الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

الأصل العملي في المسألة عند الشك.

كان الكلام في الفرق بين مسألة العلم الاجمالي ومسألة الاقل والاكثر الارتباطيين، كلاهما فيه انحلال حكمي. ينحل العمل الاجمالي إلى علم تفصيلي بالقدر المتيقن وشك بدوي في الباقي، إلا ان السيد الخوئي (ره) ذهب إلى ان الاختلاف في الملاك، وقال ان ملاك انحلال العلم الاجمالي الحكمي في الاقل والاكثر الارتباطيين هو بلحاظ عدم الاثر، بينما الملاك في مسألة إذا دار الامر بين الوجوب الغيري والنفسي هو بلحاظ العلم.

ومع انحلال العلم الاجمالي، لا يتعارض الاصلان لسقوط أحدهما فيجري الآخر بلا معارض. وهذا معنى الانحلال الحكمي.

قلنا اننا لان نناقش اصل المسألة ولكن هذا الكلام يحتاج إلى بعض الدّقة، والسيد (ره) سيد المحققين والمدققين، إلا ان المسألة قد تعود إلى: أن الاطلاق والتقييد هل هما من باب الملكة والعدم أم من باب المتضادين.

وبناء على رغبة بعض الاخوان ولما لهذه المسألة من ثمار عملية قد تكون كبيرة وكفائدة في علم المنطق نتعرض لها.

فائدة في علم المنطق:

هل الاطلاق والتقييد والعموم والخصوص بنفس المناط هما من باب الملكة والعدم أو من باب المتضادين؟

وللتذكير: إن الملكة والعدم والتضاد هما امران متقابلان وليسا متخالفين، والتقابل هو تنافي امرين بحيث يكون بينهما تنافر، وعدم الاجتماع، وليس كل ما لا يجتمعان فهو تقابل. بل هناك ثلاثة اقسام: المتماثلان والمتخالفان والمتقابلان، والفرق بين المتقابلين والقسمين الاوليين: انهما يشتركان في عدم الاجتماع من جهة واحدة في مكان واحد وزمان واحد، لكن يختلفان في كونهما بطبعهما متنافرين. رحم الله المناطقة حيث جعلوا هذا القيد للمتقابلين بالتنافر المأخوذ في مفهومهما كالأبيض والاسود والاعمى والبصير، بخلاف زيد وعمرو يختلفان وقد لا يكون بينهما تنافر.

والتقابل اربعة اقسام: النقيضان، والضدان، والملكة والعدم، والتضايف.

النقيضان أمران وجودي وعدمي لا يجتمعان ولا يرتفعان في مكان واحد وزمان واحد وجهة واحدة.

الملكة والعدم: أمران وجودي وعدمي، لا يجتمعان ولا يرتفعان. والعدمي هو عدم الوجودي - العدم الخاص - فيما من شأنه الاتصاف بذلك الوجودي، وذلك كالأعمى والبصير.

فالأعمى ليس كل ما لا يبصر، بل هو عدم البصر فيما من شأنه أن يكون كذلك. فالحجر لا يصدق عليه كونه أعمى.

أما المتضادان فهما أمران وجوديان متنافران يتعاقبان على معروض واحد، والمتضادات قد تكون اكثر من إثنين كما هو الغالب عليها ذلك.

وهنا يسأل: الاطلاق والتقييد من أي قسم؟

والذي دفع الاصوليين إلى بحث هذه المسألة في انهما امران وجوديان متضايفان، أو ملكة وعدم هي مسألة اشتراك الاحكام بين العالم والجاهل ثم اتت مسائل اخرى من قبيل اشتراط داعي الامر في متعلّقه.

الاماميّة ذهبوا على ان الاحكام مشتركة بين العالم والجاهل، اما غير الاماميّة اكثرهم على ان الاحكام خاصة بالعالم، فالعلم يكون شرط في التنجير أو في الفعليّة، لكن قالوا ان العلم لا يمكن أن يؤخذ قيدا في الحكم، وعليه لا يمكن الاطلاق فيه، فلا استطيع ان اقول: يجب الصلاة لمن يعلم بوجوبها، لما ذكروه من اسباب ومنها الخلف وغيره.

لذلك قالوا انه لا يمكن الاخذ بالأطلاق لأنه من باب الملكة والعدم، وما لا يمكن فيه التقييد لا يمكن فيه الاطلاق، لذلك قالوا ان الالفاظ هي المطلقة والمقيّدة، واللفظ بما هو لفظ لا يقيّد بل يقيّد بما هو حاك عن معناه، فلا يصح الاطلاق إلا فما من شأنه أن يكون مقيّدا، من قبيل الاعمى والبصير، فالحجر ليس اعمى ولا بصير.

