الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مقدمة الواجب.
-تقسيمات المقدمة.
-الفرق بين الجزء والشرط.
  نعم لما صار ثبوت الوجوب المقدّمة في أبحاث العلماء دائر مدار ثبوت الملازمة وعدمه، ومن المعلوم أن ثبوت الملازمة ليس مسألة فقهية، بل تقع في طريق استنباط المسألة الفقهية مباشرة، صارت هذه المسألة تدرس في علم الأصول، وهذا الذي يمكن ان يصحح الكلام في المسألة.
 ولكن كما ذكرنا: الدليل شيء والمستدل عليه شيء آخر. إن بحثنا نفس وجوب المقدَّمة فهي فقهية، وان بحثنا الملازمة فهي أصولية حتى ولو انحصر دليل المقدّمة بالملازمة.   
  النقطة الثالثة: تقسيمات المقدمة:
  التقسيم الأول: تقسيمها إلى داخلية وخارجية.
  يقول صاحب الكفاية (ره) ص99:  الأمر الثاني: إنه ربما [1] تقسم المقدمة إلى تقسيمات:
منها: تقسيمها إلى داخلية وهي الأجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها، والخارجية وهي الأمور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه ( كالشروط وغيرها ).
وربما يشكل في كون الأجزاء مقدمة له وسابقة عليه، بأن المركب ليس إلا نفس الأجزاء بأسرها.
والحل: إن المقدمة هي نفس الأجزاء بالأسر، وذو المقدمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع، فيحصل المغايرة بينهما، وبذلك ظهر أنه لابد في اعتبار الجزئية أخذ الشيء بلا شرط [2]، كما لابد في اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع. [3]
 ملخصه: أن المقدّمة هي نفس الأجزاء لا بشرط، وذو المقدّمة هو الأجزاء بشرط الاجتماع.
   ثم فرق صاحب الكفاية (ره) بين الهيولي والصورة من جهة [4]، والجنس والفصل من جهة أخرى، فالأولى هي أجزاء خارجية، والثانية هي أجزاء تحليلية عقلية.
  الفرق بين الجزء والشرط.
  لا شك ولا ريب في وجود فرق بينهما وذلك لتبادر الذهن عند إطلاق لفظ كليهما إلى معنيين مختلفين [5]، ولكن ما الفرق بينهما:
  ذكر الشيخ النائيني (ره) أن وجود القيد يعني وجود مركب مؤلف من ثلاثة أمور: مقيّد وقيد وتقيّد. فإن دخل القيد والتقيّد في المركب فهو جزء، وإن دخل التقيّد دون القيد فهو شرط.
  يقول السيد الخوئي (ره) في المحاضرات: في تقسيمات المقدمة. فقد ذكروا للمقدمة تقسيمات متعددة:
الأول: تقسيمها باعتبار دخولها في المأمور به قيدا وتقيدا، وعدم دخولها فيه كذلك إلى أصناف ثلاثة:
1 - المقدمة الداخلية، وهي أجزاء المأمور به التي هي داخلة في حقيقته تقيدا وقيدا، فإن الجزء كما هو بنفسه دخيل في حقيقته ومقوم لواقعه الموضوعي كذلك تقيده بسائر أجزائه ...، وهكذا، مثلا: القراءة كما أنها بنفسها دخيلة في حقيقة الصلاة كذلك تقيدها بكونها مسبوقة بالتكبيرة وملحوقة بالركوع دخيلة فيها.
2 - المقدمة الخارجية بالمعنى الأعم، وقد يطلق عليها " المقدمة الداخلية بالمعنى الأعم " أيضا، وهي التي تكون خارجة عن المأمور به قيدا وداخلة فيه تقيدا، وذلك كشرائط المأمور به مثل: طهارة البدن للصلاة، وطهارة الثوب، واستقبال القبلة، والطهارة من الحدث، وما شاكل ذلك فإنها وإن كانت خارجة عن ذات الصلاة وحقيقتها قيدا ولكنها داخلة فيها تقيدا، يعني: أن المأمور به هو حصة خاصة من الصلاة، وهي الصلاة المتقيدة بتلك الشرائط لا مطلقا.
وإن شئت قلت: إن ما تعلق به الأمر إنما هو نفس أجزاء المأمور به مقيدة بعدة شرائط وقيود وجودية أو عدمية، وأما نفس الشرائط والقيود فهي خارجة عن متعلقه.
ومن هنا يظهر: أن ما أفاده شيخنا الأستاذ (قدس سره) من أن الأمر كما ينبسط على الأجزاء كذلك ينبسط على القيود والشرائط فلا فرق بينهما من هذه الناحية، خاطئ جدا، ولا واقع موضوعي له أبدا، لما عرفت من أن القيود بشتى ألوانها خارجة عن المأمور به، والداخل فيه إنما هو التقيد بها، فلو كانت داخلة فيه لم يكن فرق بينها وبين الأجزاء أصلا، مع أن الفرق بينهما من الواضحات، وإلا فما هو الموجب لتسمية هذا بالقيد وذاك بالجزء.
(هذا ما نسلم به من أن هناك فرقا بين الجزء والشرط بالوجدان بدليل التبادر والمعنى المنسبق إلى الذهن، ولو كانت الاجزاء كالشرائط في انبساط الامر صارت كلها مقدمة داخلية بالمعنى الاعم).   
