الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: الإجزاء
-جواب السيد الخوئي (ره) على المحقق النائيني (ره).
-ذكر المسائل والقواعد وما ذهبنا إليه في نقاط. 
نعود لكلام السيد الخوئي (ره) الذي نقله عن المحقق الميرزا النائيني (ره) وننقله لما فيه من فوائد. المحقق النائيني قال بالاجزاء في العبادات، وفي المعاملات أن كانت الموضوعات موجودة فلا إجزاء أما مع انتفائها فقد ذهب إلى الإجزاء.      
 وملخص ردّ السيد الخوئي (ره) أنه لا يوافق المحقق النائيني لا في العبادات ولا المعاملات مطلقا، نعم يوافقه في عدم الإجزاء في المعاملات مع بقاء الموضوع.
 يقول (قده): ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قدس سره): بيانه: أما ما ذكره من دعوى الإجماع على الإجزاء في العبادات ففي غاية الإشكال (الاشكال في نفس دعوى الإجماع بغض النظر عن سببها، لكن نفس دعوى الاجماع الذي يستكشف منه أولا رأي المعصوم، ويجب أن يكون إجماع القريبين من عصر الائمة (ع) حتى يستكشف منه الرأي، رأي الإمام (ع) ويمكن القول بوجود أدلة عليه كانت عندهم وخفيت علينا وهم يعرفونها ونحن لا نعرفها. نعم بناء على قاعدة اللطف في استكشاف رأي المعصوم (ع) من الإجماع كما ذهب إليه الشيخ الطوسي (ره) وغيره يكشف بإجماع أهل عصر واحد وأن لم يكن قريبا من عصر المعصوم (ع)، مثلا: في مسألة طفل الانبوب الحديثة لو أجمع علماء هذا العصر على حرمتها، هذا الاجماع لا قيمة له عند الجميع إلا عند الشيخ الطوسي باعتبار انه بقاعدة اللطف إذا اجمع أهل عصر واحد يستكشف منه رأي المعصوم، وأنه لا بد للمعصوم أن يتدخلّ لإيجاد الحكم الواقعي ولو من شخص واحد).           
يكمل السيد (ره): والسبب في ذلك: هو أن هذه المسألة - يعني: مسألة الإجزاء - ليست من المسائل الأصولية المعنونة في كتب القدماء، بل هي من المسائل المستحدثة بين المتأخرين ( ككتاب المعالم الذي لم يذكر مسألة الاجزاء كليا مع انه من الكتب المتأخرة نسبيا. هذه النقطة نتوقف عندها، نعم هذه المسألة لم تعنون بذاتها لكن تطبيقاتها كانت مطروحة كما في مسألة الإعادة والقضاء، وهذا يكفي، نعم إذا كانت دعوى المحقق النائيني عدم تشكيل عنوان يدرس ويكون معتقدا للإجماع فهذا صحيح)، ومع هذا كيف يمكن لنا دعوى الإجماع فيها؟
وأضف إلى ذلك: أن جماعة كثيرة من الأصوليين ذهبوا إلى عدم الإجزاء فيها.
فالنتيجة: أن دعوى الإجماع على الإجزاء فيها خاطئة جدا (أولا: مرفوضة صغرى أي نفس الدعوى بالإجماع غير صحيحة. وثانيا: أن هذا الإجماع ليس من الإجماع الذي هو حجّة وهو القريب من عصر المعصوم) . على أنه إجماع منقول، وهو غير حجة كما قرر في محله.
 (وملخصا السيد الخوئي (ره) يكمل أنه لا فرق بين العبادات والمعاملات أي الاحكام الوضعية، فعدم الإجزاء واحد، كل ما في الأمر أنه مع انتفاء الموضوع يضمن، وانتفاء الموضوع وبقائه فرق غير فارق).   
كلام السيد الخوئي: وأما ما ذكره (قدس سره) بالإضافة إلى القسم الأول من الأحكام الوضعية فمتين جدا وإن سلمنا الإجماع على الإجزاء في العبادات. وأما ما ذكره (قدس سره) من التردد في القسم الثاني فلا وجه له، لوضوح أنه لا فرق بين القسم الأول والثاني من هذه الناحية أصلا، غاية الأمر إذا لم يبق الموضوع دفع إلى صاحبه بدله إذا كان له بدل، كما إذا اشترى مالا بالمعاطاة فتلف المال ثم بنى على فسادها اجتهادا أو تقليدا ضمن بدله. وعلى الجملة: فلا فرق بين القسمين في عدم الإجزاء أصلا. [1]     
   إلى هنا نكون قد بحثنا مسألة الإجزاء بفروعها، ونلخص ما وصلنا إليه في نقاط:
النقطة الاولى: إن المدار في الإجزاء وعدمه على أمرين:
 الأول: سقوط الحكم الواقعي الأولي، والثاني: استيفاء المصلحة. فإذا تمّ أحدهما فلا بد من القول بالإجزاء، وإلا فلا. وعليه فالأصل عدم الإجزاء مع عدم ثبوت أحدهما إلا ما قام الدليل على خلافه.
