الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/07/10

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب، المقدمة الداخلية.
-وجود المانع عن اتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري.
    ملخص ما مرّ: أن صاحب الكفاية (ره) قال بوجود المانع وهو اجتماع المثلين، واجتماع المثلين محالٌ، وعليه لا يمكن ثبوت الوجوب الغيري للمقدمة، فيكون الجزء خارجا عن محل الكلام لعدم امكانية ثبوت الوجوب الغيري له. إذن المقدمة الداخلية خارجة عن محل الكلام لا يمكن ثبوت الوجوب الغيري لوجود المانع. فانحصر الكلام في المقدمة الخارجية بعد خروج المقدمة الداخلية عن البحث.
 أما إذا قلنا بإمكان ثبوت الوجوب الغيري وعدم المانع كما ذهب اليه بعض الاعاظم، حينئذ يمكن للجزء أن يتصف بالوجوب الغيري فيدخل في محل الكلام، فإذا ثبتت الملازمة التي نبحث عنها بين الوجوب الغيري والوجوب النفسي فقد ثبت الوجوب الغيري للجزء.      
 نعود لما ذكرنا أمس من مثال على ما يمكن أن يدّعى أنه اندكاك علّتين على معلول واحد في عالم الواقع وهو: فرضنا أن إطلاق رصاصة على الرأس تؤدي إلى الموت، واطلقت رصاصتان في آن واحد، فإلى أيهما يستند الموت؟
 قد يقال بتعدد العلّة، وقد يقال بالاندكاك، وقد يقال: تكون العلّة واحدة غير معلومة مرددة بين الاثنين. وقد يقال كل منهما أصبح جزء علّة.
وأما الاخير فالمفروض أن كلا منهما علّة تامة للموت.
 وأما الثالث فهذا لا معنى له في عالم الثبوت، وكلامنا في العلّة ثبوتا.
 واما الاول فقد قالوا بعدم استناد معلول واحد على علّتين فيبقى الثاني وهو الاندكاك. وهذا ايضا فيه اشكال وهو أن المعلول أي الموت له مرتبة واحدة فلا معنى لموت آكد.
 كما قد يقال بوجود اجتماع المثلين في العرف من دون اندكاك، فإنه في القانون المدني قد يحكم على شخص بالسجن بثلاث مؤبدات، وإذا سقط احد العناوين يبقى الآخران مما يدل على عدم الاندكاك.
  النتيجة: هناك مانع من ثبوت الواجب الغيري على الجزء للزوم اجتماع المثلين.
 الثمرة من هذه المسألة: على القول بالاندكاك لا مانع من ثبوت الوجوب الغيري للجزء والجزء يكون واجبا بوجوب جامع بين النفسي المنحل إلى الاجزاء والغيري. وإذا لم نقل بالاندكاك وظلّ كل من الوجوبين على حدة، تكون النتيجة أن اجتماع المثلين محال. 
  يقول السيد الخوئي (ره) في المحاضرات: وقد ادعى بعض الأعاظم قدست أسرارهم ظهور الثمرة بين القول باتصاف
الأجزاء بالوجوب الغيري والقول بعدم اتصافها به في مسألة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين [1]، بدعوى: أنه على القول الأول [2] لا ينحل العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل، وذلك لأن مناط الانحلال هو انطباق المعلوم بالإجمال على المعلوم بالتفصيل على كل تقدير. وبما أن في المقام لا ينطبق كذلك باعتبار أن المعلوم بالإجمال هو الوجوب النفسي والمعلوم بالتفصيل هو الجامع بين الوجوب الغيري والنفسي [3]فلا انحلال في البين.[4]
وعلى القول الثاني [5] ينحل إلى العلم التفصيلي بوجوب نفسي متعلق بذات الأقل - وهي المركب من تسعة أجزاء مثلا - والشك البدوي في اعتبار أمر زائد، وعندئذ فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الزائد. [6]
ملخص ما مرّ: أن الثمرة في ثبوت الوجوب الغيري في الجزء، هي على القول بعدم الاتصاف نذهب إلى البراءة، وإذا قلنا بالاتصاف لا نذهب إلى البراءة بل إلى الاحتياط. أي في عدم الاتصاف ينحل العلم الاجمالي، ومناط الانحلال هو ان المعلوم اجمالا ينطبق على القدر المتيقن فيبقى الباقي تحت الشك.    
