الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
37/02/13
بسم الله الرحمن الرحيم
العنوان: حلّ اشكال المقدمات المفوتة.
دوران الأمر بين تقييد الهيئة وبين تقييد المادة.
التعليق على ما حرره السيد الخوئي (ره) في مقام الرد على الشيخ الانصاري (ره).
رجوع أصالة الإطلاق إلى اصل وجودي.
قبل الشروع في بيان كلام السيد الخوئي (ره) لا بد من مقدمات ثلاثة:
الاولى: هل أصالة الاطلاق ترجع إلى أصالة عدم التقييد، بعبارة اخرى: أن هذه الأصول اللفظية هل هي أصول عدميّة أو أصول وجوديّة؟ فهل الموجود في العرف اللغوي أصالة الاطلاق أو أصالة عدم القييد؟
ومشهور المتأخرين أن هذه الأصول وجوديّة وليست عدميّة وهو الصحيح، إذا قلت: " أكرم العلماء " مباشرة ينسبق لنا عموم العلماء، وليس عدم القيّد الذي استنتج منه العموم، لذلك هي ترجع إلى أصالة الظهور، وهكذا في اصالة الحقيقة واصالة المجاز. [1]
الثانية: لا وجود لأصالة العدم، العدم الازلي غير موجود، بل الموجود هو استصحاب العدم، وقد يكون عقليا أو جعليا.
والفرق بينهما: ان الممكن هو ما كان فيه سلب الضرورتين، وهو مقابل الضروري، فأصالة عدم الممكن لا وجود لها، لأن المكن إذا كان ما سلب منه الضرورتان: ضرورة السلب وسلب ضرورة الايجاب، فكيف يكون الاصل عدمه؟! فلا دليل هذه الاصالة، لا عقلا ولا نقلا. وما يقال عند الاصوليين من أصالة العدم مرادهم إستصحاب العدم. [2]
الثالثة: الشيخ الانصاري (ره) قال ان الاطلاق هو من اللفظ لكن بلحاظ الاثر، ولا فرق في المدلول بين ان يكون مباشرة أو أن يكون بأثره، فعند الاشتراك في الاثر لا فرق بين الاثر واللفظ.
ما كان مقيّدا بالأثر هل يكون مطلقا أو لا؟
كلام الشيخ الانصاري (ره) في المرجح الثاني قال: إذا دار الامر بين قيّدين وتقيّد واحد، الأصل التقيّد الواحد. بعبارة اخرى: إذا دار الامر بين رفع اليد عن اطلاقين او اطلاق واحد، فالأصل ان يرفع عن اطلاق واحد.
قال (ره): ان تقيّد الهيئة يؤدي إلى تقيّد المادة، اما تقيّد المادة فلا يؤدي إلى تقيّد الهيئة. تقيّد الهيئة يؤدي إلى تقييدين، وليس تقييدين فهو تقييد واحد وله اثر آخر هو تقييد آخر، فإذا قيّدنا الهيئة كأننا قيّدنا المادة، لكن ليس لفظا ومباشرة بل بالأثر.
هل التقيّد بالأثر له نفس احكام التقييد مباشرة؟. الشيخ الانصاري قال ان له نفس الاحكام، إي صار مطلقا أو مقيّدا، ويدور الأمر بين رفع تقيّدين.
وصاحب الكفاية (ره) والسيد الخوئي (ره) قالا بان التقييد بالأثر شيء والتقييد مباشرة شيء آخر.
بعبارة اخرى: هل التقييد بالأثر له نفس احكام التقيّد باللفظ مباشرة أو لا؟
وفي مقام حلّ الموضوع نقول: أما على مبنى الشيخ الانصاري (ره) بأن أصالة الإطلاق ترجع إلى اصالة العدم، فيكون يلزمه الاطلاق سواء كان اثرا أو مباشرة، باللازم العقلي. أما مع القول بان الاطلاق سببه الظهور باللفظ مباشرة، يكون الاثر شيء والاطلاق شيء آخر. فيكون الخلاف مبنائي.