 النقطة الثانية: أن الأصل هو عدم الاجزاء ولعلّ كل الفقهاء يقول به ويقولون بأن الإجزاء هو الذي يحتاج إلى دليل، فمن قال بالإجزاء استدل على الاجزاء. السيد السبزواري (ره) الذي قال بالإجزاء أتى بالدليل عليه وهو إطلاق الادلّة، وإطلاق الأدلة يكون مقدّما على أصالة عدم الإجزاء. بعبارة أخرى: الأصل عدم الاجزاء والذي يقول بالاجزاء هو الذي يحتاج إلى دليل، وهذا الدليل مقدّم على الأصالة.         
 النقطة الثالثة: فرق بين هذه المسألة ومسألة المرّة والتكرار ومسألة تبعية الاداء للقضاء.
النقطة الرابعة: بحث بالإجزاء وعدمه، تارة عن أمر نفسه وتارة عن الأمر الاضطراري وتارة في الظاهري وتارة في القطعي.
النقطة الخامسة: لا شك في الإجزاء عند الإتيان بالمأمور عن أمر نفسه: وفي هذه النقطة تتفرع مسألة صحة الامتثال
بعد الامتثال وعدمها؟
وقد ذهبنا فيها إلى عدم جواز الامتثال بعد الامتثال عقلا لسقوط الأمر بالامتثال الاول، نعم ذهبنا إلى جواز الاتيان بفرد آخر مع مزيّة فيه شرعا أو عرفا، كما في روايات إعادة الصلاة جماعة إذا أقيمت بعد أن صلاها فرادى.
النقطة السادسة: إجزاء الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن المأمور به الواقعي الاختياري لإطلاق الأدلة. وفيه فرع وهو: جواز البدار وعدمه. وذهبنا فيها إلى عدم جوازه مع احتمال العذر، للروايات ولعدم صدق الاضطرار.
النقطة السابعة: في المأمور به في الظاهري، ذهبنا إلى عدم الاجزاء في الأمارات والاصول على القول بالطريقية، والاجزاء على القول بالسببية.
 النقطة الثامنة: ذهبنا إلى طريقية الأمارات لأنها مجرّد كاشف محض ولا تنشأ أي مصلحة لا في المؤدى ولا ما يمكن توهمه في السلوك في المصلحة السلوكية. وللتذكير: ذكرنا أنه ليس عند الشارع المقدّس حجج تأسيسية بل كلها موجودة عند العقلاء إمضائية امضاها الشارع، كقاعدة الفراغ والتجاوز والقواعد العامة كقاعدة يد المسلمين والقرعة، وقد يتدخل الشارع في بعض مجرياتها، متى تجري ومتى لا تجري كخبر الواحد الذي أخذه العقلاء حجّة في الموثوق أو الثقة على خلاف، تدخل الشارع ومنع حجية بعض افراده مثلا. ومسألة الاستصحاب عند العقلاء موجودة حتى ان بعضهم استدل بها عقلا، وقال حتى أن كل ذي روح كالطيور ترجع إلى اكنانها. نعم أخذها الشارع وأقر منها جانب الأصل وترك جانب الكشف، لذلك بعضهم قال أن الاستصحاب يقدّم على بقيّة الاصول العملية.
  النقطة التاسعة: ذهب صاحب الكفاية (ره) إلى عدم الاجزاء في الامارات وإلى الاجزاء في الاصول المنقّحة لموضوع التكليف لأنها من باب توسيع دائرة الشرط فتشمل الشرط الواقعي والمشكوك. لكننا لم نوافقه على ذلك.
 النقطة العاشرة: لا إجزاء في الاتيان في الحكم المقطوع به الاعتقادي على الحكم الواقعي عند تبيّن الخطأ.
 النقطة الحادية عشر: لا اجزاء عند تبدل رأي المجتهد إذا تبيّن أن الرأي الاول مبني على تخيل لا واقع له.
 النقطة الثانية عشر: لا فرق في الإجزاء وعدمه بين المجتهد والمقلّد، والفرق بين الرواية والفتوى من جهة أن الرواية كاشفة عن حسّ والفتوى حدس لا أثر له هنا، حيث الاخذ بالفتوى لا يؤدي إلى جعل مصلحة في المؤدّى بل كلاهما كاشف عن واقع.
 النقطة الثالثة عشر: لا نفوذ لرأي أحد على أحد ولا طائفة على طائفة إلا ما ثبت بدليل وقد استثني منه بالدليل باب النكاح والطلاق، وادعي استثناء باب الطهارة والنجاسة إلا أنه لم يثبت.
إلى هنا نكون قد انتهينا من مبحث الإجزاء


[1] محاضرات في اصول الفقه، السيد ابو القاسم الخوئي، ج2، ص 289.