الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/27

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: حلّ اشكال المقدمات المفوتة

لا باس قبل الحلّ بذكر إشكال المقدمات المفوتة، وبعض ثمار القول بالوجوب المعلّق كما ذكرها السيد الخوئي (ره) في المحاضرات توفيرا للعناء: ثم إن الذي دعا صاحب الفصول ( قدس سره ) إلى الالتزام بالواجب المعلّق هو عدّة فوائد تترتب عليه:

منها: دفع الإشكال عن إيجاب مقدمات الحج قبل الموسم، حيث يَلزم على المكلّف تهيئة لوازم السفر ووسائل النقل وما شاكل ذلك قبل مجيء زمان الواجب وهو يوم عرفة، إذ لو لم نلتزم به لم يمكن الحكم بإيجابها قبل موسمه، كيف؟ حيث إن وجوب المقدمة معلول لإيجاب ذيها فلا يعقل وجود المعلول قبل وجود علته.

وعلى ضوء الالتزام بحالية الوجوب في أمثال هذا المورد يندفع الإشكال رأسا، وذلك لأن فعلية وجوب المقدمة تتبع فعلية وجوب الواجب وإن لم يكن نفس الواجب فعليا.

ومنها: دفع الإشكال عن وجوب الغسل على المكلّف، كالجنب أو الحائض ليلاً لصوم غد، فإنه لولا الإلتزام بحالية الوجوب في مثله كيف يمكن الالتزام بوجوب الغسل في الليل، (مع أن الصوم لا يجب إلا من حين طلوع الفجر؟)

ومنها: دفع الإشكال عن وجوب التعلّم قبل دخول وقت الواجب، كتعلم أحكام الصلاة ونحوها قبل وقتها، فلولا وجوب تلك الصلوات قبل دخول أوقاتها لم يكن تعلّم أحكامها واجبا.

ومنها: دفع الإشكال عن وجوب إبقاء الاستطاعة بعد أشهر الحج. [1] انتهى

وهذه جميعها تطبيقات لأمر واحد وهو: تبرير وجوب المقدّمات المفوتة. بعبارة اخرى: تبرير وجوب المقدمات التي لا يتم الواجب إلا بها سواء كانت عرفية أم عقلية أو عادية، وبدونها يفوت الواجب.

وحلّ إشكال المقدمات المفوتة بكل اختصار: إن عدم الإتيان بالمقدّمة يؤدي إلى عدم الإتيان بذيها، فيجب عقلا الاتيان بها، - ملازمات عقلية - بملاك عدم جواز تفويت الواجب، مع العلم أن تفويت الواجب أمر قبيح عقلا، وهو مرفوض من قبل المولى.

فنقول: يدرك العقل قبحه، وبالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع يستقل العقل بوجوب اتيانها.

وعلى هذا يكون الواجب على وجوبه وفعليته في وقته – تعود المسألة للملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع -حينها لا يكون هناك داع للواجب المعلّق. ولا باس بقراءة كلام السيد الخوئي (ره) بان هناك بعض الادلة تؤيد الواجب المعلّق، يقول: نعم، ظواهر الأدلة في مسألتي الحج والصوم تساعد ما التزم به في الفصول من كون الوجوب حاليا والواجب استقباليا، فإن قوله تعالى: * ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) * ظاهر في فعلية وجوب الحج عند فعلية الاستطاعة، كما أن قوله عز وجل: * ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) * ظاهر في فعلية وجوب الصوم عند شهود الشهر، والشهود كناية عن أحد أمرين: إما الحضور في مقابل السفر، وإما رؤية الهلال، وعلى كلا التقديرين فالآية تدل على تحقق وجوب الصوم عند تحقق الشهود.

نعم، ظواهر الأدلة في الصلوات الخمس لا تساعده، فإن قوله ( عليه السلام ): " إذا زالت الشمس فقد وجب الطهور والصلاة " ظاهر في تحقق الوجوب بعد الزوال.