ردّ السيد الخوئي (ره): وغير خفي أن ما أفاده (قدس سره) خاطئ جدا، والسبب في ذلك: هو أن انحلال العلم الإجمالي وعدمه في تلك المسألة يرتكزان على نقطة أخرى ( غير مسألة الانطباق )، وهي: جريان أصالة البراءة عن وجوب الزائد وعدم جريانها، ولا صلة لها باتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري وعدم اتصافها به.
وإن شئت قلت: إن الأمر بالمركب إذا لم يكن أمرا بالأجزاء فلا موجب للانحلال، وإن كان الأمر به عين الأمر بالأجزاء - كما هو كذلك - تعين القول بالانحلال بناء على ما حققناه في مورده من عدم المانع من جريان أصالة البراءة عن وجوب الزائد، وعلى كلا التقديرين لا فرق بين القول بوجوب الأجزاء غيريا والقول بعدمه. [7]
 ونتيجة ما ذكره أن المقدمة الداخلية خارجة عن محل الكلام. ذلك أن محور ما قاله بعض الاعاظم: أنه إذا انطبق العنوان على القدر المتيقن ينحل العلم الاجمالي، بناء على عدم الاتصاف ينطبق لانه يكون هناك وجوب واحد وهو الوجوب النفسي المنحل إلى وجوبات بعدد الاجزاء، انحل إلى قدر متيقن في الاجزاء المتيقنة وشك بدوي في الاجزاء المشكولة. وبناء على الاتصاف لا ينطبق، لانه اصبح هناك وجوب آخر مولود جديد جامع أكيد وهو الناتج من اندكاك الوجوب الغيري بالوجوب النفسي في الجزء، وهذا الناتج لم يعلم ثبوته، وعليه نقول بالاحتياط.
  غدا ان شاء الله نكمل رد السيد الخوئي (ره) ونوضح النقد على كلامه.




[1] للتذكير: مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين تجري في العبادات عند الشك في جزء أو شرط أو مانع في عبادة والاصل العملي حينئذ هو البراءة أو الاحتياط. أما في المعاملات فالأصل العملي حينئذ هو الفساد. وموضوع مسألة الأقل والأكثر الارتباطيان هو: كلما دار الامر بين أقل وأكثر في عبادة مترابطين وليس استقلاليين.
 وللتفريق بين الاستقلاليين والارتباطيين: في الاستقلاليين إذا فعلت الجزء اكون قد امتثلت في جزء، لانه واجب بوجوب مستقل من قبيل صوم شهر رمضان، لان كل يوم له وجوب مستقل، فلو صمت يوما يصح ذلك اليوم، لان الشهر انحل إلى ثلاثين وجوبا مستقلا. بينما في الارتباطيين كالصلاة، صلاة الظهر اربع ركعات، إذا صليت ركعة واحدة فقط لا اكون قد اديت شيئا من الصلاة.
  تذكير: ما الفرق بين مسألة الصحيح والاعم ومسألة الأقل والأكثر الارتباطيين: بعبارة اخرى: ما الفرق بين جريان الاطلاق في الصحيح والاعم، وجريان البراءة في الأقل والاكثر. مع العلم ان الموضوع هو نفسه كالصلاة، تبحث مسألة الصحيح والاعم في الكفاية في الجزء الاول، إذا دار الامر في الصلاة بين عشرة اجزاء أو احد عشر جزءا، بينما الأقل والاكثر الارتباطيين ندرسها في الجزء الثاني أو في الرسائل في الاصول العمليّة.
