الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

العنوان: دوران الامر بين تقييد الهيئة وبين تقييد المادة.

قلنا في المرجّح الثاني: انه لو دار الامر بين رفع اليد عن اطلاقين أو عن اطلاق واحد، فالأولى رفع اليد عن اطلاق واحد. أي " أن الاصل أن يبقى كل شيء كما هو "، وتعليقنا على صاحب الكفاية (ره) سيكون على هذه الفقرة.

بعبارة اخرى: ان تقييد الهيئة يؤدي إلى تقييد المادة قهرا دون العكس، فتقييد المادة فيه تقييد واحد، وتقييد الهيئة فيه تقييدان ولو كان الثاني ثمرة، فلو دار الامر بين رفع اليد عن اطلاقين أو عن اطلاق واحد فالأولى رفع اليد عن اطلاق واحد.

ذكرنا امس ان صاحب الكفاية (ره) وافق الشيخ الانصاري (ره) في المخصص المنفصل دون المتصل، ووجه ذلك ان المخصص المنفصل فيه ظهور في العموم، فيمكن ان يقال هنا رفع اليد عن اطلاقين او اطلاق واحد، بعبارة اخرى: لا بد من وجود اطلاق حتى ارفع اليد عنه، أما مع عدم وجود الاطلاق كما في المتصل فلا يقال انه يدور الامر بين رفع اليد عن اطلاقين واطلاق واحد، " العرش ثم النقش "، لا انعقاد للظهور في الإطلاق في المخصص المتصل حتى نقول أنه نرفع اليد عن اطلاق أو عن اطلاقين.

وتعليقنا على ذلك: ما ذكره صاحب الكفاية (ره) حسب القواعد التي ذكروها كلام صحيح ومتين.

ولكن نحن قلنا: أن الكلام لو دار الأمر بين الهيئة والمادة يكون على مستويين: الأصل اللفظي، والأصل العملي.

وملخص التعليق على صاحب الكفاية والشيخ الانصاري (رهم) أن كلامهما ينفعنا في الأصل العملي دون الأصل اللفظي، والسبب في ذلك ان صاحب الكفاية (ره) وغيره: أن الأصول، كأصالة عدم الوضع، واصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم كثرة المؤونة، والمرجحات، هذه كلها في عالم الالفاظ لا تؤدي إلى ظهور ولا إلى وضع.

اما في: إذا دار الامر بين الهيئة والمادة، بين ان يعود القيد في " إذا زالت الشمس فصلِّ " اولا نبحث عن الاصل اللفظي فإن لم نجد يأتي الاصل العملي، وهذا المرجحان قلنا انهما لا ينفعان في الاصل اللفظي وكل ما ذكروه ينفع في الاصل العملي.

اما في الاصل اللفظي ذكروا أن الوضع تارة يكون شخصيا وتارة يكون نوعيا، ذكرنا في اثبات الوضع او في عالم الظهور، في اثبات الوضع هناك وضع لبعض المركبات، كما في المسند والمسند اليه والفعل والفاعل إلى آخره كذلك في القيد والمقيّد، وإذا الشرطية، في المركبات هل الاصل والحقيقة تكون في رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة أو العكس؟

وذكرنا سابقا أن علامات الحقيقة سبعة: التبادر، صحة الحمل، عدم صحة السلب، الاطراد، الاستعمال، اصالة عدم الاشتراك، وقول اللغوي. قلنا ان قول اللغوي والاستعمال وبقية العلامات ليست دليلا ومن جملتها ان اصالة عدم الاشتراك واصالة عدم التقدير واصالة قلّة المؤونة كل ما ذكروه في اثبات الاوضاع ليس دليلا، وذكر بعض الامثلة التي ذكروها: كما إذا دار الامر بين وضعين او وضع واحد في كلمة " عين "، هل هي موضوعة لمعنى واحد والباقي مجاز أو مشترك لفظي بين الجميع؟ بعضهم قال ان المشترك أو الترادف غير موجود في اللغة العربية ومعنى ذلك ان لكمة اسد مثلا موضوعة لمعنى واحد وهي ماهية هذا الحيوان المفترس وكلمة " سبع، وليث، وغضنفر " هذه الفاظ اخرى ليست موضوعة لمعنى الاسد بل هي مجازات اخرى أو موضوعة لمعان أخرى. وإذا قلنا انه مشترك تكون هذه الكلمات معنى واحد للجميع. وقال بعضهم ان هذه المعاني متعددة: " الليث " للأسد في الغابة، ولفظ " الاسد " للماهية، ولفظ " السبع " حين يفترس، إلى آخره.

