الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/07/17

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب، تقسيمات المقدمة.
 ومن تقسيمات المقدّمة تقسيمها إلى عقلية وشرعية وعادية. يقول صاحب كفاية: ومنها: تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية:
 فالعقلية هي ما استحيل واقعا وجود ذي المقدمة بدونه.
 والشرعية على ما قيل: ما استحيل وجوده بدونه شرعا [1]، ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية إلى العقلية، ضرورة أنه لا يكاد يكون مستحيلا ذلك شرعا، إلا إذا أخذ فيه شرطا وقيدا، واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده، يكون عقليا. ( بعبارة اخرى: انه بعد ان بيّن المقدمية صارت عقلية، لان ذي المقدمة يتوقف عليها. نعم التوقف العقلي موجود في العقلية والشرعية، لكن منشأ المقدمية تارة عقلي وتارة شرعي، أي ان التقسيم في المنشأ وليس تقسيما في لزوم الاتيان ).
 وأما العادية، فإن كانت بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب العادة [2]، بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها، إلا أن العادة جرت على الاتيان به بواسطتها، فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية، إلا أنه لا ينبغي توهم دخولها في محل   النزاع [3]، وإن كانت بمعنى أن التوقف عليها وإن كان فعلا واقعيا، كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح، إلا أنه لأجل عدم التمكن من الطيران الممكن عقلا فهي أيضا راجعة إلى العقلية، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلا، وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا، فافهم. [4]
 النتيجة: ان الذي يدخل في محل النزاع ما يتوقف عليه ذو المقدمة عقلا.
 إلى هنا نستطيع أن نلخص ما مضى في نقاط ذكرناها:
  الاولى: هل المسألة  أصولية أو فقهية أو كلامية أو من مبادئ الاحكام أو لغوية؟
 وذهبنا إلى ان المسألة في الأساس فقهية، لأنها بحثت لأجل معرفة اتصاف المقدمة بالوجوب الشرعي، ولما انحصر البحث في إثبات ذلك بثبوت الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها صار البحث فيها أصوليا.
  الثانية: الوجوب المبحوث عنه هو الوجوب الشرعي المولوي الغيري، الجعلي، الاجمالي الإرتكازي، وليس الوجوب العقلي، ولا المجازي، ولا الشرعي التفصيلي.
 الثالثة: في تقسيمات المقدمّة: الجزء ليس واجبا بالوجوب الشرعي الغيري، وما يسمى بالمقدمة الداخلية خارج عن البحث.
 الرابعة: الجزء ليس واجبا أصلا لا بالوجوب النفسي بانحلاله كما يقال، ولا بالوجوب الغيري.
 الخامسة: إن الداخل في محل النزاع هو خصوص مقدمة الوجود وفي بعض المعاملات مقدمة التأثير وذكرنا امثلته في الدرس السابق، وخروج مقدمة العلم ومقدمة الوجوب عن حريم النزاع.
 السادسة: شمول النزاع للمقدمة العقلية وهي تشمل الشرعية دون العادية.
 واخيرا يبقى البحث في تقسيمات المقدمة المتقدمة أو المتأخرة، أو ما يعرف بمسألة الشرط المتأخر.

 والحمد لله رب العالمين. 


[1] كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، لان الصلاة كمفهوم لا تتوقف على الطهارة، وذكرنا سابقا ان الصلاة علاقة خاصة بين العابد والمعبود، ولم نؤيد مسألة اشتراط داعي الأمر للعبادة الذي أدى إلى إشكال من دور وغيره. نعم الشارع طلب الصلاة بالطهارة، لم يطلب نفس المقدّمة ولكنه بيّن العلاقة بين المقدّمة وذيها ولم يوجبها ." يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ " سورة المائدة/6. " فاغسلوا " هنا بيان مقدّمية للصلاة لكنها مقدّمة شرعية، في كل الاديان الكل يصلي بلا طهارة ولكن في الاسلام جاء الشارع وقال: ان الصلاة تحتاج إلى وضوء، كما تدخل الشارع في الاجزاء تدخل ايضا في الكيفية والشرائط. إذن الشارع عندما يطلب مقدمّة لا يأمر بها كأمر غيري شرعي بل يبيّن المقدّمية كما يبيّن شائر الشرائط.          
[2] فائدة: مخالفة العقل أمر محال، اما مخالفة العقلاء أمر قبيح. ومخالفة العادة أمر مستهجن.   .
[3] لان محل النزاع امران: اولا: توقف الشيء على المقدمّة. وثانيا: ان يكون لهما وجودان.   .
[4] كفاية الاصول، الآخوند الخرساني، ص91.