الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/02/05

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز
-امكان التعليق ثبوتا.
-الاشكال على رجوع القيد للهيئة.
-إشكال عدم القدرة في زمن الوجوب.
  نكمل الكلام في امكان التعليق، أي كلامنا في عالم الثبوت، وكان الاشكال الاول في انفكاك الارادة عن المراد، والايجاب عن الوجوب. وذكرنا أن المعلّق أمر ممكن وإن ذهب بعض الاساطين إلى عدمه نتيجة انفكاك الانشاء عن المنشأ، واوضحنا العلاقة بين التكوينيات والاعتباريّات، كذلك مدى مدخلية الفلسفة في الاصول ومتى لا تدخل. واعطينا صورة لكيفية مطلب التعليق.         
 الإشكال الثاني: يقول في الكفاية: وربما أشكل على المعلق أيضا، بعدم القدرة على المكلف به في حال البعث [1]، مع أنها من الشرائط العامة.
وفيه: إن الشرط إنما هو القدرة على الواجب في زمانه، لا في زمان الايجاب والتكليف [2]، غاية الامر يكون من باب الشرط المتأخر، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه كالمقارن، من غير انخرام للقاعدة العقلية أصلا، فراجع. [3] 
  الاشكال على رجوع القيد للهيئة، أي رجوعه للوجوب:
  يرد الاشكال السابق ايضا في المعلّق في عالم الثبوت والجواب الجواب فلا داعي للإعادة. ويرد اشكالان آخران ذكرهما الشيخ الانصاري (ره):
  الاول: هو أن الهيئة معنى حرفي، والمعنى الحرفي جزئي، والجزئي لا يقيّد.
  بيانه: إن المعاني الحرفية هي من الوضع العام والموضوع له الخاص. فيكون المتصور عاما وهو غير المعنى، والمعنى هو الموضوع له، وانما نستفيد من مسألة الوضع العام في تقنيّة الوضع. فالمعنى وهو الموضوع له خاص حتى ولو كان الوضع عاما، أي هو جزئي. ومع كونه كذلك فلا أفراد له، فكيف يخصص؟
  وجوابه: إن الفرد لا يخصص بحسب الأفراد ولكنّه يقيّد بحسب الأحوال والازمان والظروف الأخرى.
لذلك قالوا في الفرق بين العام والمطلق: السيد الصدر (ره) قال: بان العام بحسب الوضع، والمطلق بحسب مقدّمات الحكم. فلنقل: بان العام هو بحسب الافراد، والمطلق بحسب الاحوال والازمان والظروف. لذلك الفرد مطلق وليس عاما، زيد له حالات: قائم، وقاعد، ونائم، إلى آخره مع انه فرد واحد، ويمكن أن يقيّد، فلا مانع من تقيّد الفرد.
  والوجوب له حالات وله ازمنة، فما المانع من تقيّد الوجوب بحالة معيّنة، كما امكن تقيّد الفرد.         
  وصاحب الكفاية (ره) أجاب بجوابين:
  أحدهما على مبناه من كون الوضع عام والموضوع له عام أي ان الموضوع له امر كلي له افراد فيقبل التقيّد، وهو خلاف المشهور والمتصور. نشير هنا إلى ان صاحب الكفاية (ره) المشهور باختصاره، في هذه المطلب يكرر ويظهر هذا من اجوبته وكلامه: يقول: اما حديث عدم الاطلاق – كلام صاحب الكفاية – في مفاد الهيئة فقد حققنا سابقا أن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما كوضعها واما الخصوصيّة فهي من قبل الاستعمال [4]، كالاسماء وانما الفرق بينهما انها وضعت لتستعمل وتقصد بها المعنى بما هو هو، والحروف وضعت لتستعمل وتقصد بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلّقات، فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى، بل من مشخصات الاستعمال، كما لا يخفى على أولي الدراية والنهى.[5] انتهى
 لكن ذكرنا سابقا أن القيد ليس من شؤون الاستعمال، بل من شؤون المستعمل فيه. ولو كان من شؤون الاستعمال لما كان اللفظ خطأ [6]. بينما هنا يؤدي إلى خطأ لأنك لا تستطيع ان تقول بدل " زيد في الدار " " زيد الظرفية الدار "، لأنه خطأ وليس مجردّ عصيان للآخر.   