3 - المقدمة الخارجية بالمعنى الأخص، وهي التي غير دخيلة في الواجب لا قيدا ولا تقيدا، وإنما يتوقف وجوده في الخارج على وجودها كتوقف وجود الصلاة خارجا على وجود مكان ما ( وجود الظرف )، وتوقف الكون في كربلاء - مثلا - على طي المسافة . . . وهكذا.
وبعد ذلك نقول: لا إشكال في دخول الصنف الثاني من تلك الأصناف في محل النزاع، وكذا الصنف الثالث. وإنما الإشكال والكلام في دخول الصنف الأول ( الاجزاء [6]) وعدم دخوله، والكلام فيه يقع من جهات:
الأولى: في صلاحية الأجزاء للاتصاف بالمقدميّة وعدمها.
الثانية: على تقدير صلاحيتها للاتصاف بها هل المقتضي لاتصافها بالوجوب الغيري موجود أم لا؟
الثالثة: على تقدير ثبوت المقتضي له هل هنا مانع عن اتصافها به أم لا؟  [7]
 ملخصا قبل الجواب ستستعرض أمور: اولا: هل هناك وجوب مقدمي شرعي أو لا؟ ثانيا: هل هناك وجوب آخر غير وجوب ذي المقدّمة؟ ثالثاك هل اختلاف اللحاظ يؤدي إلى اختلاف عناوين تكون موضوعة لأحكام؟  قلنا ان الفرق بين الكل والجزء هو باختلاف اللحاظ، والمركب هو الاجزاء بشرط الاجتماع، والجزء هو الجزء لا بشرط. هذا الاختلاف باللحاظ هل يؤدي إلى اختلاف الاحكام؟
 سنقول: أن اختلاف اللحاظ لا يؤدي إلى اختلاف الاحكام، والسبب أن اللحاظ ليس عنوانا لموضوع الحكم. بعبارة اخرى: هل هو مثل اجتماع الامر والنهي في واحد؟ عنوانان اجتمعا في معنون واحد، فلا مانع من اجتماع حكمين. هل هذا هنا من هذا القبيل؟ هل اجتماع اللحاظين يؤدي إلى اجتماع عنوانين او لا؟
 إذا قلنا بان اجتماع اللحاظين يؤدي إلى اجتماع عنوانين، أي موضوعين لحكم من الاحكام، نعم اصبح حكم المقدمة يختلف عن حكم المركب. اما أذا كان اجتماع اللحاظين لا يعني ابدا اجتماع عنوانين، ليس موضوعا لحكم، فلا يزال عندنا الا حكم واحد.
      غدا ان شاء الله نكمل ونبيّن هذه المسألة موضّحة.





[1]  في قوله " ربما " لعلّه اشارة إلى عدم رضاه عن هذا التقسيم. .
[2] في المنطق الاشياء تأخذ: إما بشرط شيء، أو بشرط لا، أو بلا شرط.  .
[3] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص89.
[4] تذكير: الأجزاء على نوعين: الأجزاء الخارجية، والأجزاء التحليلية. الخارجية عبرّ عنها بالهيولي والصورة، مثلا: التمثال مكون من الجص وهي المادة والهيولي، والشكل هو الصورة. وكلاهما له وجود حقيقي. وذكرنا ان الأمور على اربعة اقسام: الجوهر، والعرض: وهما امران متأصلان في الخارج ولا يوجد احدهما من دون الآخر. والاعتباري، والانتزاعي: والانتزاعي له منشأ انتزاع في الخارج، والاعتباري مجرد اعتبار محض لا وجود له في الخارج. والاجزاء التحليلة المراد منها العقلية، مثلا: الانسان جنس وفصل، هذان الجزءان تحليليان. .
[5] استطراد:. ان تحقيق معنى الجزء والشرط لا ينفعنا في نفس الاحكام الشرعية لأنه لم يرد لا كلمة جزء ولا شرط في النصوص. ونهتم في التحقيق في معنى لفظ ان ورد في النصوص، لان الاحكام تابعة لعناوينها فنحتاج للبحث عن المعنى. ومع عدم وجود اللفظ في نص شرعي نبحث معنى النص لنفهم كلام الفقهاء، مثلا: نكاح المعاطاة غير موجود في النصوص، وكلمة " الريبة " في مسألة النظر إلى الاجنبية. اما كلمة " فقاع " فنبحثها إذا لم يكن معناها واضحا، ما هو الفقاع؟ هل هو كل ماء شعير، او خصوص ما يتفقع منه، أو ما يبقى بعد الفقع؟ ابحث معنى هذا اللفظ لأنه ورد في النصوص ويترتب عليه حكم شرعي. وانما نبحث هنا معنى الجزء والشرط لنعلم في عالم الثبوت ماذا تقتضي طبيعة القيد.        
[6] بعبارة اخرى: هل للجزء امران: امر بالمركب كمركب، وامر به كمقدّمة. أو هل يتصف الجزء بوجوبين: وجوب غيري، ووجوب نفسي، وهناك ثمرة لها الكلام سنبينها في آخر البحث.       .
[7] محاضرات في الاصول، السيد الخوئي، ج2،ص296.