعل الواجب بقصد الامتثال مع عدم موافقة الواقع.
[2] وهذا هو مسألة الروايات الواردة في الثواب على لمقدمات ماذا نفعل بها؟ فالحل عند الشيخ الاخوند (ره) ان الروايات الواردة على نفس المقدمة هي روايات على ذي المقدمة، فيكون ثواب العمل على الاصل. والجواب على ذلك: ان هذا خلاف الظهور.
[3] كفاية الاصول- الآخوند الخراساني، ص110.
[4] محاضرات في اصول الفقه، تقريرات بحث السيد الخوئي للفياض. ص403.