الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/12/23

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب، الشرط المتأخر.
كلام السيد الخوئي(ره): بان الشرط يمكن ان يكون متقدما إلا في العلّة التامة.
  نكمل اشكال السيد الخوئي (ره) على الشيخ (ره) بأن الشروط المتقدّمة موجودة في التكوينيات كثيرا، فما بالك بالشرعيات التي هي اعتبار محض، واستثنى من ذلك العلّة التامة.
 وملخص كلام السيد (ره) ان الشروط تتحقق تدريجيا، وكل الشروط السابقة التي تتحقق تدريجيا تكون سابقة على المشروط زمانا إلا الجزء الأخير الذي يتمم العلّة التامة التي يجب أن تكون مقارنة للمعلول، لان العلل السابقة تكون استعدادية والعلّة التامة هي الموجودة الفعلية، ففعلية المعلول عندما تكتمل اجزاء العلّة من المقتضي إلى المعدّ إلى الشرط إلى عدم المانع، عندما تكتمل هذه الاجزاء تصل إلى فعلية المعلول، أما قبل الاكتمال فهي تؤدي إلى استعداد المعلول، تمام استعداد المقتضي حتى يؤثر أثره.
 إذن السيد الخوئي (ره) وجّه الكلام ولم يردّ على صاحب الكفاية (ره) وان كان التعبير من كلام السيد (ره) عن كلام صاحب الكفاية انه " خاطئ جدا ". فالعلّة التامة لا تكون إلا فعلية، أما اجزاء العلّة الاخرى باعتبار انها استعدادية فيمكن أن تكون متقدّمة، فقط العلّة التامة هي المقارنة.
 بالنتيجة أن كلام السيد الخوئي (ره) نسلم به، لأنه مع القول بأن الشروط منها المتقدم أي المتصرّم زمانا، فكل معلول تكون أجزاء علته متقدّمة إلا العلّة التامة.                 
يقول السيد الخوئي (ره): " ولنأخذ بالنقد عليه، وهو: أن ما جاء به المحقق صاحب الكفاية (قده) من تعميم الإشكال إلى الشرط المتقدم خاطئ جدا، فإن تقدم الشرط على المشروط في التكوينيات غير عزيز فما ظنك في التشريعيات؟
والسبب في ذلك: هو أن مردّ الشرط في طرف الفاعل إلى مصحح فاعليته [1]، كما أن مرده في طرف القابل إلى متمم قابليته. ومن الطبيعي أنه لا مانع من تقدم مثله على المشروط زمانا.
وبكلمة أخرى: أن شأن الشرط إنما هو إعطاء استعداد التأثير للمقتضي في مقتضاه، وليس شأنه التأثير الفعلي فيه حتى لا يمكن تقدمه عليه زمانا [2].
ومن البديهي أنه لا مانع من تقدم ما هو معدّ ومقرب للمعلول إلى حيث يمكن صدوره عن العلة زمنا عليه، ولا تعتبر المقارنة في مثله. نعم، الذي لا يمكن تقدمه على المعلول زمانا هو الجزء الأخير للعلة التامة، وأما سائر أجزائها فلا مانع من ذلك أصلا [3]. ونأخذ لتوضيح ذلك مثالين:
أحدهما: أن غليان الماء خارجا يتوقف على إحراق النار وإيجاد الحرارة فيه على التدريج إلى أن تبلغ درجة خاصة، فإذا وصلت إلى هذه الدرجة تحقق الغليان، فالإحراق شرط له، وهو متقدم عليه زمانا.
ثانيهما: أن القتل يتوقف على فري الأوداج، ثم رفض العروق الدم الموجود فيها إلى الخارج، ثم توقف القلب عن الحركة وبعده يتحقق القتل، ففري الأوداج مع أنه شرط متقدم [4] عليه.
فالنتيجة: أنه لا مانع من تقدم سائر أجزاء العلة التامة على المعلول زمانا، فإن ما لا يمكن تقدمه عليه كذلك هو الجزء الأخير لها.
ومن هنا يظهر: أن التعاصر إنما هو بين العلّة التامة ومعلولها، لا بين كل جزء جزء منها وبينه، فإذا جاز تقدم الشرط على المشروط في التكوينيات جاز في التشريعيات أيضا، بداهة أنه لا مانع من اعتبار الشارع الفعل على ذمة المكلّف مشروطا بشيء متدرج الوجود خارجا على نحو يكون ثبوته في ذمته معاصرا لجزئه الأخير بحيث يستحيل الانفكاك بينهما زمانا، أو يعتبر الوضع كالملكية والزوجية وما شاكلهما كذلك، يعني: مشروطا بشيء متدرج الوجود كالعقد ونحوه.[5]
وعلى الجملة: فلا مانع من تقدم الشرط على المشروط، سواء كان المشروط حكما أو فعلا، وسواء كان الحكم وضعيا أو تكليفيا. وأضف إلى ذلك: أن باب الأحكام الشرعية أجنبي عن باب العلة والمعلول بالكلية، فلا صلة لأحدهما بالآخر أبدا كما سنشير إليه ". انتهى [6] [7]
 بعبارة اخرى: باب العلّة والمعلول عالم التكوينيات باب التأثير والتأثر، أما الشروط فلا دخل لها في التأثير، فعالم الاعتبار عالم آخر يتعلق بالمعتبر، سواء كان الشارع الاقدس أو المشرع العادي. وسنتعرض لبحث مهم وهو: متى يدخل العقل والتكوين في عالم الاعتبار.   
