الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: النفسي والغيري:
-الاشكال بعدم صحة هذا التقسيم، أي عدم وجود الواجب النفسي.
-الجواب عليه.
قبل أن نبدأ في مسألة النفسي والغيري لا بأس بالتذكير بما سبق:
 كان الكلام في مقدمة الواجب وقد رسم صاحب الكفاية (ره) أمورا قبل الخوض في إثبات وجوبها.
 الأمر الأول: ما هو المبحوث عنه، وهل هو الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، أو نفس وجوب المقدمة، وبالتالي هل المسألة أصولية أم فقهية؟ فبناء على كون المبحوث عنه الملازمة كانت المسألة أصولية، وعلى كون المبحوث عنه نفس الوجوب كانت المسألة فقهية. وقد اختار كون المسألة أصولية تبعا لصاحب الكفاية (ره)، ثم هل المسألة عقلية أو لفظية؟، اخترنا الأول.
 الأمر الثاني: في تقسيمات المقدمة:
أ‌-تقسيمها إلى داخلية وخارجية، وذهبنا إلى عدم شمول البحث للمقدمة الداخلية التي هي الأجزاء.
ب‌-تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية، وذهبنا إلى رجوع الشرعية إلى العقلية بعد اعتبارها شرعا مقدمة.
ت‌-تقسيمها إلى مقدمة وجود، ومقدمة صحة، ومقدمة وجوب، ومقدمة علم، وذهبنا إلى انحصار البحث بمقدمة الوجود بعد رجوع مقدمة الصحة إليها.
ث‌-تقسيمها إلى الشرط المتأخر والمقارن والمتقدم، وذهبنا إلى عدم المانع من شمول النزاع لجميعها.
 الأمر الثالث: في تقسيم الواجب:
أ‌-تقسيمه إلى المطلق والمشروط، وذهبنا إلى رجوع القيد إلى الهيئة لا إلى المادة.
ب‌-تقسيمه إلى المعلّق والمنجز، وذهبنا إلى جواز التعليق. والفرق بينه وبين المطلق والمشروط، أن القيد هنا للفعل، وهناك للوجوب.
ت‌-تقسيمه للنفسي والغيري.
  ونذكر بأن التقسيم لا بد فيه من جهة تقسيمية، ولا بد من عدم تداخل الأقسام، ولا بد فيه من أثر كي يخرج عن اللغوية.
 والبحث في نقاط: في تعريف النفسي والغيري، وفي وجوده، وفي الأصل عند الشك في كون الواجب نفسيا أو غيريا.
  أما التعريف:  فالواجب الغيري يعبّر عنه أيضا بالواجب المقدّمي، أو الطريقي، أو غير ذلك كالوسيلة.
صاحب المعالم (ره) عرّف الغيري " بأنه ما لا يتم الواجب إلا به "، وقد عنون باب مقدمة الواجب بقوله: " أصلٌ: الأكثرون على أن الأمر بالشيء مطلقا يقتضي إيجاب ما لا يتم إلا به".
  وفي تقريرات الشيخ الانصاري (ره):  أن القوم عرّفوا الواجب النفسي بما امر به لنفسه، والغيري بما أمر به لغيره. مثلا : الزواج، لا بد من مقّدمة وهي العقد. واكثر الامور لا بد لها من مقدّمة. وذكرنا في المعاملات انه يوجد ثلاثة امور: السبب وهو العقد، والمسبب وهو الحالة الناتجة، والاثر هو الاحكام من جواز النظر والوطء وغير ذلك.       
  وفي الكفاية قال: " إن كان الداعي هو التوصل به إلى واجب لا يكاد التوصل بدونه إليه لتوقفه عليه فالواجب غيري، وإلا فهو نفسي، سواء كان الداعي محبوبيّة الواجب بنفسه كالمعرفة بالله أو محبوبيتَه بما له من فائدة عليه، كأكثر الواجبات من العبادات والتوصليات ".  [1]
 إشكال على هذا التعريف:
 وقد أشكل على هذا التعريف بما نتيجته أن هذا التقسيم غير تام لعدم وجود الواجب النفسي حينئذ، لصيرورة الواجبات النفسية كلها عدا معرفة الله واجبات غيرية.
  ويذكر الآخند (ره) في الكفاية هذا الاشكال بقوله " لكنه لا يخفى أن الداعي لو كان هو محبوبيته كذلك - أي بما له من الفائدة المترتبة عليه - كان الواجب في الحقيقة واجبا غيريا، فإنه لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازما، لما دعي إلى إيجاب ذي الفائدة. [2]
وملخص الاشكال: إن جميع الواجبات النفسية قد وجبت لأمور أخرى، فأصبحت جميعها غيرية، عدا قلّة كالمعرفة بالله، فانتفى التقسيم.
 واجيب عن الاشكال كما ذكره في الكفاية بما معناه: إن الغايات غير مقدورة لأنها ليست تحت قدرة المكلف، فلا تكون واجبة، وبالتالي لا تكون الواجبات النفسية قد دعي إليها لواجب آخر، لاحظ كلمة " واجب آخر " فكأن المستشكل يلاحظ كون الغاية أمرا واجبا لكي ينطبق عليه التعريف.
  وهنا نلاحظ امرين:
  الاول: ان هذا الاشكال إنما يرد على خصوص التعريف بكون الغيري: " ما وجب لواجب آخر، أو " ما لا يتم الواجب إلا به ". أي في حالة كون الغاية أمرا واجبا.
  الثاني: أن معرفة الله وإن كانت كما قيل غاية الغايات ولا شيء فوقها، لكن يمكن أن يقال: إن الغاية هي شكر المنعم، أو رفع الخوف كما ذكر بعض علماء الكلام في الدليل على وجوب معرفة الله تعالى. وعليه لا يوجد حينئذ أي واجب نفسي، بل أصبحت جميع الواجبات غيرية.
   جواب على الاشكال:
  اجاب صاحب الكفاية (ره) على إشكال عدم وجود الغيري لأن الغاية ليست واجبة لعدم القدرة عليها، بأن الغاية يمكن إيجابها، لأن الأمر بالمسبب يكون بالأمر بالسبب، والقدرة على السبب قدرة على المسبب.
 غدا ان شاء الله نكمل جواب صاحب الكفاية (ره).




[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص 107.
[2] المصدر السابق.