 والفرق: أن مسألة الصحيح والاعم مسألة الفاظ، مسألة جريان الاطلاق وعدمه، والاطلاق امارة. اما الاقل والاكثر الارتباطيين فمسألة من مسائل الاصول العمليّة. والاصول العملية في آخر سلم الاستنباط. هاتان المسالتان موضوعهما في كل ما نشك في ثبوت الحكم له، في الصحيح والاعم تشمل العبادات والمعاملات، فإذا ثبت العنوان اطرد حينئذ الجزء المشكوك بأصالة الاطلاق وهذا من المسائل اللفظية. فإذا لم اصل إلى نتيجة في الالفاظ انتقل للأصل العملي الذي هو البراءة عن الجزء المشكوك فلا يجب الاتيان به، أو الاحتياط بوجوب الاتيان بالجزء.
 وهناك مناط واحد في مسألة الأقل والاكثر الارتباطيين والاستقلالين إذا تم ذهبنا إلى البراءة وإذا لم يتم ذهبنا إلى الاحتياط وهو: أن القدر المتيقّن يصدق عليه العنوان المعلوم اجمالا، فينحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي، وإلا فاحتياط. بعبارة اخرى: إذا انحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي، ففي العلم التفصيلي يكون منجزا، وفي الشك البدوي أصل البراءة في الجزء المشكوك.
وكمثال على الأقل والأكثر الاستقلاليين: المثل المشهور عند صاحب الرسائل الشيخ الانصاري (ره): وجود عشر شياة واعلم ان بعضها محرّم غير مزكّى ولا اعلم العدد. للوهلة الاولى العقل يحكم بالاحتياط بتجنب الجميع وان الكل حرام. لكن إذا علمة بعد ذلك ان هناك ثلاثة منها على نحو التفصيل قطعا محرمات. انحل العلم الاجمال إلى علم تفصيلي بحرمة ثلاثة بعينها وشك بدوي بالباقيات، لا علم لنا بالحرام الفعلي فيها، ومع الشك البدوي تجري قاعدة " كل شيء لك حلال حتى تعلمه بعينه ". ولذلك اجماعا عند كل الفقهاء والاصوليين، العلم الاجمالي في الأقل والأكثر الاستقلاليين ينحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي، وفي الشك البدوي الاصل البراءة.
فإذن محور الحل إذا كان المعلوم اجمالا انطبق على القدر المتيقن ينحل إلى علم تفصيلي وشك بدوي، وإذا لم ينطبق على القدر المتيقن لا ينحل ويبقى مترابطا.
[2] اتصاف الاجزاء بالوجوب الغيري على الجزء. .
[3] نذكر هنا بمسألة الاندكاك حتى نخرج من مسألة خطر اجتماع المثلين، وجوبان اندكا في وجوب واحد، المعلوم بالاجمال هو الوجوب النفسي، والمعلوم بالتفصيل الثابت للجزء هو الوجوب الجامع الاكيد هذا  الوجوب مولود جديد، فلا يكون هو نفسه فلا مثلية في البين.     .
[4] لان مناط الانحلال هو ثبوت المعلوم بالاجمال على القدر المتيقن وهو الاقل المتيقن. وهنا المعلوم بالاجمال ليس ثابتا في الجزء، بل الثابت هو المولود الجديد، الوجوب الآخر، الوجوب المندك من الوجوبين، هذا ما ذهب اليه السيد الخوئي (ره) وغيره، (وان كنا لم نوافقه في ذلك). وعليه فلا انحلال في البين.     .
[5] وهو عدم الاتصاف بالوجوب الغيري. .
[6]  وكأن مسألة الأقل والاكثر الارتباطيين في هذه المسألة انحلت بعد التأمل إلى استقلاليين، والذي يقول بالبراءة هناك يقول بها هنا ايضا، فصار علما تفصيليا  بالأقل وشكا بدوي بالزائد، وعليه تجري البراءة.    .
[7] محاضرات في اصول الفقه، السيد الخوئي، ج2، ص301.