الأستاذ السيد عبدالکریم فضلالله
بحث الأصول
36/12/24
بسم الله الرحمن الرحيم
العنوان: مقدمة الواجب، الشرط المتأخر.
حلّ إشكال انخرام القاعدة العقلية عند صاحب الكفاية (ره).
حلّ الإشكال في شرط الحكم.
حلّ الإشكال في شرط المأمور به.
نعود لكلام الشيخ الآخوند (ره) في حلِّ الإشكال وملخصه: أنه هناك فرق بين شرط الجعل وشرط المأمور به، فشرط الجعل في الحقيقة هو اللحاظات، وشرط المأمور به هو الحصّة. اما شرط الجعل فاللحاظ يكون في نفس زمان الجعل فألاحظ أمرا إما يكن متقدما أو مقارنا أو لاحقا. أما في المأمور به تكون حصّة خاصة مستتبعة بالشرط المتأخر.
يقول الآخوند (ره): والتحقيق في رفع هذا الإشكال أن يقال: إن الموارد التي توهم انخرام القاعدة فيها، لا يخلو إما يكون المتقدم أو المتأخر شرطا للتكليف، أو الوضع، أو المأمور به.[1]
أما الأول [2] : فكون أحدهما شرطا له، ليس إلا أن للحاظه دخل في تكليف الآمر، كالشرط المقارن بعينه [3] ، فكما أن اشتراطه بما يقارنه ليس إلا أن لتصوره دخلا في أمره ، بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الأمر، كذلك المتقدم أو المتأخر.
وبالجملة: حيث كان الأمر من الأفعال الاختيارية [4] ، كان من مبادئه بما هو كذلك تصور الشيء بأطرافه، ليرغب في طلبه والأمر به ، بحيث لولاه لما رغب فيه ولما أراده واختاره، فيسمى كل واحد من هذه الأطراف التي لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته شرطا، لأجل دخل لحاظه في حصوله، كان مقارنا له أو لم يكن كذلك، متقدما أو متأخرا، فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطا، كان فيهما كذلك، فلا إشكال. وكذا الحال في شرائط الوضع [5] مطلقا ولو كان مقارنا، فإن دخل شيء في الحكم به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به، ليس إلا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه، وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده، فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن، فأين انخرام القاعدة العقلية [6] في غير المقارن؟ فتأمل تعرف. [7]
وكمثال على ذلك مع وجود فائدة عقائدية: أقسام العلّة أربعة: الغائية، والتصورية، والمادية، والفاعلية. كما ذكرنا في مثال الأمس بالنسبة لبناء البيت. [8] العلّة الغائية وهي السكن مثلا لا يتحقق إلا بعد تحقق البناء، فهي متأخرة عنه زمنا.
أما شرط المأمور به: كشروط المتعلّق كالصلاة والحج والعقد، إلى آخره.
وأجاب الشيخ الآخوند (ره) عن دفع الإشكال في شرائط المأمور به بما ملخصه: أن المأمور به يؤمر به لو كان حسنا، وينهى عنه إذا كان قبيحا، ومن المعلوم أن الحسن والقبح يكون بحسب الإضافات والاعتبارات، فالفعل الواحد حسن بالنسبة لشيء وقبيح بالنسبة لآخر. مثلا: حسن الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وعند امير المؤمنين علي (ع) وفي مسجد الكوفة والمسجد الجامع، إلى آخره من تضاعف الثواب بينها. وكالضرب فهو حسن بالإضافة للتأديب، وقبيح بالإضافة إلى التشفي، والامثلة كثيرة على ذلك، ولذا كان الضرب المأمور به مثلا على ثلاثة أقسام: قسم حسن وقسم قبيح وقسم لا حسن ولا قبيح. والمأمور به هو القسم الأول، وهو حصة خاصة منه، وهو بالإضافة إلى شيء، ولا مانع أن يكون المضاف إليه متأخرا أو متقدما أو مقارنا. ويكون الشرط عبارة عن قيد وبيان لهذه الحصّة وليس مؤثرا فيها.
لا باس بذكر كلام الشيخ (ره) قبل الذهاب للمختار: وأما الثاني: فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلا ما يحصل لذات المأمور به بالإضافة إليه وجه وعنوان، به يكون حسنا أو متعلقا للغرض، بحيث لولاها لما كان كذلك، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات، مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه، والإضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلا، كما لا يخفى على المتأمل، فكما تكون إضافة شيء إلى مقارن له موجبا لكونه معنونا بعنوان، يكون بذلك العنوان حسنا ومتعلقا للغرض، كذلك إضافته إلى متأخر أو متقدم، بداهة أن الإضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلك أيضا، فلولا حدوث المتأخر في محله، لما كانت للمتقدم تلك الإضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والامر به، كما هو الحال في المقارن أيضا، ولذلك أطلق عليه الشرط مثله، بلا انخرام للقاعدة أصلا، لان المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس إلا طرف الإضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن، وقد حقق في محله أنه بالوجوه والاعتبارات، ومن الواضح أنها تكون بالإضافات.
فمنشأ توهم الإنخرام إطلاق الشرط على المتأخر، وقد عرفت أن إطلاقه عليه فيه، كإطلاقه على المقارن، إنما يكون لأجل كونه طرفا للإضافة الموجبة للوجه، الذي يكون بذاك الوجه مرغوبا ومطلوبا، كما كان في الحكم لأجل دخل تصوره فيه، كدخل تصور سائر الأطراف والحدود، التي لولا لحاظها لما حصل له الرغبة في التكليف، أو لما صح عنده الوضع. وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الاشكال، في بعض فوائدنا، ولم يسبقني إليه أحد فيما أعلم، فافهم واغتنم. [9]
غدا الدرسي أن شاء الله نكمل المختار.