الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

37/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: النفسي والغيري:

الأصل العملي في المسألة عند الشك.

رسم خارطة ومنهج الاستنباط.

الفرق بين انحلال العلم الاجمالي الحقيقي، والحكمي.

المنهجية: قبل البحث عن التفاصيل والأمثلة في الأصل العملي، لا بأس ببيان كامل ورسم خارطة ومنهجية للبحث عن هذا الأصل فنقول: إما أن يكون في المسألة علم إجمالي بالوجوب سواء كان نفسيا أم غيريا، أو ليس هناك علم اجمالي بالوجوب. والعلم الاجمالي له آثار وهو: وجوب الاجتناب عن الطرفين، أو عن طرف واحد، وجوب الموافقة القطعية، وعدم جواز المخالفة القطعية.

في الحالة الثانية وهي عدم وجود علم إجمالي فعلي فالأصل البراءة لكونه شكا في التكليف.

وأما إذا وجد علم إجمالي فعلي، فأما أن ينحل أو لا.

فإذا لم ينحل العلم الإجمالي فالأصل الاحتياط، لان العلم الاجمالي فعلي ويؤثر اثره، مثلا: اذا سقط نقطة دم على احد الاناءين، اصبح احدهما نجسا، بالعلم الاجمالي يجب الاجتناب عنهما كوظيفة عملية وليس ككشف عن واقع أمر بنجاستهما.

وإذا انحل فالأصل البراءة في المشكوك، وإجراء مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين في غير ذلك بحسب المتعلّق. فإذا كان الوجوب المردد بين النفسي والغيري هو الطرف المشكوك تجري فيه أصالة البراءة من التكليف.

وانحلال العلم الاجمالي إما حقيقي وإما حكمي. وإذا انحل حقيقة أو حكما فالأصل البراءة.

بيان الفرق بين انحلال العلم الاجمالي الحقيقي، وبين الانحلال الحكمي. [1]

فالانحلال الحقيقي هو زوال العلم الاجمالي حقيقة من صفحة النفس، فمثلا: إذا علمت إجمالا بحرمة بعض الشياه من عشرة، ولكن شككت في عدد الحرام منها هل هي ثلاثة أو أربعة أو أكثر، ولكن القدر المتيقن هو ثلاثة، هنا ينحل العلم الاجمالي إلى علم تفصيلي بحرمة ثلاثة، وشك بدوي في حرمة الباقي.

وهذا الانحلال حقيقي، لزوال العلم الاجمالي من صفحة النفس، واستبداله بعلم تفصيلي بالقدر المتيقن وشك بدوي في الباقي مجراه البراءة.

أما الانحلال الحكمي، فهو ما يبقى فيه العلم في صفحة النفس، ولكن لا أثر له. وبما أن تنجيز العلم الاجمالي هو سبب له أثره، كوجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية، فلو لم يكن لاحد أطراف العلم الاجمالي أثر سقط عن التنجز وانحلّ.

مثاله: العلم الاجمالي في الشبهة غير المحصورة، فإن بعض اطرافها لا يشمله أثر العلم الاجمالي لخروجه عن محل الابتلاء، فيبقى الطرف الآخر ويجري فيه اصل البراءة بلا معارض. مثلا: لو كان هناك ذبيحتان محرمتان من اصل مليون ذبيحة، هنا يوجد علم اجمالي بوجود اثنين محرمات من أصل هذا العدد الكبير، العقل يقول كما في الشبهة المحصورة يجب الاجتناب، والوظيفة العملية الاحتياط. لكن لما خرجت بعض الاطراف عن محل الابتلاء لعدم ابتلائي بكل هذا القدر الكبير من هذا الذبائح، فصار يقبح عرفا من الحكيم أن يكلف بها، حينئذ العلم الاجمالي يفقد اثره، فيكون حكمه حكم المنحل.

وللتوضيح: آثار العلم الاجمالي هي وجود الاجتناب عن الطرفين، ومنع جريان الاصول في الطرفين.

وكمثال آخر: لو أن أحد الاناءين كان نجسا، ثم وقعت نقطة دم ولم أدر هل وقعت في الاناء النجس أو الطاهر؟ فهنا نعلم إجمالا بوقوع النجاسة في أحد الاناءين، ولكن: إن كانت وقعت في الاناء النجس فلا أثر لها، وبهذا خرج أحد أطراف العلم الاجمالي عن الأثر للعلم بالنجاسة سابقا، ووجوب الاجتناب عنه، فلا يزيد العلم الاجمالي شيئا من الآثار، فلا أثر له، فيسقط العلم الاجمالي في مرحلة التنجيز، لأنه من الأساس أحد الطرفين خرج عن محل التكليف لسقوط اثره. والثاني يجري فيه أصل البراءة بلا منازع.

وهذا انحلال حكمي، لأنه في حكم الانحلال الحقيقي، وليس انحلال حقيقيا، لبقاء العلم في صفحة النفس.

غدا نكمل ان شاء الله بيان معنى الانحلال الحكمي.

 


[1] في الاصطلاح عندما نصف أمرا بالحكمي يعني من جهة الأثر لا من جهة الحقيقة والماهية، مثلا: العالم الذي لا يعمل بعلمه جاهل، أي حكمه حكم الجاهل، لا انه جاهل حقيقة، فصار جاهلا حكما، أي له نفس آثار الجهل وأحكامه.