  وفي الحقيقة كلام السيد الخوئي (ره) ليس تخطئة لصاحب الكفاية (ره)، بل توجيه له، حيث إن العلّة على قسمين:
-استعدادية: بمعنى انها تورث استعداد التأثير للمقتضي في مقتضاه. وهذه لا مانع من تقدمها زمانا.
-وفعلية: وهي المؤثرة فعلا، وهذه لا بد أن تكون مقارنة.
  إلى هنا انتهينا من النقطة الأولى، وهي في شمول النزاع للشرط المتقدّم، وننتقل إلى النقطة الثانية وهي الإجابة عن إشكال الشرط المتأخر.
  اجاب المحقق الآخوند (ره) في الكفاية بما حاصله: أن الكلام تارة في شرط الحكم التكليفي والوضعي، واخرى في شرط المأمور به. [8]
  أما شرط الحكم فهو لحاظه عند الجعل لا نفسه، ولحاظ المتأخر لا مشكلة فيه، فكما يلحظ الآمر الشيء الماضي والحاضر، كذلك يمكن أن يلحظ المستقبل،  فحين الجعل وانشاء الحكم يلحظ هذه الأشياء جميعها، ويرى أهميتها في الجعل، فيشترطها، وفي الواقع يكون اللحاظ هو الشرط. [9]
 ولتقريب ذلك: قلنا ان اجزاء العلّة هي المقتضي وعدم المانع والمعد والشرط، ولقد قسموا العلّة إلى أربعة أنواع: العلّة الفاعلية والعلّة الصورية والعلة المادية والعلّة الغائية. مثلا: في انشاء البناء، الفاعل اكون انا الباني، وماديا مواد البناء، والصورية شكل البناء الخريطة، والغائية غايتي من البناء وهو السكن، فلولا الغاية لا يتم البناء، مع ان العلّة الغائية متأخرة وهي ملحوظة ومتصورة فقط، ألاحظ المستقبل الذي هو السكن حتى يتم المغيّا. العلّة الغائية متقدمة لحاظا ومتأخرة فعلا وتحققا. فلا مشكلة كذلك في عالم الجعل ولا مانع منه ابدا.
غدا ان شاء الله نكمل كلام السيد الخوئي (ره).


[1] ذكرت كلام السيد (ره) لأهمية هذه النقط. الفاعل في الإحراق هو المقتضي وهو النار، والنار لا يمكن ان تحرق إلا بتماس الخشب مع النار. هذا ما عبر عنه السيد (ره) بأن مرد الشرط إلى تصحيح فاعلية الفاعل، أي أن المقتضي لا يؤثر اثره إلا بتحقق الشرط. والتتميم بمعنى تفعيل الفاعلية. وفي تمييز اجزاء العلّة قال علماء المعقول ان الشرط مرده إلى تتميم فاعلية الفاعل وقابلية القابل.
[2] قال (ره): انه في التأثير الفعلي لا بد من المقارنة  والتأخر رتبي، كسرته فانكسر، الكسر مؤثر فعلا في الانكسار وهذا ما لا يكون إلا مقارنا ومعاصرا والتأخر رتبي. أما الشرط الاستعدادي وهو ما لا يتم الواجب إلا به وتكون وظيفته تصحيح فاعلية الفاعل وتتميم استعداده، فما المانع من تقديمه.
[3] والسبب في ذلك لان العلّة التامة هي الفعلية التي تتحقق، كما ذكر في المنطق في بحث الموجهات، ومعنى الفعلية هي المحققة. حينها لا يمكن انفكاك العلّة عن المعلول، اما في عالم الاستعداد فلا اشكال في التقدم أو التأخر.
[4] " متقدم "، خبر لفري الاوداج.
[5] وهنا ذكر السيد الخوئي (ره) اعتبار الوضع كالملكية، لان صاحب الكفاية (ره) عندما شرع في حلّ الاشكال ذكر أن هناك حالتين: إما ان يكون شرطا في الجعل تكليفا ووضعا  أو شرطا في المأمور به. ولكل حالة حلها الخاص بها. التكليفي وهو الاوامر والنواهي كالعبادات والوضعي العقود والإيقاعات، و غيرها المعاملات.
[6] محضرات في اصول الفقه، تقرير بحث السيد الخوئي للفياض، ج2، ص 310.
[7] موسوعة الامام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج44، ص126.
[8] وملخص كلامه (ره): أنه في مقام المأمور به الحكم يتعلّق بحصّة، فإما أن يكون المأمور به مشروطا بشرط له حصة مقارنة، أو حصة سابقة، أو حصة لاحقة. وفي مقام الجعل الشرط هو اللحاظ وليس نفس الشيء، وهذا اللحاظ يمكن أن يكون سابقا ومتقدما ومقارنا.
[9] مثلا: في محاضرة للشيخ رفسنجاني بالماء في آخر الثمانيات قال: انه كان القرن العشرون قرن النفط، اما القرن الواحد والعشرون فهو قرن الماء. كان الذي يسيطر على النقط يسيطر على العالم، وفي الواحد والعشرين الذي يسيطر على الماء هو الذي يسيطر على العالم. في ذاك الوقت لم يكن في بال أحد " الماء "، ولكن بعد الدراسة صدرت توجيهات بالاهتمام بالماء، فأنشأوا مئات السدود, هنا الشيخ لاحظ امرا مستقبليا واصدر التوجيهات بالاهتمام بالماء قبل ثلاثين سنة لأمر مستقبلي. فلا مانع من ملاحظته أمرا مستقبليا أو مقارنا أو سابقا. فلا مشكلة في تأخر الشرط عن المشروط في عالم الجعل والتكليف.