بعد بيان هذه المقدمات نأتي إلى كلام السيد الخوئي (ره)، وبعد ان نفى الكبرى والصغرى في المرجح الاول قال:
" ثم لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا الكبرى المذكورة - وهي تقديم الإطلاق الشمولي على البدلي - إلا أن المقام ليس من صغرياتها. والسبب في ذلك: هو أن تقديم الإطلاق الشمولي على البدلي في مورد الاجتماع والتصادق إنما هو فيما إذا كان التنافي والتكاذب بينهما بالذات [3] بحيث لا يمكن كشفهما معا عن مراد المولى في مرحلة الإثبات، فعندئذ يمكن أن يقال بتقديمه عليه بأحد الوجوه المتقدمة.
وإن شئت قلت: إن التنافي بين الإطلاقين إذا كان بالذات في مقام الإثبات فبطبيعة الحال يكشف عن التنافي بينهما في مقام الثبوت بقانون التبعية، وعليه فلابد من تقديم ما هو الأقوى والأرجح على الآخر.
وهذا بخلاف محل الكلام هنا، فإنه لا تعارض ولا تكاذب بين الإطلاقين بالذات أصلا، بداهة أنه لا مانع من أن يكون كل من الهيئة والمادة مطلقا من دون أية منافاة بينهما، والمنافاة إنما جاءت من الخارج، وهو العلم الإجمالي برجوع القيد إلى إحداهما، ومن الطبيعي أن هذا العلم الإجمالي لا يوجب تقديم ما هو أقوى دلالة وظهورا على غيره كيف؟ حيث إن نسبته إلى كل واحدة منهما على حد سواء، فلا توجب أقوائية إطلاق إحداهما التقدم على الأخرى كما هو واضح.
وبكلمة أخرى: أن العلم الإجمالي تعلق برجوع القيد إلى إحداهما، ومن البديهي أن كون إطلاق الهيئة شموليا وإطلاق المادة بدليا لا يوجب ذلك رجوع القيد إلى الثاني دون الأول، لأن إحدى الحيثيتين تباين الأخرى، فإن الجمع العرفي بينهما بتقديم الشمولي على البدلي إنما هو فيما إذا كانت المعارضة بينهما ذاتا وحقيقة، وأما إذا لم تكن كذلك - كما هو المفروض في المقام - فمجرد العلم الإجمالي برجوع القيد من الخارج إلى أحدهما لا يوجب تعين رجوعه إلى البدلي، لعدم الموجب لذلك أصلا، لا عرفا ولا عقلا، بل لو افترضنا حصول العلم الإجمالي بعروض التقييد من الخارج لأحد دليلي الحاكم أو المحكوم لم توجب أقوائية دليل الحاكم لإرجاع القيد إلى دليل المحكوم، وهذا لعله من الواضحات الأولية.
فالنتيجة في نهاية الشوط: هي أنه حيث لا تنافي بين إطلاق الهيئة وإطلاق المادة بالذات والحقيقة، بل هو من ناحية العلم الخارجي بعروض التقييد على أحدهما فلا وجه لتقديم إطلاق الهيئة على المادة وإن فرض أنه بالوضع، فضلا عما إذا كان بمقدمات الحكمة.
وعليه فإذا كان التقييد المزبور بدليل متصل أوجب العلم الإجمالي الإجمال وعدم انعقاد أصل الظهور، لفرض احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، وإذا كان بدليل منفصل أوجب سقوط الإطلاقين عن الاعتبار.
وقد تحصل من مجموع ما ذكرناه: أن ما أفاده (قدس سره) خاطئ صغرى وكبرى. [4]
غدا نكمل ان شاء الله مع التعليق على كلامه (ره).
والحمد لله رب العالمين.