وخالف بعضهم وقالوا ان هذا من باب الوجوديان الاطلاق والتقييد، فان لم يمكن التقييد تعين الاطلاق عقلا إذا لم يكن هناك طرف ثالث. فلذلك بحثت هذه المسألة.

أما مع التأمل هل الاطلاق هو مجرد عدم التقييد أو لا، وهو لحاظ أمر وجودي بمعنى أن ألاحظ الافراد فردا فردا؟.

فاذا لوحظ فيه كل الافراد فهو العام وإذا لوحظ به بعض الافراد دون غيرها باستثناء أو بتخصيص يكون خاص، واحيانا لم يلحظ لا العموم ولا الخصوص فهو المهمل. ولذلك قسمت القضية إلى المهملة والمحصورة.

فلنلاحظ ان المتكلم إذا لم يلحظ الأفراد فرادا فرادا لا يكون في مقام الحصر، ولا تستطيع أن نقول أن مراده العام، فلحاظ الأفراد أمر وجودي وليس أمرا عدميا. [1]

لا يقال: ولكن الإطلاق هو عدم التقييد فيما شأنه أن يقيّد، فهو أمر عدمي؟

فأنه يقال: فرق بين أن يكون الشيء من شأنه أن يتصف بالوصف، وبين أن يلزمه عقلا الاتصاف بالوصف.

فالأجسام تتصف بالألوان قهرا، كالحجر الذي لا بد أن يكون له لون، أسود أو أبيض أو أحمر أو غير ذلك، لكن لا يعني أن من شأن الحجر أن يكون له لون، بل هو لازم له من قبيل أن يكون له حيّز.

فإن الشأنية دخيلة في المفهوم، واتصاف الأجسام بالحيّز واللون والزمان هو لازم عقلي واقعي لا دخالة له في المفهوم. فمثلا الإنسان عندما يتصف بالحيّز والمكان والزمان فهو لازم عقلي باعتبار أن التشخيص يحتاج إليه، والشيء ما لم يتشخص لم يوجد. وقد أحسن المناطقة في تعريفهم وكانوا دقيقين في ذلك.

وعلى فرض كون الاطلاق والتقييد يحتاجان إلى معروض من شأنه الاتصاف بالتقييد، لكن هذا وحده لا يعني أنهما أصبحا من الملكة والعدم، إذ لا مانع من كون المعروض في المتضادين أن يكون من شأنه الاتصاف بهما مع كونهما وجوديان، والمهم في المتضادين كونهما وجوديان.

والحاجة للاتصاف شيء وكونه من شأنه شيء لآخر. فإن الاول لا دخالة له في مفهوم المتصف بخلاف الثاني.

ولذا النتيجة أن الاطلاق والتقييد أمران وجوديان باعتبار انهما لحاظان لكل الحالات ولكل زمن فهما متضادان وليسا من باب الملكة والعدم كما هو المشهور. هذا اجمالا وينفعنا في المستقبل.

 


[1] استطراد توضيحي: اللفظ دون القيود لا يكفي يحتاج إلى مقدمات الحكمة او للوضع، كما لو قلت اكرم كل عالم، بلفظ كل يتضح المراد وإلا اصبحت القضية مهملة. فسواء كان العموم بمقدمات الحكمة او الوضع هذا العموم مراد واكون قد لاحظت الافراد فرادا فردا وإلا اصبح مهملا. وكمثال: في قضية صفوان وابن ابي عمير والبزنطي، في مسألة " ان هؤلاء يروون الا عن ثقة " نص الشيخ الطوسي (ره). بعضهم اشكل على هذا ان الشيخ الطوسي بنفسه روى عن ابن عمير روايات يروي فيها عن بعض الضعفاء، وعند الشيخ الطوسي ضعفاء. فلذلك ابطل هذه القاعدة، ابطلت على اساس انهم عندما يروون لا يرون ألا عن ثقة، النفي. والاستثناء بعد النفي يفيد العموم. لذلك إذا روى مرّة واحدة عن غير ثقة سقط العموم، ولو لم يكن في لحاظ الافراد فردا فردا لما سقط العموم. وكمثال آخر: لو اخبرت ان احد الاخوة لا يدخل إلى مكان تباع فيه الخمور عموما ومطلقا، فاذا رأيته يدخل إلى مكان يباع فيه الخمر، هذا الدخول إلى مكان واحد يكسر القاعدة. وهذا يعني ان المتكلم اراد العموم ولاحظ الافراد فراد فراد وفي كل مكان، وإلا يكون قد اوقعني في الجهل.