الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/07

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز، رجوع القيد للهيئة أو للمادة؟
-الهيئة لفظ والمادة لفظ.
-إذا دار الأمر بين رجوع القيد إلى الهيئة أو إلى المادة، فما هو الاصل؟
-ترجيح تقديم إرجاع القيد إلى المادة بتقديم الإطلاق الشمولي على البدلي.
-ترجيح تقديم إرجاع القيد إلى المادة بالدوران بين التقييد الواحد والاثنين.
بعد انتهاء الأقوال في رجوع القيد إلى الهيئة أي قيد للوجوب أو إلى المادة أي قيد للواجب. ونذكر بان الهيئة والمادة الفاظ، وكل ما في الامر انه لا يوجد الا في غيره لذلك احتاج ان يكون وضعا عاما وموضوعا له خاص، وكل مشتق له هيئة ومادة، أما غيره فلا، مثلا: إذا قلت " زيد ضارب "، " زيد " اسم علم وضع كما هو وهو لفظ لشخص معيّن، اما " ضارب " هيئة تحتاج إلى مادة لوجودها والعكس كذلك، وفي مقامنا عندما نقول: " اضرب " الهيئة تدل على الوجوب، والمادة تدل على مادة الضرب. وبتشبيه آخر: المادة كالعجينة تتشكل بالهيئات حسب الرغبة، والعجينة لا يمكن ان تكون بدون صورة، والصورة لا يمكن ان تكون بدون عجينة، لكن كلاهما موجود. المادة في " اضرب " تدل على أصل الضرب، والهيئة تدل على الموضوع له على الوجوب وعلى الفاعل والمفعول إلى آخره.
 أما لو دار الامر في رجوع القيد إلى الهيئة أو إلى المادة، إلى الحكم أو إلى الفعل؟ " إذا زالت الشمس فصلّ " هل الزوال قيد لوجوب الصلاة أو لفعل الصلاة، ما هو الاصل هنا؟
 قلنا انه إذا ظهر القيد في الوجوب فالحمد لله، وإذا ظهر في الواجب فالحمد لله، اما إذا دار الامر بينهما ولم يظهر في احدهما بحث هذا الموضوع على مستويين: اولا: مستوى الاصل اللفظي المقدم على الاصل اللفظي لكونه امارة. ثانيا: مستوى الاصل العملي، وهو مجرد عمل.
 ننقح الاصل اللفظي، فإن تمّ يكون الاصل العملي لا مجرى له، وقلنا ان مباحث الالفاظ إذا لم تؤد إلى ظهور فلا قيمة لها، وإذا ادّت إلى ظهور تكون من باب تنقيح صغريات حجيّة الظهور. وذكرنا في مقدمات بحث الاصول ان مباحث الالفاظ لا علاقة لها في علم الاصول انما بحثت من باب الاضطرار، وهذه الابحاث تنفعني في إيجاد تصور يؤدي إلى ظهور، فإذا ادى إلى الظهور كان حجة.
 هذه المقدّمة يجب ان نلتفت اليها.
  نعود لصاحب الكفاية (ره) في مسألة رجوع القيد إلى الهيئة أو إلى المادة: وربما قيل [1] في الدوران بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة، بترجيح الإطلاق في طرف الهيئة، وتقييد المادة، بوجهين:
أحدهما: إن إطلاق الهيئة يكون شموليا، كما في شمول العام لأفراده، فإن وجوب الإكرام على تقدير الإطلاق، يشمل جميع التقادير التي يمكن أن يكون تقديرا له، وإطلاق المادة يكون بدليا غير شامل لفردين في حالة واحدة.
