الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب، الشرط المتأخر.
وصلنا بالبحث إلى الشرط المتأخر، وقبل الشروع بالبحث نذكر بما مضى، ونذكر أيضا بأن مباحث المقدّمة مباحث ثمراتها قليلة اجمالا، لأننا نعلم بان المقدمة يجب الاتيان بها عقلا ولا بد من ذلك، بمعنى ان ذي المقدمة لا يتم إلا بها، لذلك كان العنوان عند القدماء: " ما لا يتم الواجب إلا به "[1]. ونحن نبحثها بالحد الوسط لا استغراقا ولا بان نمرّ مرور الكرام لما فيها من الفوائد العلمية.
 نذكر بما وصلنا اليه بأن هذه المسألة، هل هي مسألة أصولية؟ أو فقهية؟ أو لغوية؟ أو كلامية؟ أو من مبادئ الأحكام؟. المعروف أن هذه المسألة أصولية، وبعضهم جعلها كلامية، وبعضهم لغوية كما يفهم من صاحب المعالم.
 ونحن ذهبنا إلى انها مسألة فقهية، لأنها بحثت لأجل معرفة اتصاف المقدمة بالوجوب الشرعي، فأتصاف مسألة بالوجوب مسألة فقهية. لكن عند المتأخرين لما انحصر البحث في أثبات ذلك بثبوت الملازمة بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها، والملازمة ليست حكما شرعيا، بل هي قاعدة تقع كبرى في استنباط الحكم الشرعي اصبحت تدرس في علم الاصول. والبعض جعلها مسألة لغوية كما صاحب المعالم حيث ذهب إلى عدم وجوب المقدمة لعدم الدلالة،  لا بالدلالة المطابقية ولا التضمنية ولا بالالتزامية، كانه جعلها من مباحث الالفاظ، ومن لوازم اللفظ.
 النقطة الثانية التي بحثناها: نوع هذا الوجوب الذي نبحث عنه، ونحن نعلم عقلا انه لا يمكن ان يتم الشيء من دون تمامية ما لا يتم إلا به. فإي وجوب هو محل البحث؟
 وملخصا، الوجوب المبحوث عنه هو الوجوب الشرعي الجعلي المولوي ( مقابل الارشادي ) الغيري ( مقابل النفسي ) الاجمالي الارتكازي، وليس الوجوب العقلي، ولا المجازي، ولا الشرعي التفصيلي.
والنقطة الثالثة: في تقسيمات المقدمة، قالوا أن المقدمة داخليه، وخارجية. الداخلية هي الجزء، والخارجية هي الشرط.
 وفي تقسيمات المقدمة، قلنا ان الجزء ليس واجبا بالوجوب الشرعي الغيري باعتبار ان المقدمة تنبسط على الجميع، ووصلنا إلى ان الجزء ليس واجبا بالوجوب الشرعي الغيري، وما يسمى بالمقدمة الداخلية خارج عن محل البحث.
 النقطة الرابعة: والتي هي محل الكلام، ان الجزء ليس واجبا اصلا، لا بالوجوب النفسي، انحلالا كما قالوا بانه ينحل إلى وجوبات متعددة بتعدد اجزائها، كما في الصلاة التي تنحل إلى وجوب في الركوع والسجود. لكن في الحقيقة ليست كذلك، لان الجزء الذي لا يتجزأ غير موجود، والسجود بنفسه ينحل إلى ما لا نهاية له من الاجزاء, فالنتيجة ان الوجوب النفسي ينحل إلى ما لا نهاية له من مليارات الاجزاء.
 فإذا قلنا بان الجزء الذي لا يتجزأ غير موجود، محال، وان الجزء لا بد ان يكون له جزء إلى ما تستطيع مخيلتك ان تتصوره، فتكون النتيجة أن نفس الركوع يكون له اجزاء غير متناهية، وتكون النتيجة ان الوجوب النفسي ينحل إلى اجزاء غير متناهية، وإلى وجوبات غير متناهية متعددة بتعدد الاجزاء.
  لكن قلنا بان الجزء لا يتصف اصلا لا بالوجوب النفسي انبساطا، بل ايضا ليس بالوجوب الغيري. الجزء ليس واجبا أصلا لا نفسيا ولا غيريا. وسنصل إلى أن المقدمة ليست واجبة أصلا بجميع أشكالها.
 النقطة الخامسة: إن الداخل في محل النزاع هو خصوص مقدمة الوجود [2] ( مقدمة الامتثال أو نفس الفعل ) وفي بعض المعاملات مقدمة التأثير من قبيل الإذن أو الرضا في عقد البيع أو الزواج، وذكرنا امثلته في الدروس السابق، وخروج مقدمة العلم لكونها لتحصيل العلم بالامتثال لا نفس الامتثال، ومقدمة الوجوب للزوم الدور كما ذكرنا عن حريم النزاع.
 النقطة السادسة: شمول النزاع للمقدمة العقلية وهي تشمل الشرعية دون العادية.
 إلى هنا نكون قد لخصنا ما سبق في مقدمة الواجب، ننتقل إلى الشرط المتأخر في تقسيمات المقدّمة.  
   وقع الكلام عند الأصوليين في تفسير بعض الشروط المتأخرة زمانا وليس رتبة كالكسر والانكسار عن المشروط بها.
 لأن الشرط لا يخلو بلحاظ الزمان: إما أن يكون متقدما: بمعنى أن الشرط يوجد وينقضي وجوده قبل زمان المشروط، أو مقارنا، وهو الشرط المعاصر كشرط استقبال القبلة في الصلاة، فهو مقدمة خارجية وليس جزءا. أو متأخرا: وهو الذي حدث وجوده بعد انقضاء وجود المشروط.
  وقد ورد في الفقه شروط ظاهرها متقدمة أو مقارنة أو متأخرة.
  فمن الشروط المتقدّمة زمانا الطهارات الثلاث للصلاة، (الغسل، والوضوء، والتيمم) بناء على أن شرط صحة الصلاة هو نفس الأفعال لا أثرها الباقي إلى تمامية الصلاة، لأنه مع القول أن الشرط هو الآثار، الحالة النفسية النورانية التي حدثت بعد الافعال، تصبح شرطا مقارنا وليس شرطا متقدما.
  غدا ان شاء الله نبين الشروط المقارنة والمتأخرة ونبيّن كلام صاحب الكفاية (ره) في رفض الشروط جميعا إلا الشرط المقارن، ونذكر كلام السيد الخوئي (ره) ومعنى تخطئته لكلام صاحب الكفاية (ره) بل كان في الحقيقة توجيها منه لكلامه، بحيث دخل بالتفصيل لتصحيح الرأي


[1] أجوبة مسائل و رسائل في مختلف فنون المعرفة، ابن ادریس الحلّی، ج1، ص114.
[2] لا بأس بتسميتها بمقدمة الواجب، كالوضوء للصلاة، مقدمة وجوب حكم كالزوال للصلاة، الوضوء للصلاة امر اختياري اما الزوال للصلاة امر غير اختياري، الاستطاعة للحج امر غير اختياري وهي مقدمة للوجوب، وركوب الدابة مقدمة للوجود، إلى آخره. .