  الثاني: أن الأمر ولد مقيّدا، من باب ضيّق فم الركية.
  الاشكال الثاني على رجوع القيد للهيئة: لزوم رجوع القيد إلى المادّة عقلا وتصويره كما جاء في الكفاية: أن القيد المصلحة لا تكون إلا مع الحصة الخاصة من الفعل هي المقيّدة. والذي يعبّر عن الفعل والواجب هو المادة لا الهيئة.
 يقول في الكفاية: وأما لزوم كونه من قيود المادة لبا، فلان العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت إليه، فإما أن يتعلق طلبه به، أو لا يتعلق به طلبه أصلا، لا كلام على الثاني.
وعلى الأول: فإما أن يكون ذاك الشيء موردا لطلبه وأمره مطلقا على اختلاف طوارئه، أو على تقدير خاص، وذلك التقدير، تارة يكون من الأمور الاختيارية، وأخرى لا يكون كذلك، وما كان من الأمور الاختيارية، قد يكون مأخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف، وقد لا يكون كذلك، على اختلاف الأغراض الداعية إلى طلبه والامر به، من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد، والقول بعدم التبعية، كما لا يخفى، هذا موافق لما أفاده بعض الأفاضل المقرر لبحثه بأدنى تفاوت، ولا يخفى ما فيه.
أما حديث عدم الاطلاق في مفاد الهيئة، فقد حققناه سابقا، إن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما كوضعها، وإنما الخصوصية من قبل الاستعمال كالأسماء.  انتهى كلامه رفع الله مقامه. أي أن القيد لا بد من رجوعه إلى المادة أي إلى الفعل.
ويكمل صاحب الكفاية: وأما حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبا ففيه: إن الشيء إذا توجه إليه، وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها، كما يمكن أن يبعث فعلا إليه ويطلبه حالا، لعدم مانع عن طلبه كذلك، يمكن أن يبعث إليه معلقا، ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لأجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله، فلا يصح منه إلا الطلب والبعث معلقا بحصوله، لا مطلقا ولو متعلقا بذاك على التقدير، [7] انتهى
ونِعمَ ما قال صاحب الكفاية (ره) فقد ركّز الجواب على الوجوب، فإن كان هناك مانع من فعليته وتنجيزه فلا بد من تأخيره. ومثال على ذلك: إذا لم يكن المكلّف قادرا على الفعل إلا بعد سنة، والقدرة شرط في التكليف، فيكون التكليف معلّقا على سنة. ولا نرى في ذلك بأسا. وهكذا كل قيد للوجوب حيث يكون المانع من آنيته موجودا. 
غدا ان شاء الله نكمل




[1]  صلّ صلاة الظهر وأنا في الصباح، الصلاة لا تتم إلا بعد الزوال فلا استطيع ان اصليها، اشكل بعدم القدرة. فكيف يمكن التكليف بغير المقدور؟.
[2] من قبيل النذر الذي يشترط في متعلّقه القدرة، لكن القدرة الآن أو في زمن الاستحقاق؟ .
[3] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص103.
[4] أي ان الواضع استعمل هذا حالي وهذا استقلالي.
[5] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص97.
[6] ذكرنا سابقا مثالا على ذلك: سيارة الرولزرايس المستعمل فيه نقل الركاب، وشرط الاستعمال هو النقل الخاص لا العام. فلو استخدمت السيارة في النقل العام لتحقق النقل لكنه عصى الاتفاق مع الشركة، وهذا لا يؤدي إلى خطأ.        .
[7] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص97.