بيانه: استعمل في مصطلح العام والمطلق، ان هناك اطلاق بدلي واطلاق شمولي. الشمولي استغراقي يشمل جميع الافراد، " أكرم العالم " يشمل جميع افراد العلماء، اما في البدلي " اكرم عالما " يختص بفرد. وفي مقامنا اطلاق الهيئة شمولي لا بدلي؟  عندما تقول " يجب عليك الصلاة " يجب في كل الازمنة والامكنة، والظروف المقدّرة، فيكون اطلاق الهيئة شموليا ويكون الوجوب شموليا استغراقيا لجميع الافراد.
 بينما في المادة " صلّ " المادة هي نفس الصلاة، الفعل، والمطلوب من الصلاة واحدة وليس كل افراد الصلاة المتصورة في ازمانها واماكنها، المطلوب صرف الوجود.
  فصار إطلاق الهيئة يدل على الوجوب الشمولي، بينما إطلاق المادة يدل على فرد واحد، ولما كان كذلك عند وجود القيد إما نرجع لإطلاق الهيئة وإما نرجع لإطلاق المادة. في المادة المطلوب واحد وكأنه شبه مقيّد، اما في الهيئة فشاملة. وما كان شأنه ذلك يكون تقيّد المادة أولى من تقيّد الهيئة.
ثانيهما: إن تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الاطلاق في المادة ويرتفع به مورده، بخلاف العكس، وكلما دار الامر بين تقييدين كذلك كان التقييد الذي لا يوجب بطلان الآخر أولى.
بيانه: إذا كان هناك تقييدين واحدهما يبطل الاخر، فإذا دار الامر بين المبطل وغير المبطل، نقدم غير المبطل، مثلا: " إذا زالت الشمس فصلّ " إذا كان الزوال قيد لوجوب الصلاة، الوجوب يكون حين الانشاء لكن فعلية الصلاة لا تكون إلا بعد الزوال. فيمكن ان يكون الوجوب الآن والصلاة بعد الظهر، فرجوع القيد لبعد الزوال في الصلاة لا يبطل اطلاق الهيئة، ويمكن ان يكون الوجوب قبل الزوال ولا حاجة لان يكون الوجوب مع الزوال، بخلاف العكس، فإذا قيّدنا الهيئة كان الوجوب عند الزوال وايضا كان الواجب المادة عن الزوال. بتعبير أخر: لا يمكن ان يكون الامتثال أي الواجب قبل الوجوب اما العكس فممكن. فالدليل عبارة عن كبرى وصغرى. والصغرى هي أن تقيّد الهيئة بوجب تقيّد المادة، بينما تقيّد المادة لا يوجب تقيّد الهيئة. اما الكبرى وهي وكلما دار الامر بين التقييدين كذلك كان التقيّد الذي لا يوجب بطلان الاخر اولى.        
   يقول صاحب الكفاية (ره):  أما الصغرى، فلأجل أنه لا يبقى مع تقييد الهيئة محل حاجة وبيان لإطلاق المادة، لأنها لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة، بخلاف تقييد المادة، فإن محل الحاجة إلى إطلاق الهيئة على حاله، فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود القيد وعدمه. [2]
وأما الكبرى، فلان التقييد وإن لم يكن مجازا إلا أنه خلاف الأصل، ولا فرق في الحقيقة بين تقييد الاطلاق، وبين أن يعمل عملا يشترك مع التقييد في الأثر، وبطلان العمل به. [3]
 بيانه: ذكرنا سابقا ان التقييد والتخصيص حقيقة لا مجاز، " إذا قلت اكرم العلماء، ثم قلت لا تكرم الفسّاق " أي انا من الاساس اريد اكرام العدول، إذا كان استعمال اللفظ في بعض ما وضع له يكون من باب المجاز، وهذا ما ذهب اليه الكثير من القدماء. اما إذا كان الاستعمال في العموم لكني اردت البعض، أي التفكيك بين  الارادة جدية، والارادة الاستعماليّة، يكون من باب الحقيقة. القدماء لم يفرقوا بين الارادة الاستعمالية والارادة الجديّة فذهبوا إلى المجاز، ولعلّه من ايام سلطان العلماء بدأ التفكيك بين الارادة الجدّة والارادة الاستعمالية، فإذا كان المراد غير مستعمل فيه أي موضوع للعام واستعمل في العام لا يكون هناك مجاز، المجاز ليس في الارادة بل في الاستعمال، " أكرم كل عالم " و " كل " موضوعة للعموم، واستعملته في عموم العلماء واردت بعض العلماء. المستعمل فيه هو الموضوع له نفسه ولذلك كان حقيقة.
