الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

36/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجزاء
  قلنا أن الأصل عدم نفوذ أي فئة على فئة أخرى وعدم الاجزاء، ولكن ذكروا استثناء بابي الزواج والطلاق وادعي استثناء بابي الطهارة والنجاسة بالأدلة التي ذكرناها.
 نعود لبيان الاحتمال الأخير في مبرِّرات سيرة المتشرعة بمخالطة المخالفين رغم اختلافهم ببعض شرائط التطهير، وكذا مخالطة المستهترين بالنجاسة وهو: البناء على عدم نجاسة ملاقي المتنجس [1] في غير المايعات، كما نقل عن المحقق الهمداني (ره) الميل إليه حيث قال: لو بُني على تنجيس المتنجس مطلقا لزم تنجيس العالم كله، حيث إن النجاسة تسري دون الطهارة. ومع ذلك لم يُفتِ به حيث قال: إن مخالفة المشهور أشكل.
 وهناك رواية تؤيد كلام المحقق الهمداني، في الوسائل: ح2 – (محمد بن يعقوب) وعن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن الحجال (عبد الله بن محمد، ثقة)، عن ثعلبة (بن ميمون، جليل ممدوح)، عن حفص الأعور [2] قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الدّن يكون فيه الخمر ثم يجفف، يجعل فيه الخل؟ قال: نعم. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب [3]، وكذا الذي قبله قال الشيخ: المراد به إذا جفف بعد أن يغسل ثلاثا.[4]  وقول الشيخ (ره) جمع تبرعي لا دليل عليه.
 المحقق الهمداني مال إلى ان غير المايعات لا ينجس وقال: إن مخالفة المشهور أشكل. أي ترك المشهور مشكل ولكن العمل على خلافه أشكل. والظاهر أنه كذلك فالعمل بالمشهور بلا دليل، لكن مخالفة الشهرة القريبة من عصر الائمة (ع) اصعب. وهذا الكلام يجري على الاجماع أيضا.
 النتيجة: وهي أن ادعاء استثناء بابي الطهارة والنجاسة من قاعدة عدم نفوذ رأي فئة على فئة اخرى غير تام، فما ذكرتموه استدلالا على ذلك - وهو عدم نهي الائمة (ع) عن مخالطة المخالفين في الرأي والمستهترين وبعض الروايات التي توحي بذلك -  هذه الادلّة ليست تامة نظرا لهذا الاحتمالات ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.           
 إلفات: نقل السيد الخوئي (ره) أن المحقق النائيني (ره) قد ادعى الإجماع على الإجزاء في العبادات التي جاء المكلف بها على طبق الحجة الشرعية فلا تجب إعادتها في الوقت ولا قضاؤها خارجه. أما في الاحكام الوضعية  المعاملات على قسمين: قسم يكون الموضوع باقيا ولا يقول فيه بالاجزاء، وقسم غير باق يقول فيه بالاجزاء.       يقول السيد الخوئي (ره): السادس: أن المحقق النائيني (قدس سره) قد ادعى الإجماع على الإجزاء في العبادات التي جاء المكلف بها على طبق الحجة الشرعية فلا تجب إعادتها في الوقت، ولا قضاؤها في خارج الوقت.[5]
وأما في الأحكام الوضعية (المعاملات بالمعنى الاعم، العقود والايقاعات وغيرهما) فقد ذكر (قدس سره) أنها على قسمين: أحدهما: ما كان الموضوع فيه باقيا إلى حين انكشاف الخلاف.
والثاني: غير باق إلى هذا الحين.
والأول: كما إذا عقد على امرأة بالعقد الفارسي، أو اشترى دارا - مثلا - بالمعاطاة، أو ذبح ذبيحة بغير الحديد، أو ما شاكل ذلك ثم انكشف له الخلاف اجتهادا أو تقليدا ( كما لو دلّ دليل على اشتراط العربيّة، ودلّ آخر على اشتراط الذبح بالحديد) مع بقاء هذه الأمور.[6]
والثاني: كما إذا اشترى طعاما بالمعاطاة التي يرى صحتها ثم انكشف له الخلاف وبنى على بطلانها اجتهادا أو تقليدا مع تلف الطعام المنقول إليه، أو عقد على امرأة بالعقد الفارسي ثم انكشف له الخلاف وبنى على بطلانه كذلك مع عدم بقاء المرأة عنده.
وبعد ذلك قال (قدس سره): أما القسم الأول من الأحكام الوضعية فلا إجماع على الإجزاء فيه، بل هو المتيقن خروجه عن معقده، ومن هنا لا نظن فقيها أن يفتي بالإجزاء في هذا القسم.
وأما القسم الثاني فيشكل دخوله في معقده، ولا نحرز شموله له، وبدونه لا يمكن الإفتاء بالإجزاء. ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قدس سره): بيانه:........ [7]
 وان شاء الله نكمل نقده غدا


[1] الكلام في ذلك وأن كان خلاف المشهور لكنه وارد، وقيل أن النجس نفسه أصلا لا ينجّس ولكن يجب الاجتناب عنه، اما غير عين النجاسة كالمتنجس الاول ليس موجود اصلا، وسريان النجاسة غير وارد. ولعلَّ منشأ هذا القول هو في تفسير كلمة " طاهر " فهل معناها الذي لا ينجس، أو معناها الذي يجوز استعماله، إذ لعلّ الإراقة الواردة في الروايات بمعنى عدم جواز الاستعمال؟
[2] السيد الخوئي (ره) يرجح أنه حفص بن عيسى لم تثبت وثاقته. وإذا كان حفص بن غياث وهو من كبار فقهاء أبناء العامة من أصحاب الإمام الصادق (ع) الخلّص ومن الثقات.
[3] فائدة:. عند إعادة أو ذكر أن نفس الحديث رواه آخر، يكون من باب أن كثرة رواية الكتب له تجعله مما ينطبق عليه الشهرة الروائية، فينطبق عليه " خذ ما اشتهر بين اصحابك " في حال التعارض، أي تكون سببا قوّة للحديث وترجيحه بان كتب الحديث المعتبرة ترويه. وللتذكير: الفرق بين الشهرة الروائية والشهرة الفتوائية. ان الشهرة الروائية هي اشتهار رواية في كل الكتب وعندما ينقلها هؤلاء الكبار تدل على اطمئنانهم لها. اما الشهرة الفتوائية فهي اشتهار فتوى بغض النظر عن مداركها. وقلنا ان الحر العاملي (ره) كان يميل إلى الاخباريين، وكان يستدل بأن الكتب الاربعة بأكملها صحيحة بمعنى انه يعتمد عليها ويؤخذ بها، وذكر ذلك في الجزء العشرين من كتابه في الخاتمة. ولذلك عندما يقول رواه الشيخ يعني أنه يسلم بالرواية حتى لو كان حفص الاعور ضعيفا، بل حتى لو كانت الرواية مرسلة أيضا. نعم المبنى كله ليس صحيحا
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج2، ص1074، أبواب النجاسات والاواني والجلود، ب51، ح2، ط الإسلامية.
[5] موسوعة الامام الخوئي، السيد أبوالقاسم الخوئي، ج44، ص106.
[6] اصبح لدينا حكم ظاهري آخر ونحن قلنا أن الأصل عدم الاجزاء إلا ما قام الدليل على خلافه.
[7] محاضرات في اصول الفقه، السيد ابو القاسم الخوئي، ج2، ص289.