وكيف كان فقد ذكرنا: أن الشرط المتأخر وإن كان ممكنا في نفسه ولا مانع من الالتزام به إلا أن وقوعه في الخارج يحتاج إلى دليل، ففي كل مورد دل الدليل عليه فهو، وإلا فلا نقول به. نعم، لو قلنا باستحالته فلابد من رفع اليد عن ظواهر تلك الأدلة. [2]

كل هذه الادلة التي استظهرها السيد (ره)، الشارع يبيّن فيها أصل التشريع وليس لبيان الوجوب الفعلي لكل فرد فرد، بيان ان الاسلام عبارة عن حج وصوم إلى آخره.

إلى هنا نستطيع أن نقول: أن المقدمات المفوتة من تطبيقات الملازمات العقلية لا يجوز تركها عقلا لقبح تركها، والسبب في ذلك انها تستلزم ترك الواجب في وقته، وهذا أمر مرفوض وقبيح عقلا، لكن هل هذا القبح العقلي يؤدي إلى جعل تحريمي أو لا؟

إن قلنا انها تؤدي إلى جعل يأتي التحريم، وانه بملاك واحد وجوب ذي المقدمة وجوب المقدمة، إما من باب العلّة والمعلول كما هو عند القدماء، أو ملاك واحد يترشح منه اثنان كما عند الكثير من المتأخرين، أو أن نقول: أن الملازمات العقلية تؤدي إلى إدراك عقلي لا إلى جعل شرعي.

مداخلة، لا يقال: ولكن الواجب لا يكون مقدورا في وقته عند فوات المقدمّة فيسقط التكليف به في وقته، فكيف يعاقب على الواجب عند تركه؟ مثلا: في الحج لا بد من المقدمات، إذا تركت تهيئة المقدمات يفوتني الحج وانا ما زلت في بلدي. والقدرة شرط في التكليف إذن يسقط وجوب الحج.

فانه يقال: الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار. إي أن القدرة سلبت باختياره أو بغير اختياره. فإذا كان بغير اختياره فوجدانا وعقلا لا يتم التكليف. أما إذا كان باختياره كما اسقط نفسه من مكان شاهق ثم اخذ يعاتب نفسه واراد ان يتراجع وهنا اصبح غير قادر، هل هنا تبقى حرمة قتل النفس موجودة أو لا؟

والذي نسلّم به في تفسير هذه القاعدة: هي أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا تكليفا، بمعنى أن التكليف يسقط مع عدم القدرة سواء كانت بتعجيز نفسه كما في تفويت المقدّمات، أم هو غير قادر أصلا. فالتكليف والخطاب بغير المقدور قبيح عقلا على الحكيم. لكن العقل يحكم ببقاء العقاب.

والنتيجة: لا عقاب إلا على الواجب، والمقدمات لا عقاب عليها، ولا جعل فيها كما سنبيّن.

تطبيق: هل يجوز للمكلف اهراق الماء قبل وقت الواجب؟ بناء على ما ذكرناه، يعاقب على ترك نفس الصلاة في وقتها. واهراق الماء قبيح عقلائيا.

أيضا هل يجوز له إجناب نفسه؟ كذلك الأمر لولا رواية معتبرة في جواز الجنابة مع الأهل بعد دخول الوقت مع عدم وجود الماء الكافي عنده للإغتسال.

المفروض انه يعاقب لان تفويت المقدمة قبيح عقلا لانه يؤدي إلى تفويت الواجب، لكنه ليس مجعولا، العقاب يكون على ترك الصلاة فقط وليس على إهراق الماء أو الاجناب.

غدا ان شاء الله نعود للرواية.


[1] محاضرات في اصول الفقه، تقرير بحث السيد الخوئي للفياض، ج2، ص181.
[2] محاضرات في اصول الفقه، تقرير بحث السيد الخوئي للفياض، ج2، ص182.