الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/01/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز
تذكير: ان هناك امور بديهيّة وجدانيّة، فلو أتيت بإشكال على أمر وجداني ولم استطع ان اردّه كما ذهب السفسطائيون، حينئذ تكون شبهة مقابل بديهة. القيد ظهورا للهيئة بإجماعهم حتى الشيخ الانصاري (ره) اقرّ بذلك، وهذا الظهور يمكن ان يستثنى مجازا أو خطأ، ولكنه لا يكون دائميا الظهور شيء والمراد شيء آخر، ذكرنا ذلك تفصيلا في الدرس السابق.           
 عدم اشتراط كون المعلّق على أمر غير مقدور، قال في الفصول: إنه ينقسم باعتبار آخر إلى ما يتعلّق وجوبه بالمكلّف، ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له، كالمعرفة، وليسمّ منجزا، وإلى ما يتعلق وجوبه به، ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له، وليسمّ معلقا كالحج، فإن وجوبه يتعلق بالمكلّف من أول زمن الاستطاعة، أو خروج الرفقة، ويتوقف فعله على مجيء وقته، وهو غير مقدور له، والفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو أن التوقف هناك للوجوب، وهنا للفعل. انتهى كلامه رفع مقامه. [1]
  وعند التأمل، لا نجد وجها لتخصيص المعلّق على أمر غير مقدور له. بل يمكن تصور أمر مقدور له، ويكون موردا أو موضوعا، أو متعلّقا للتكليف. وهذا الأمر يدفعنا إلى القول بأن الوجوب المشروط أيضا يمكن أن يكون مشروطا بأمر مقدور، وذلك كوجوب إعادة الحج من قابل لمن أخلّ عمدا بأحد الأركان. فالقيد هنا للوجوب وليس للواجب، فأكون انا قد جعلت القيد للحكم.  
  وبهذا أيضا يظهر إمكان أخذ الزمان معلّقا عليه الفعل، رغم أنه غير مقدور، كاشتراط صحة الظهر بالزوال، حيث علمنا كونه دخيلا في ملاكه. فيمكن ان يتعلق القيد المقدور وغير المقدور بالواجب أو الوجوب ولا مانع من ذلك وليست شرطا.   
  ثم إنه أشكل على تقسيم الواجب إلى المعلّق والمنجز بالمعنى الذي ذكره صاحب الفصل بإشكالات مردودة لا طائل فيها. أنا لا ارى مشكلة في المعلّق والمنجز. 
ومن هذه الاشكالات:
 منها: لزوم التفكيك بين الايجاب والموجب، سنتوقف عنده لما له من الثمار الفقهية، مثلا: في العقود، كما في عدم جواز تعليق عقد النكاح، أو في تعليق الطلاق. 
 منها: أن التعليق يلزمه انفكاك الارادة عن المراد وهو محال في الواقع من باب " كسرته فانكسر ". وكذلك لزوم انفكاك الايجاب عن الواجب.
وجوابه باختصار: أن الارادة كما تتعلق بأمر حالي، تتعلق أيضا بأمر استقبالي، والتفكيك هو بين الشوق إليه وارادته وبين زمن وقوعه، وهذا لا مانع منه، بل هو موجود كثيرا، بل غالبا. مثلا: في عقود البيع في زماننا الشركات العالميّة توقع العقد الآن على أن تكون تبدأ وضعية البيع والاستفادة منها بعد سنة أو أكثر. هل يكون هذا من باب التعليق أو من باب الوعد؟. هذه المسألة عقلية تحتاج للتأمل ولا علاقة لها لا بنص ولا بغيره.    
  ومنها: عدم القدرة على التكليف به حال البعث وكونه استقباليا مع أنها من الشرائط العامّة.
 وفيه: أن شرط التكليف هو القدرة على الواجب في زمانه، لا في زمان الايجاب والتكليف غاية الأمر أنه من باب الشرط المتأخر، وقلنا ان الشرط المتأخر من اقسام شرط الواجب لا الوجوب، أي ليس من اقسام المشروط ولو عبّر بلفظ الشرط. فيكون من اقسام المقيّد وليس من اقسام المشروط.   
 وقد عرفت ان الشرط المتأخر كالمقارن من غير انخرام للقاعدة العقلية أصلا. ومثاله في الفقه: صحة النذر فيما لو كان المنذور غير مقدور عليه حالا، لكنه مقدور عليه في زمانه.
  إلفات: إن اختلاف التعبير غالبا ما يكون في طيّاته اختلاف في المراد. ففرق بين قول: " إذا كان زيد عالما فأكرمه "، وبين: " أكرم زيدا العالم ". وسنتوسع في هذا الالتفات عند دراستنا لمسألة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا دار الأمر بين كون القيد للهيئة أو للمادة. سنصل إلى نتيجة انه يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية على خلاف مشهور المتأخرين.
  غدا ان شاء الله سنتعرض للدواعي وثمرة الكلام، وإذا امكن رجوع القيد للهيئة وامكن رجوعه للمادة، فإذا دار الامر بينهما فايهما اولى، بان نعيد القيد للوجوب أو للواجب؟



[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص 100.