الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: المعلّق والمنجز
   قبل الشروع قلنا أن مقدّمة الواجب مسألة ثمراتها قليلة لكن في طيّاتها فوائد كثيرة، من هنا لن نغوص في تفاصيل الأقوال فيها، ولن نمرّ عليها مرور الكرام.   
  المعلّق والمنجز: وهو من تقسيمات الواجب التي ذهب إليها صاحب الفصول (ره) وقبل بيانه وبيان ثمرته نشير إلى ما ذكرناه من أن تقسيم الواجب إلى مطلق ومشروط إنما كان بلحاظ الجعل والانشاء لا بلحاظ الفعل. وجعل المطلق والمشروط من أقسام الواجب يربك ذهن الطالب، ولو سمّي بالوجوب المطلق والمشروط لكان أولى، حيث ان المطلق والمشروط إنما كانا بلحاظ الواجب لا بلحاظ الفعل، فهما من أقسام الوجوب.
  فكما قسّم الوجوب إلى وجوب عقلي ونقلي، أو إلى وجوب مولوي وإرشادي وإلى وجوب واقعي وامتحاني، أو واقعي وتقيّة، وهكذا فإن الوجوب إما أن يكون مشروطا بشيء، فلا يكون الجعل إلا به، وهذا هو المشروط. وإما أن لا يكون كذلك فهو الوجوب المطلق. مثلا إذا قلت لك:" إذا زالت الشمس فصلِّ " يعني أن وجوب الصلاة مقيّد لا نفس الصلاة الذي هو الفعل. الوجوب هو نفس الحكم، الجعل، الانشاء مقيّد بالزوال، أما " الصلاة " فهي متعلّق الوجوب، " الصلاة " كفعل هي مقيّدة بالوضوء والاستقبال وطهارة الثوب. " الزوال " ليس قيدا للصلاة بل هو قيدٌ لوجوب الصلاة.
بعبارة اخرى: إذا اشترطنا طهارة الثوب في الصلاة فلا علاقة لها في تقسيم الواجب إلى مطلق ومشروط، بينما اشتراط الصلاة بالزوال له علاقة [1].
تارة يكون القيد بلحاظ الوجوب، وتارة يكون بلحاظ نفس الفعل، " إذا زالت الشمس فصلِّ " قيد لوجوب الصلاة، " وإذا اردت الصلاة فتطهر " قيد لفعل الصلاة. ولذا كان تقسيم الواجب إلى مطلق ومشروط تقسيما مجازيا بلحاظ المتعلّق لا بلحاظ نفسه. [2]
  ثم إن صاحب الفصول قسّم الواجب إلى قسمين وذلك بلحاظ الفعل الواجب: معلّق: وهو ما لا يتم الفعل إلا به فيكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا، وما ليس معلّقا على شيء فيكون الوجوب حاليا والواجب كذلك. مثلا: " إذا زالت الشمس فصلِّ " وجوب الصلاة الآن لكن فعل الصلاة بعد الزوال. " إذا صرت في مسجد الكوفة فصلِّ ركعتين ".
  الداعي لهذا التقسيم:
  والظاهر أن الذي دفعه إلى هذا التقسيم هو التخلّص من إشكال المقدمات المفوِّتة. قالوا أنه لا يجوز إهراق الماء قبل الزوال إذا لم يكن لدى المكلّف ماء غيره. رغم أنه قبل الزوال لا يوجد وجوب للصلاة، فلا يوجد وجوب لمقدّمته. فإذا لم تكن المقدّمة واجبة قبل الزوال فلماذا لا يجوز إهراق الماء؟! وفي الحج ايضا وجب السفر للحج قبل اشهر الحج، فإذا كنت في مكان بعيد وتحتاج لثمانية أشهر، يجب عليك الخروج قبل ثمانية اشهر مع ان الحج ليس واجبا في هذه المدّة والسفر مقدّمة للحج.    
 هذا الإشكال في المقدّمات المفوَّته دفع عددا من الأساطين إلى ابتكار بعض النظريات للتخلص منه.
  فذهب الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) إلى رجوع القيد إلى المادة دون الهيئة رغم اعترافه أن ظاهر اللغة هو رجوعه إلى الهيئة. وبذلك يتخلّص برأيه من الاشكال. وباختصار استدل على ذلك بدليلين: الاول: أن " صلِّ " الصيغة معنى حرفي والمعنى الحرفي لا يقيّد. الثاني: لبي، أي عقلا المصالح والمفاسد متعلّقة بالأفعال، النتيجة ان كل القيود ترجع لمصلحة الفعل أي للمادة.
  وقد ذكرنا ذلك ونكرره باختصار: مدلول الهيئة هو الوجوب، ومدلول المادة هو الواجب، أي الفعل، فلو قلت: إذا زالت الشمس فصلِّ. يكون الزوال قيدا لهيئة الأمر " صلِّ " لا لمادة " الصلاة "، وعليه يكون الوجوب مطلقا بخلاف الواجب، ومعه يكون الوجوب قبل الزوال، فيترشح منه وجوب للمقدمة وهي الوضوء، وتكون واجبة قبل الزوال، فلا يجوز إهراق الماء. وايضا في وجوب الحج، فحين صدرت الآية ) وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ([3]  اصبحت مكلفا وصار الموضوع موجودا، فصار وجوب الحج من الآن، أما نفس الحج فحين يأتي زمانه، فيكون يجب عليك الاتيان بالمقدمة، أي السفر من الآن.  
  فائدة: وقد ذكرنا سابقا أن هذا ديدن الشيخ الأعظم (ره) ونمط تفكير له نحن لا نوافق عليه، فهو عندما يعجز عن إشكال على أمر ما يذهب إلى حلّ يكون فيه استحكام الاشكال دليلا على الحل الآخر، مثلا في المقدمات المفوّتة أرجع للقيد إلى المادة لا إلى الهيئة، ومثال آخر: المصلحة السلوكية، وهو يعترف أن الامارات شأنها طريقي وليس موضوعيا، عندما احتار في رد اشكالات ابن قبة، اخترع نظرية المصلحة السلوكية، لانه على القول بالسببية تكون من باب التصويب. وعند القول بالطريقية تؤدي إلى قوة الاشكالات بتفويت المصلحة وغيرها. مع انه في الواقع ليس هناك دليل على وجود هذه المصلحة. وكل ادلته مردودة.
 غدا ان شاء الله نبيّن: مسألة هل يمكن ان يكون الزمان قيدا للواجب كما هو قيد للوجوب؟
 والفرق بن الزمان وغيره ان الزمان أمر غير مقدور وغيره مقدور.


[1] فائدة:. في القضية عندنا: حكم ومتعلّق  وموضوع. مثلا: " اكرم العالم " الوجوب  " أكرم " هو الحكم، والاكرام هو متعلّق الحكم، و" العالم " هو موضوع المتعلّق.   
[2] فائدة:. الفرق بين المجاز والخطأ وكلاهما استعمال اللفظ في غير ما وضع له: في المجاز نحتاج إلى شرطين: علاقة مصححة، وإلى قرينة صارفة. أما في الخطأ فلا نحتاج للشرطين.    .
[3] آل عمران/سوره3، آیه97.