 هذا الكلام في العموم وايضا في المطلق والمقيّد نفسه كـ " اكرم العالم العادل "، تقيّد الحالات.
 وملخص كلامه: انه حتى لو قلنا بان التقييد ليس مجازا بل على نحو الحقيقة، وهو يقول بذلك وعليه مشهور المتأخرين وفككوا بين الارادة الاستعمالية والارادة الجديّة. يقول ان النتيجة والاثر واحد، مع العلم ان العرف ينظر للأثر.
 ان العقلاء والعرف ينظرون إلى النتيجة والاثر لا إلى كيفية الاستعمال مثلا: إذا قلت " أنشبت المنيّة اظفارها في زيد " المقصود انه على فراش الموت او مات. التعبير كان بالاستعارة بالكناية، شبهنا المنيّة بالأسد وحذفنا المشبّه به، واثبتنا بعض لوازم المشبه به الأظافر للأسد، وأثبته للمنيّة. كل هذه العمليّة لا يلتفت اليها احد، مع التأمل يمكن ان يلتفت اليها، لكن عمليا عند الناس يقال ان المراد فُهم وهو الموت.
 الناس تهتم بالمراد ولا تهتم بكيفية الإستعمال، ولذلك الشريف المرتضى (ره) عندما قال الاستعمال علامة الحقيقة، كان على خطأ، لأنه في الواقع الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز. السيد المرتضى لم يميّز بين الارادة الاستعمالية والارادة الجديّة لذا ذهب إلى ان مجرد الاستعمال علامة على الحقيقة، ولم يلتفت إلى ان العرف يهتم بالمراد والنتائج والاثار. ولا يهّمه كيف تمّ الاستعمال. ولذا كانت حجيّة الظهور هي عند الشك في المراد. 
 الشيخ الانصاري (ره) ركز على ان  الاثر واحد، إذا ارجعت القيد للمادة لم ألغ اثر قيد الهيئة، بينما إذا ارجعت القيد للهيئة اُلغيَ اثر قيد المادة، فصار يدور الامر بين امرين، الاطلاق في الهيئة اولى من تقيّده، لأن مع إطلاق الهيئة يمكن تقيّد المادة والاصل في الهيئة الاطلاق، فيعود القيد للمادة.
  بعبارة اوضح: إذا قيّدت الهيئة يكون هناك تقييدان، اما إذا قيّدت المادة يكون هناك قيّد واحد، فيهما اولى؟ فإذا دار الامر بين تقييدين وتقيّد واحد، لاشك نقدّم الواحد ولتبقَ الهيئة على اطلاقها.
  غدا ان شاء الله نكمل




[1] ذكر احد تلامذة الشيخ الانصاري (ره) هذين الوجهين في التقريرات. وكأن الشيخ في هذين الوجهين بعد ان اعاد القيد إلى المادة ومحالية رجوع القيد للهيئة، يقول انه لو سلمنا بإمكان عود القيد للهيئة ما هو الارجح في رجوع القيد اليه؟ يُريد ان يستدل على رجوع القيد للمادة بوجهين يذكرهما ترجيحا بعد فرض رجوع القيد للهيئة. .
[2] ملخص الصغرى: انه إذا قيّدت الهيئة رجع الكلام للمادة، أما إذا قيّدت المادة تبقى الهيئة كما هي مطلقة او مقيّدة.
[3] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص 105. .