لو تساءلنا: هل كلمة " سبع " موضوعة لهذا الحيوان بخصوصه أو لا؟ قالوا الاصل عدم الوضع لان الامر يدور بين مؤونة تكلّف الوضع ومؤونة تكلف القرينة المجازية. الوضع يحتاج إلى مؤونة لكنها أشد من مؤونتي المجاز، اما المجاز يحتاج إلى مؤونتين: الاولى يحتاج إلى العلاقة المصححة وهذه هي التي تمييزه عن الخطأ، والثانية وهي القرينة الصارفة، والقرينة الصارفة ليست شرطا في استعمال اللفظ مجازا، انما نحتاج القرينة الصارفة لرفع الاجمال. فإذا دار الامر بين الوضع وعدم الوضع صار عدم الوضع اولى لأنه اقل مؤونة من الوضع.

لكن حتى صاحب الكفاية (ره) ذكر سابقا ان هذه استحسانات محضة لا قيمة لها في اثبات الاوضاع ولا في اثبات الظهور، لان الظهور كما ذكر الشيخ حسين الحلي (ره) ان علامته هي ان يحلف بالعباس (ع) لان الظهور له الف الف سبب ولو كان من طير طائر. وذكرنا سابقا ان ما ندرسه في مباحث الالفاظ ليس لتشخيص الصغريات، بل دراستنا في المشتق وصيغة الامر تعيننا على تشخيص صغريات حجية الظهور، فإذا لم نصل إلى الظهور بعد الالتفات إلى هذه المرجحات والاصول، تكون لا قيمة لها.

إذن الذي نذكره لصاحب الكفاية (ره) ان هذا المرجح الثاني صحيح لكنه لا يتم في عالم الأصل اللفظي، فلا وجود

للأصل اللفظي فلا دليل على ان القيد يعود للهيئة أو المادة، ويبقى الدليل مجملا لفظا، [1] فنأتي إلى الاصل العملي الذي يمكن ان نتمسك به، فإذا كان هناك قدر متيقن نأخذ به، والباقي تحت استصحاب العدم او اصالة العدم كما قيل. اما ان نأخذ استصحاب عدم التقييد أو استصحاب الاطلاق، مثلا: " صلّ " فيها اطلاقان: اطلاق الهيئة واطلاق المادة، ثم اتاني قيد " إذا زالت الشمس فصلّ " القدر المتيقن من " إذا زالت " هو انها قيد للمادة موجود إما لفظا وإما اثرا، وهل قيد الهيئة أيضا او لا؟ نقول: في تقييد الهيئة انه يمكن اجراء استصحاب بقاء اطلاق الهيئة إن كانت الهيئة مطلقة سابقا في حال المنفصل، ومع عدم الاطلاق استصحب عدم اطلاق الهيئة. هذا نسلم به في الاصل العملي، فتبقى الهيئة مطلقة والقيد يعود للمادة فقط، اما في الاصل اللفظي لا ينفعنا.

بعبارة اخرى: العلم الاجمالي ينحل إلى تفصيلي برجوع القيد إلى المادة وشك بدوي برجوع القيد أيضا إلى الهيئة بالقدر المتيقن، والمشكوك يكون له احكام المشكوك، فنستصحب الحالة السابقة.

يبقى مسألة: وهي اننا بحثنا هذا المسائل: المعلّق والمنجز ودوران الامر بين الهيئة والمادة، لأجل حل اشكال المقدمات المفوتة، وكيفية تصور هذه المقدمات، غدا أن شاء الله نكمل البحث.


[1] سؤال احد الطلبة: اذا دار الامر بين المتباينين انتفى الظهور؟ الجواب: قلنا ان الظهور مسألة عرفية، عند اطلاق اللفظ يأتي المعنى الوجودي في الذهن مباشرة. سؤال: واذا كان هناك قدر متيقن؟ الجواب: لو كان هناك قدر متيقن ينفعني في الباقي من باب الاصل العملي وليس الاصل اللفظي. لصاحب الكفاية (ره) مبحثا في القدر المتيقن في مقام التخاطب: يقول: ان هذا القدر التيقن إذا كان راسخا جدا في تعاملاتنا لدرجة انه ينصرف الذهن إليه، هذا ادى إلى ظهور في القدر المتيقن وصار حجة من باب الظهور.