الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/12/22

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب، الشرط المتأخر.
اعتبار صاحب الكفاية (ره) أن الإشكال شامل للشرط المتقدّم أيضا، حيث اعتبر أن الشرط لا يكون إلا مقارنا.
 ذكرنا أنه قد ورد في الفقه شروط ظاهرها متقدمة أو مقارنة أو متأخرة.
  فمن الشروط المتقدّمة زمانا الطهارات الثلاث للصلاة، (الغسل، والوضوء، والتيمم) بناء على أن شرط صحة الصلاة هو نفس الأفعال لا أثرُها الباقي المستمر إلى تمامية الصلاة، لأنه مع القول أن الشرط هو الآثار، كالحالة النفسية النورانية التي تحدثها الافعال، تصبح شرطا مقارنا وليس شرطا متقدما.
وفي الوصية التمليكية حيث تحصل ملكية الموصى به بعد الوصية وموت الموصي، وفي بيع الصرف: وهو بيع الأثمان فإن العقد متقدّم والمشروط وهو الملك متأخر بعد القبض، وفي بيع السلم، فالعقد متقدم والملك متأخر.
 ومن الشروط المقارنة في الصلاة استقبال القبلة، وطهارة البدن، واللباس في الصلاة، واشتراط اللغة العربية في صيغة عقد النكاح على القول بذلك.
 ومن الشروط المتأخرة الغسل الليلي للمستحاضة الكبرى وهو شرط لصحة الصوم في النهار السابق – عند بعضهم – فإن المستحاضة الكبرى تحتاج إلى ثلاثة أغسال: واحد قبل صلاة الصبح وآخر قبل الظهرين، والثالث قبل العشاءين، أي بعد انقضاء النهار. والشرط لا يكون متأخرا لعدم إمكان تأثير المعدوم في الموجود، فالشرط وهو الغسل الليلي معدوم في النهار، فكيف يؤثر المعدوم في الموجود السابق وهو الصوم النهاري.  
  وأيضا إجازة بيع الفضولي، ذلك أن البيع لا يتم إلا بشرط إجازة المالك وهي متأخرة عن العقد. بناء على أنها كاشفة لا ناقلة، أي يصبح البيع من حين العقد ثم اتت الاجازة، الاجازة حينئذ تكون شرطا في صحة العقد، وذكرت سابقا أن رضا المالك ليس شرطا في الصحة بل هو شرط في التأثير. 
 وهذه الأقسام الثلاثة موجودة في الفقه، بل لعلّه لا يخلو باب منها سواء في العبادات او المعاملات.
   لكن لما كان المرتكز في الأذهان أن العلّة لا بد أن تكون سابقة على المعلول، أشكل الأمر في الشروط المتأخرة، وكثر الكلام في توجيهها [1]، ومن الواضحات استحالة العلّة المتأخرة تكوينا. وإلا لزم تأثير المعدوم في الموجود، فالعلّة المتأخرة زمانا عن المعلول معدومة حين وجود المعلول، فكيف تؤثر فيه؟!
 هذا هو المرتكز  لكن قاسوا الاعتباري على التكويني، وبعد هذا القياس قالوا كيف يمكن للإعتباريات أن تكون متأخرة عن المشروط وهو المعلول. وقع الاشكال في كيفية معالجة هذه الامثلة الكثيرة، وسنرى أن هذا الاشكال ينسحب حتى على المتقدّم، وهو الذي تصرم زمانا ولكن حين وجود المعلول كان معدوما فكيف أثّر المعدوم في الموجود.  
 هذا الاشكال موجود لن نطيل الكلام فيه، كما لن نطيل الكلام في أبحاث مقدّمة الواجب لنفس المبرّر، لكن لن نمرّ عليه مرور الكرام باعتبار ما له من ثمرات عمليّة ونظرية، والدروس عبارة عن تخريج ما هو ثابت لا نسفه وابطاله، فإجازة الفضولي ثابتة سواء قلنا بالشرط المتأخر وجوازه، ووجهناه عقلا أو لا، فالإجازة للفضولي مصححة للعقد أو لأثره.  
  وقد جعل صاحب الكفاية (ره) الإشكال شاملا للشرط المتقدّم أيضا، حيث اعتبر أن الشرط لا يكون إلا مقارنا.
  يقول (ره): " ومنها: تقسيمها إلى المتقدّم، والمقارن، والمتأخر، بحسب الوجود بالإضافة إلى ذي المقدّمة، وحيث إنها كانت من أجزاء العلة، ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول أشكل الأمر في المقدمة المتأخرة، كالأغسال الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند بعض، والإجازة في صحة العقد على الكشف [2] كذلك، بل في الشرط أو المقتضي المتقدم على المشروط زمانا المتصرم حينه، كالعقد في الوصية والصرف والسلم، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه، لتصرمها حين تأثيره، مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا، فليس إشكال انخرام القاعدة العقلية مختصا بالشرط المتأخر في الشرعيات - كما اشتهر في الألسنة - بل يعم الشرط والمقتضي المتقدمين المتصرمين حين الأثر ".  انتهى [3]
 وملخص كلامه (ره) أن الشرط لا يكون إلا مقارنا، لأن الإشكال كما يأتي في المتأخر يأتي في المتقدّم، والاشكال هو كيف يؤثر المعدوم في الموجود؟.
 وأشكل عليه السيد الخوئي (ره) بأن الشروط المتقدّمة موجودة في التكوينيات كثيرا، فما بالك بالشرعيات التي هي اعتبار محض. واستثنى من ذلك العلّة التامة. يقول (ره): " ولنأخذ بالنقد عليه، وهو: أن ما جاء به المحقق صاحب الكفاية (قده) من تعميم الإشكال إلى الشرط المتقدم خاطئ جدا، فإن تقدم الشرط على المشروط في التكوينيات غير عزيز فما ظنك في التشريعيات؟
والسبب في ذلك: هو أن مردّ الشرط في طرف الفاعل إلى مصحح فاعليته [4]، كما أن مرده في طرف القابل إلى متمم قابليته. ومن الطبيعي أنه لا مانع من تقدم مثله على المشروط زمانا.[5]
  نكتفي بهذا القدر اليوم وقد نوجه كلام السيد (ره) وملخص كلامه: ان الشرط يمكن ان يكون متقدما في غير العلّة التامة، لأنها علّة فعلية، وليست متمما لا لصلاحية الفاعل ولا متمما لقابلية القابل.
غدا نكمل ان شاء الله.


[1] قسموا العلّة إلى اربعة اجزاء: المقتضي وهو النار، والمُعد وهو الخشب، والشرط وهو مسّ النار للخشب، وعدم المانع وهو عدم الرطوبة. ومثلوا لذلك بالنار والإحراق. فالمقتضي يؤثر اثره بشرط، والشرط يتمم فاعلية المقتضي – هذه النقطة ركز عليها السيد الخوئي (ره) – ولا بد من عدم وجود المانع لتأثير المقتضي اثره.
[2] أما بناء على النقل لا يكون مثالا، لان العقد يبدأ من حين اجازة صاحب الملك على القول بالنقل.
[3] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص92.
[4] ذكرت كلام السيد (ره) لأهمية هذه النقط. الفاعل في الإحراق هو المقتضي وهو النار، والنار لا يمكن ان تحرق إلا بتماس الخشب مع النار. هذا ما عبر عنه السيد (ره) بان مرد الشرط إلى تصحيح فاعلية الفاعل، أي ان المقتضي لا يؤثر اثره إلا بتحقق الشرط. والتتميم بمعنى تفعيل الفاعلية.
[5] موسوعة الامام الخوئي، ج44، ص126.